في دراسة بعنوان: "دور الوساطة في التعامل مع الأزمات الدولية.. الوساطة القطرية نموذجاً"، يرى الباحث محمد عيسى المهندي، أن أحد أسباب نجاح بلاده في وساطاتها في الأزمات الدولية يرجع إلى "حرص الدبلوماسية القطرية على لعب دور رئيسي في بناء علاقة متوازنة مع الدول الناشطة في السياسة الخارجية الدولية، والتزامها بمبادئ النزاهة والرغبة القوية في حل النزاعات".
ونظراً لعلاقاتها الجيدة مع الولايات المتحدة ومع حركة حماس الفلسطينية، تضطلع قطر بدور أساسي في الجهود الرامية إلى الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، منذ عملية "طوفان الأقصى" التي شنّتها على "إسرائيل"، في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تقول حكومة الاحتلال إن حماس خلال هجماتها خطفت 203 أشخاص، بينهم أجانب وإسرائيليون وحاملو جنسيتين إسرائيلية وأجنبية، إلا أن حركة حماس أفرجت الأسبوع الماضي- وبوساطة قطرية- عن محتجزتين أمريكيتين (أم وابنتها) لدواعٍ إنسانية، وأفرجت لاحقاً عن امرأتين مسنتين.
صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية كشفت في تقرير سابق لها، فيه بعض من تفاصيل الدور الذي لعبته دولة قطر في إطلاق سراح المحتجزتين الأمريكيتين في غزة.
وقال الكتاب جيفري جيتلمان وآدم غولدمان وإدوارد وونغ وبن هابرد- في تقرير مشترك، إنه في السابع من أكتوبر 2023، وبعد ساعات قليلة من بدء حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هجومها على إسرائيل، تحدث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن هاتفياً مع رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وأثار قضية "الرهائن" معه، وفقاً لاثنين من كبار المسؤولين في وزارة الخارجية الأمريكية.
وبحسب الصحيفة، فقد كان أمل العديد من الدبلوماسيين هو أن تتمكن قطر من لعب دور الوسيط، وهذا بالضبط ما جرى في إطلاق سراح الأم وابنتها، وكلاهما تحمل الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية، ولاحقاً ساعدت الدوحة في الإفراج عن امرأتين مسنتين، بمعنى أن مجمل من تم الإفراج عنهم بوساطة قطرية حتى الآن 4 رهائن.
أضاف كاتبو التقرير، أنه على مدار الأسبوعين التاليين، أجرى بلينكن ومسؤولون أمريكيون آخرون ونظراؤهم القطريون وممثلون من تركيا ومصر وفرنسا والعديد من الدول الأخرى محادثات دقيقة حول كيفية إخراج الأسرى.
بينما قالت مصادر لقناة الجزيرة، الجمعة، إن المفاوضات تسير بشكل متسارع لإنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار وصفقة تبادل أسرى بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بوساطة قطرية.
تقدم كبير لكن لا تزال هناك مسائل عالقة
في الوقت نفسه، نقلت شبكة "سي إن إن" الأمريكية عما وصفتها بالمصادر الدبلوماسية المطلعة على المفاوضات، أنه تم إحراز "تقدم كبير" في المفاوضات لإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين، لكن "لا تزال هناك مسائل عالقة".
وقال شخص مطلع على الاجتماعات "وفقاً للمصدر السابق"، إن مساعِدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، موجودة في الدوحة لعقد اجتماعات مع القيادة القطرية.
غير أن وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، محمد الخليفي، وصفها بـ"مفاوضات صعبة للغاية"، مضيفاً في مقابلة مع شبكة سكاي نيوز، أنه "مع تزايد العنف واستمرار القصف كل يوم أصبحت مهمتنا أكثر صعوبة".
كاتب المقالة استطلع رأي المحامي المختص في حقوق الإنسان ومراقبة الصراعات جونثان هوتسون، الذي أفاد بقوله "تقوم قطر بدور مفيد في إبقاء خط الاتصال مفتوحاً لتأمين إطلاق سراح الرهائن، كما فعلت في أزمات أخرى من قبل".
وأضاف الخبير الأمريكي: "في حين قد يتساءل البعض عما إذا كانت قطر متعاطفة مع حماس، فإن الحقيقة تقول إنه يجب أن يقوم شخص ما بلعب دور المفاوض، وأي مراقب عاقل سيعترف بوجود معاناة غير عادلة واعتبارات إنسانية في غزة، هناك حاجة إلى تفكير جديد ونهج جديدة لإيجاد السلام".
