حتى مساء الإثنين؛ استشهد أكثر من 3542 طفلاً و2187 سيدة و460 مسناً بما نسبته 73% من مجموع الشهداء الفلسطينيين البالغ عددهم 8525 ، وهو عدد يزيد بأكثر من ضعفي عدد شهداء جميع الحروب الصهيونية السابقة على قطاع غزة منذ عام 2008، وهو رقم مفزع يدل على مدى حالة "السعار" التي وصل لها الاحتلال الإسرائيلي لمواجهة عجزه التام في التعامل مع التطور الدراماتيكي في قدرات المقاومة الفلسطينية.
الأرقام المأساوية كثيرة، منها مثلاً استشهاد 116 من الفرق الطبية وتدمير 25 سيارة إسعاف واستهداف 57 مؤسسة طبية؛ وضخامة هذه الأعداد من القطاعات غير العسكرية تؤكد أن الصهيونية بكل مكوناتها من الولايات المتحدة الأمريكية وصنيعتها الكيان الإسرائيلي والدول الغربية الكبرى لا يوجد في تركيبتهم أي ذرة ضمير وإنسانية، وإلا فكيف نفسر سقوط هذا العدد الضخم من الأبرياء؟!
قتل الأطفال والنساء ليس بالخطأ، بل هو هدف استراتيجي للعدو الإسرائيلي، ففي الاستراتيجيات العسكرية وقبل تزويد المقاتلات بالقنابل يتم الاتفاق على الأهداف بدقة؛ بحيث تتم برمجة الأجهزة بواسطة خبراء عسكريين من أجل تحقيق المهمة المطلوبة، ولذلك فإن جميع الأهداف المدنية التي تم استهدافها في قطاع غزة لا يوجد فيها أي هامش من الخطأ، وكأن النجاح في تدمير عمارة كاملة على ساكنيها يعتبر نجاحاً للقيادة الإسرائيلية أمام شعبها المتعطش للدم الفلسطيني.
لذلك، فإن جميع المؤتمرات الصحفية الأمريكية والأوروبية، والتي تطلب من قوات الاحتلال تجنب قصف المدنيين كاذبة جملة وتفصيلاً، ويتم توجيهها لخداع المجتمعات الغربية لعدة أسباب، منها أهداف انتخابية، ونرى أن العالم الغربي بهذه الازدواجية وممارسة الكذب على الهواء مباشرة قد عرى نفسه أمام الشباب العربي الذين كانوا في السابق يعتقدون أن الديمقراطيات الغربية توفر لهم الأمل والمصداقية، لكن الآن وبعد طوفان الأقصى فلم يعد هناك مجال لتجميل وجههم القبيح إلا من قبل المرتزقة الذين يتشكل عندهم الشرف وفقاً لقاعدة "من يدفع أكثر".
ما زالت هناك بعض الأصوات الغربية التي تخرج من هنا وهناك وتحاول أن تبقي مساحة للغة السياسة، ولكن منسوب وعي الشعوب قد ارتفع كثيراً ولا يوجد أي وسيلة في الأرض تستطيع أن تجمل حقيقتهم، دعاة الحرية التي تخفي في باطنها أدوات الاستعمار الناعم هم داعمو الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه المستمرة يومياً في استهداف أطفال ونساء فلسطين بشكل مخطط له، وكأنهم ينفذون بجدية إبادة الشعب الفلسطيني، وآخر هذه المجازر ما حدث في مخيم جباليا وقصف بيوت المدنيين على ساكنيها في هولوكوست موثق بالصورة والصوت يدحض أي مبادئ وقيم في العالم.
من المؤسف حقاً حالة الوهن الشديد للموقف الرسمي العربي رغم وجود بعض التصريحات الجيدة، ولكن غياب الفعل يعني مزيداً من الشهداء يومياً، ومن يستشهد يومياً هم الأبرياء فقط، فكيف يستطيع السياسيون مجرد متابعة ما يحدث لإخوة لنا في الدم والتاريخ والرسالة، والاكتفاء بمجرد أحاديث سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع، والدم الفلسطيني ليس رخيصاً وعند الله تلتقي الخصوم.
على أقل تقدير يمكن استخدام ورقة اتفاقيات السلام في الضغط على الجانب الصهيو-أمريكي، فهذه الاتفاقيات في مجملها يستفيد منها الاحتلال الإسرائيلي في شرعنة وجوده بعكس الدول العربية التي لم يتحقق لها شيء من توقيع تلك الاتفاقيات، ولذلك فإن إلغاء العمل بتلك الاتفاقيات وإعادة السفراء ستشكل ضغطاً على الجانب الإسرائيلي، لأنه في حالة إلغاء الاتفاقيات يعيد النظر بشرعية وجوده، نتحدث عن ذلك رغم إيماننا بعدم شرعية الاحتلال، ولكن هي باب يجب أن يطرقه السياسيون لممارسة دور ولو بسيط قد يؤتي ثماره.
لم نعاصر أو نقرأ عن جرائم في التاريخ مثلما يحدث للشعب الفلسطيني، وقد سقطت كل الأقنعة في عالم تحكمه الولايات المتحدة بكل وحشية من أجل المحافظة على مصالحها التي تحصلت عليها بالنهب والقوة العسكرية والاستخباراتية، ولم يعد هناك أي أفق سياسي، ولا تملك أي شخصية عربية أو إسلامية أن تتسامح نيابة عن الشهداء، لذلك فإن كل من سينجو من هذه المذابح سيكون نواة لإبادة المجرمين القتلة في يوم قريب، {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.