تتوالى الفظائع والمجازر المروِّعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق أهلنا بقطاع غزة في تحدٍّ سافر لكل القوانين والمواثيق الدولية والمشاعر الإنسانية، كل ذلك الإجرام دون أن يتدخل أي أحد جدياً لردعه رغم كل المشاهد المروعة للجثث والأشلاء المتناثرة وصور الدمار والخراب التي تناقلتها وكالات الأنباء الدولية والقنوات الفضائية ورغم كل نداءات الاستغاثة التي صدرت عن الضحايا والمستهدفين من تحت الأنقاض، ومن بين الركام لحماية من تبقَّى منهم ونجدتهم.
يتعرض الشعب الفلسطيني في غزة لعملية إبادة جماعية ممنهجة بتواطؤ دولي، فمنذ أكثر من شهر بدأ القتل والتنكيل والتهجير والتدمير للمنازل والمباني السكنية على رؤوس الفلسطينيين وقصف للعمارات والأبراج، بل في هيستريا واضحة يتم أيضاً استهداف المستشفيات والمساجد والكنائس ومخيمات النازحين وقوافل الجرحى وقوافل الهاربين من جحيم القذائف المدفعية والصاروخية، بالإضافة إلى قتل متعمد للمراسلين الصحفيين والطواقم الطبية وطواقم الإسعاف، كل ذلك بالتوازي مع من منع لوصول الإمدادات الطبية والغذائية عنه بالقدر الكافي وما يلزم من وقود لتشغيل مولدات الكهرباء بالمراكز الاستشفائية، همجية استعمارية ممنهجة يقابلها صمت وتخاذل دولي.
فمن أمِنَ العقوبة أمعن في القتل والتنكيل والتدمير والإجرام، هذا ما ينطبق على دولة الاحتلال الإسرائيلي التي لم يكن لها أن تقترف كل هذه الجرائم بحق الفلسطينيين وإلحاق كل هذا الضرر والدمار بهم وبمنازلهم وأحيائهم السكنية لولا الضوء الأخضر والدعم والتأييد الذي تلقته من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوروبيين من جهة، ولولا تخاذل الحكام العرب من جهة ثانية ومباركة بعضهم في السر لهذا العدوان على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة نكايةً وانتقاماً من "حماس"، وأملاً في القضاء نهائياً على هذه الحركة المقاومة التي ما فتئت تحرجهم أمام شعوبهم وتفضحهم وتعريهم أمام العالم.
لندع تواطؤ أمريكا المفضوح وشركائها الأوروبيين في الإجرام وصمت المجتمع الدولي الذي يبدو أنه تخلَّى عن كل مسؤولياته القانونية والإنسانية والأخلاقية جانباً، فهذا موضوع آخر، ونركز على هذا الصمت المريب والموقف المخزي الذي واجهت به الأنظمة العربية غطرسة الاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المتواصل على الفلسطينيين.
علامات استفهام كثيرة حول عدم تحرّك الدول العربية في الوقت المناسب، وعدم عقدها لحد الآن قمة على مستوى الزعماء لإدانة إسرائيل واستنكار ما يتعرض له أهل غزة وسكانها من قتل للأطفال والنساء والشيوخ وقصف للبشر والشجر والحجر ولكل ما يتحرك فوق أرضها ولو ببيان شجب شديد اللهجة؛ حفظاً لماء الوجه على الأقل.
هل هو الجبن المزمن من أمريكا والخوف على السلطة؟! أم أن العداء الشديد للمقاومة من قِبَل بعض الأنظمة بالمنطقة ولكل ما يمت بصلة للإسلام من فكر ثوري تحرري وحركات جهادية مقاومة للظلم والجور هو ما أخرسها وأعماها وجعلها تؤيد وتبارك ضمنياً كل الممارسات الاحتلال الإجرامية، إذ لا يعني صمتها إلا أنها لا ترى مانعاً في سحق ما يزيد عن مليونَي فلسطيني محاصرين بقطاع غزة وإبادتهم عن بكرة أبيهم والتضحية بهم مقابل القضاء على المقاومة، في مقابل انسجام تام وتناغم كامل مع نظرة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته التوسعية بالمنطقة.
الصمت المخزي والمريب كذلك للجيوش العربية طرح جملة من التساؤلات حول جدوى وجودها، وهي التي يتم تسليحها بآخر أنواع الأسلحة والعتاد العسكري من طائرات حربية مقاتلة ودبابات ومدرعات ومدمرات ومسيرات وصواريخ وغواصات بحرية، إذ يجري تجديد ترسانتها العسكرية سنوياً بأضخم الميزانيات على حساب مجالات أخرى أكثر حيوية تهم حياة الشعوب العربية وكرامتها وحقها في الصحة والتعليم والإسكان والتشغيل، وما إلى ذلك؟
في ظل هذا التخاذل المقيت للأنظمة العربية الحاكمة وجيوشها التي غيرت عقيدتها القتالية من حماية الأوطان من أي اعتداء خارجي وردع الاحتلال الاسرائيلي تحديداً، لتأمين أمن وحدود الاحتلال نفسه، بينما تتوغل في قتل المعارضين والنشطاء السياسيين والحقوقيين داخلياً وسحق المظاهرات والانتفاضات الشعبية واستئصال الأحزاب السياسية المعارضة وقتل رموزها داخل السجون، لذلك يبقى الأمل معقوداً على باقي الدول الإسلامية القادرة على تحريك جيوشها وأساطيلها البحرية وطائراتها الحربية وصواريخها الباليستية على رأسها تركيا وباكستان، وسيظل هذا الأمل معقوداً على إيران وأذرعها المسلحة في المنطقة رغم ما خلفه خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، يوم الجمعة الماضي من حسرة في النفوس وخيبة أمل كبرى.
في ظل ذلك الصمت العربي تذهب الكرة الآن -بعدما طفح الكيل وبلغ الظلم والجور والطغيان الإسرائيلي منتهاه- في ملعب هذه الدول والقوى الإسلامية الكبرى التي يعلق عليها ما يزيد عن مليارَي مسلم ومسلمة على ظهر هذا الكوكب كل الآمال من أجل ردع الاحتلال الإسرائيلي.
إن هذه الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي يتعرض له أهلنا في قطاع غزة يجب أن يتوقف فوراً، والعدوان الوحشي الهمجي عليهم يجب أن ينتهي بأي وجه كان ومهما كانت العواقب حتى لو أدى ذلك لاندلاع حرب عالمية ثالثة تنتهي بإعادة تشكيل نظام عالمي جديد عادل ومنصف للشعوب المقهورة المستضعفة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.