من ناحيتها، تعتقد الباحثة في قضايا السلام وفض النزاعات "كارولين فرامبتون"، أن الوساطة القطرية يمكن أن تصطدم بعقبات صعبة. لأن الدوحة تحاول التوسط من أجل حل وسط، بينما تريد إسرائيل والولايات المتحدة الضغط من أجل محو فلسطين، بحسب وصفها.
وزادت الباحثة الأيرلندية في حديثها مع الكاتب "أعتقد أن مفاوضات الرهائن هي مجرد وسيلة لتأخير الغزو البري"، قبل أن تتساءل "هل يتم التفاوض على إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والإبقاء على مليونَي رهينة فلسطينية في المقابل؟".
فيما يتعلق بالانتهاكات قال هوتسون: "من منظور حقوق الإنسان، من الواضح أن إسرائيل وحماس ارتكبتا تجاوزات، ومع ذلك فإن قصف إسرائيل العشوائي للمدنيين الفلسطينيين هو جريمة حرب، كما أن حرمان سكان غزة من الظروف اللازمة للعيش بكرامة- من خلال قطع التيار الكهربائي والغذاء والماء والإمدادات الطبية- هو مقدمة للإبادة الجماعية".
لا يمكن القضاء على حماس
ترى كارولين فرامبتون أن هدف إسرائيل المعلن من الغارات الجوية والعملية البرية المحتملة هو القضاء على حماس، موضحةً أن ذلك الهدف لا يمكن تحقيقه لأن الأمر لا يتعلق بمجموعة من المقاتلين، بل هي حركة مسلحة مستمرة ومتجذرة في المجتمع، آخذة في النمو، نابعة من فكرة المقاومة، وظهرت بسبب أنه لم يُسمح بوجود جيش شرعي.
ورغم الصعوبات التي تحدَّث عنها وزير الدولة القطري، فإن المحللة الأيرلندية تبدو متفائلةً بإمكانية نجاح الوساطة القطرية في تحقيق اختراق يفضي إلى الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين مقابل تأمين هدنة إنسانية طويلة المدى، تسمح بدخول المساعدات التي تشتد الحاجة إليها، بما في ذلك الوقود والمستلزمات الطبية.
أشارت فرامبتون إلى أن قطر احتضنت مكتباً لطالبان منذ عقد من الزمان، ما أسهم في عمليات إجلاء الأفغان الذين عملوا مع كيانات أمريكية قبل استيلاء طالبان على السلطة هناك قبل عامين، وفي هذا الشهر أيضاً، ساعدت قطر في لمّ شمل أطفال أوكرانيين مع عائلاتهم.
كما لعبت الدوحة في الشهر الماضي دوراً حاسماً في صفقة الإفراج عن رعايا أمريكيين كانوا محتجزين في إيران، مقابل فكّ تجميد 6 مليارات من الأموال الإيرانية لدى كوريا الجنوبية. "وفقاً للباحثة الأيرلندية".
انتقاد محدود للعلاقات القطرية مع حماس
كانت صحيفة "فايننشيال تايمز" قد أوضحت في تقرير لها يوم الخميس، أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، سافر إلى الدوحة للحصول على دعم قطر، في تأمين الإفراج عن الرهائن لدى حماس، ومنع توسع الحرب بين حماس وإسرائيل إلى نزاع إقليمي.
ذكرت الصحيفة في تقريرها الذي أعده أندرو إنجلاند، أن القادة الغربيين التفتوا إلى قطر منذ هجوم حماس قبل عشرين يوماً، يطلبون دعمها للإفراج عن أكثر من 200 شخص، بمن فيهم أمريكيون وأوروبيون لدى حماس.
ووصفت "فايننشيال تايمز" انتقاد العلاقات القطرية مع حماس بأنه "انتقاد محدود"، حيث دعا مشرعون وجماعات ضغط متطرفة في أمريكا لإغلاق مكتب حماس في الدوحة، مشيرةً إلى أن مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنيغبي نفسه رحّب بدور قطر في الإفراج عن الرهائن، قائلاً "الدبلوماسية القطرية مهمة في هذا الوقت".
