إذا كانت المقاومة قد أدت دورها بكفاءة، من خلال قيادة مُوَجِّهة، وإعداد متكامل، وعقل مُدَبِّر، والدول قد أبدت مواقفها من خلال السلطة، والموازين التي تتحكم فيها.
فما دور الشعوب؟ ومن يوجه طاقتها؟ وكيف نستفيد من زخمها؟
إننا حين نرى صور الابتسامات العريضة لأطفال ورجال ونساء، خرجوا من تحت الأنقاض، يستخفون بآلة الدمار، وترى صحفياً يستقبل من بين الأخبار استشهاد عائلته، وطبيباً يحمل جثة أولاده. يدفنون موتاهم ثم يعودون إلى ميدان العمل، بمعنويات مرتفعة وعزم قوي.
نقول بأن المقاومة ملتحمة مع حاضنتها الشعبية وقيادتها السياسية والعسكرية.
وترى المقاومة تثخن في جنود الاحتلال على مسافة صفر، وتأتي بهم أحياءً بالمئات، فيصيب قيادته الدهشة والارتباك، ويستدعي الأمر تأهب أكبر جيوش العالم على تخوم غزة. فتدرك حجم الرعب وهشاشة العدو وملامح الانتصار.
وتُعامل المقاومة الأسرى بروح إنسانية، ولفتة حضارية، تضرب أعماق الإعلام الغربي.
نقول إن المقاومة قد أدت واجبها في تحرير جزء من الأرض، لتثبت أن الانتصار ممكن، وواجبها في إعادة صخرة التطبيع من قمة الجبل، تحملها أكتاف المطبعين، فتسقط من جديد، وتعيد أدراجها إلى قاع الجبل، على قاطرة التطبيع.
وأدت دورها كاملاً في تدمير هيبة الكيان الصهيوني في ذهن قادة العالم، بما يصعّب ترميم صورته في مِخْيال الشعوب.
وبالمقابل فقد أدى حلفاء هذا الكيان التقليديون دورهم كاملاً في واجب الحماية، دون تردد، بل يقدمون أسلحتهم وجيوشهم فداءً لهذا الكيان.. وليس هذا هو الجديد، وإنما الجديد هو دَفْعه لمزيد من المكابرة. من أجل مزيد من الدماء، وكما يقول المثل الروسي: "إن لم يتحقق الهدف بالقوة، فبمزيد من القوة".
ولم يتأخر بعض حلفاء القضية، الذين صنعوا بيئة معادية، بين من يتبرأ من حركة المقاومة، ويتهمها بتقويض جهود السلام، ومن يندد، ولكنه يساوي بين الجاني والضحية.
وهكذا تمايزت الصفوف؛ فالشرفاء يعرفون يومَ الأحزاب خنادقهم، والضِّباب يعرفون يومَ الفضحية جُحُورهم؛ "لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه".
ليأتي دور الشعوب العربية والإسلامية، وأحرار العالم الذين يؤمنون بالقيم الإنسانية.
والتي يتنامى زخمها في كل يوم ككرة الثلج، ويمتد في كل الساحات، تهتف بلغاتها المتعددة، برفض الاحتلال وسياسة التهجير القسري، وتندد بالجرائم الإنسانية والأعمال الوحشية ضد الأطفال والنساء.
لكن هاته الشعوب لا يمكن أن تؤدي واجبها كاملاً من خلال عمل عفوي، وحركات عشوائية، وهي تبحث عن دور وقيادة وعمل موجه ومنسق.
وهي تملك قوة خيالية للضغط على الحكومات والدعم المالي إذا أحجمت هاته السلطة، ولشبابها قدرة إبداعية خارقة في وسائل التواصل وأساليب التأثير، إذا أحسن التوجيه، لدحر الدعاية الإسرائيلية، ولنخبتها قوة علمية وأدبية لإسقاط السّردية الغربية، ولمجتمعها المدني وأحزابها قوة تجميعية تمكنه من حشد نصف الكرة الأرضية ومن أحرار العالم الذين يؤمنون بعدالة القضية.
لكن الشاب اليوم تائه، يبحث له عن دور ولا يدري ماذا يفعل، والطبيب يتحرق قلبه ليكون مسعفاً على أرض الميدان، والجندي في الثكنات يتوجع ألماً، يتمنى الشهادة في هكذا معركة يوجه فيها البندقية لصدر العدو وليس لصدور أبنائه. وكم من امرأة خلعت حليها، فليس وقت الزينة، وتستعد لتقديم أبنائها وليس حليها فقط.
لا شك أن فراغاً رهيباً في توجيه وتنظيم طاقات الأمة، وجهوداً مهدورة في كل اتجاه تحتاج إلى تراكم، وطاقات ضخمة وموارد كبيرة تحتاج إلى تجميع.
إن الشعوب اليوم تبحث عن دولة مركزية حامية، ومرجعية دينية حادية، وقيادة توجيهية حاسمة، ونخب متحمسة. حينها تصنع الشعوب المعجزة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.