جدير بالذكر أن كبار المشرعين الأمريكيين ينظرون بإيجابية إلى الدور الذي تلعبه قطر في أزمة الرهائن، حيث نقلت صحيفة ذا هيل عن السيناتور بن كاردن، الذي يشغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قوله: "نحن نستخدم كل ما في وسعنا من اتصالات لمحاولة إطلاق سراح الرهائن"، مضيفاً "لذا فإن قطر لديها سبل نعتقد أنها مفيدة".
وقال بن كاردن للصحيفة الأمريكية، المتخصصة في تغطية شؤون البيت الأبيض والكونغرس، "لقد كنا واضحين للغاية بشأن دور قطر في السماح لحماس بالعمل في بلادهم، وهذا خطأ، وقد أشرنا إلى ذلك وسنواصل الإشارة إلى ذلك".
لكنّ السيناتور الديمقراطي البارز استدرك بإشارته لوجود قاعدة العديد الجوية في قطر، وهي مقر القيادة المركزية الأمريكية والقيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية، وجناح المشاة الجوية رقم 379 التابع للقوات الجوية الأمريكية، كما أن قاعدة العديد هي مركز القوة العسكرية الأمريكية التي تشرف على الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، بما في ذلك إيران وباكستان وأفغانستان ودول الاتحاد السوفييتي (سابقاً).
سويسرا الشرق
من جانبه، قال السفير الأمريكي الأسبق لدى اليمن، جيرالد فايرشتاين، للصحيفة ذاتها، إن قطر تحب أن تنظر إلى نفسها كوسيط في الشرق الأوسط، مثل سويسرا، ما يوفر لها النفوذ والحماية في بيئة معادية.
وتابع السفير المخضرم الذي خدم لأربعة عقود في السلك الدبلوماسي لبلاده في منطقة الشرق الأوسط والخليج: إنهم (القطريين) يرون أن بإمكانهم لعب دور من خلال إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة، سواء أكان الأمر يتعلق بطالبان أو حماس، أو الإيرانيين، فإنهم يرون أنهم يمكن أن يكونوا مفيدين من خلال القدرة على التواصل أو تمرير الرسائل.
وتحدث فايرشتاين أيضاً عن سجل قطر في الدبلوماسية، مشيراً إلى دورها في أوائل العقد الأول من القرن الـ21، في محاولة التوسط بين الفصائل المتحاربة في اليمن، وجهود الوساطة التي بذلتها بين جيوبتي وإريتريا، فضلاً عن استضافة الدوحة للمحادثات الأمريكية مع طالبان، وأردف بالقول: "لا أستطيع أن أتذكر أي وقت قال فيه القطريون إنهم سيفعلون شيئاً ولم يفعلوه، أعتقد أنهم جديرون بالثقة".
تابع الدبلوماسي الأمريكي، وهو الآن زميل في معهد الشرق الأوسط حديثه قائلاً "بشكل عام، كلمتهم محترمة، ومن الواضح أنه إذا كنت تريد أن تلعب الدور الذي يريدون أن يلعبوه، فهذا عنصر أساسي للغاية، إذا لم يثق الناس بك فلن يلجأوا إليك للقيام بهذه الأشياء".
كذلك يرى الكاتب ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، أن الوساطة القطرية قد تكون فرصة للبحث عن حل لقضية الأسرى بين حماس وإسرائيل، وتوقّع ألا يغامر الاحتلال الإسرائيلي بالغزو البري لقطاع غزة، مضيفاً في حديث بندوة نظّمها المركز القطري للصحافة، أن "إسرائيل غير جاهزة للغزو البري، وتؤكد العديد من المؤشرات على ذلك، ومعظم العمليات العسكرية تأخذ شكل عمليات جوية ولا تتضمن غزواً برياً".
إذاً، يبقى التحدي أمام الدبلوماسية القطرية في كيفية إدارة المفاوضات الصعبة وغير المباشرة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، بما يضمن وقف العدوان وإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وانسياب المساعدات مقابل الإفراج عن الرهائن، فقطر بالتأكيد ستكون حريصة على سمعتها ونفوذها في غزة، إذ ظلّت الدوحة على مدى السنوات الماضية تدفع رواتب موظفي القطاع، وتقوم بإنشاء مشاريع إنسانية واقتصادية كبيرة، إلى جانب انخراطها سابقاً في المحادثات الشاقة التي هدفت إلى إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.