لا شك أن أحداث "طوفان الأقصى" هي ما يشغل بال الكثيرين، منذ اندلاعها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، رداً على الانتهاكات الإسرائيلية في باحات المسجد الأقصى المبارك، واعتداء المستوطنين الإسرائيليين على المواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة والداخل المحتل، تلك العملية التي استقبلها الكثيرون حول العالم العربي بالاحتفال والاحتفاء بما حققه الجانب الفلسطيني من انتصار على المحتل الإسرائيلي، الذي نال قدراً لا بأس به من الخسائر، أعقبتها حالة من الانتشاء والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.
لم تكن عملية طوفان الأقصى مجرد توجيه ضربات جوية بالصواريخ كما هو معتاد في السنوات السابقة، فقد صاحب توجيه آلاف الصواريخ إلى العدو اقتحام بري من المقاومين عبر السيارات رباعية الدّفع والدراجات النارية والطائرات الشراعية. هي عملية شاملة إذن.
كانت الفرحة تسيطر على الكثيرين بالوطن العربي، خصوصاً في أول يومين من الطوفان، بعد الانتصارات التي حققتها المقاومة الفلسطينية التي سيطرت على عددٍ من المواقع العسكريّة للمحتل الغاشم، كما أسروا عدداً من الجنود واقتادوهم لغزة فضلاً عن اغتنام مجموعة من الآليات العسكرية الإسرائيلية. الأخبار التي تم نشرها عن الطوفان كانت تؤكد أن هناك حرباً حقيقية وليست مجرد مناوشات وعمليات محدودة.
كانت الأجواء حماسية يشوبها قلق منطقي، حتى بدأت هيستريا الاحتلال وارتكابه المجازر والجرائم بحق أهل غزة، والتي وصلت لاستهداف المستشفى الأهلي العربي (المعمداني سابقاً) في قطاع غزة، يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول، تاركةً وراءها نحو 500 شهيد، فتبدلت حالة الحماس والسعادة بالانتصار إلى حالة من الحزن والغضب والندم، وبدء الشك يتصاعد من جدوى العملية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية.
في رأيي أن المنتقدين للجانب الفلسطيني في مقاومته المشروعة ضد الاحتلال ما هُم إلا مجموعة من المحبطين، غير الواعين لأبسط حدود المنطق، إذ يتغافلون عن المجازر التي ارتكبها العدوان سابقاً دون أن يتعرض قبلها لأية مضايقات من الجانب الفلسطيني.
فطبيعة ذلك الاحتلال هي ارتكاب المجازر وترويع وإنهاء الفلسطينيين، فهذا هو جوهر هذا الكيان وأساس وجوده، فبنظرة بسيطة سنجد المجازر السابقة لم تكن لردود أفعال لضربات وجهتها المقاومة للاحتلال، ما يعني أن المجازر حدثت، وتحدث، وستحدث مادام هذا الاحتلال موجوداً، وإذا كانت المجازر مرتبطة بوجود هذا الكيان فلا مفر إذن من مقاومته ومحاولة القضاء عليه.
لن يتغير الواقع عبر إقناع العالم بقضيتنا ضد الأقوياء، لذا فموضوع المقاومة ليس من الموضوعات القابلة للنقاش، فهو أمر حتمي فرضته الظروف الظالمة، وأي نقاش حولها سيعيدنا خطوات إلى الخلف، وسيضيع مكاسبنا مما حدث، وإذا كان البعض أو الكثيرون مشغولين ومهمومين بحجم الخسائر التي حدثت للجانب الفلسطيني، فإنهم يظلمون الشهداء ويظلمون أنفسهم والمقاومة، بتجاهلهم للمكاسب التي حققناها بعملية طوفان الأقصى، والتي أحاول تلخيصها في النقاط التالية:
حرب حقيقية
عملية طوفان الأقصى التي أشعلت الصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أخذت شكل الحرب الشاملة، لتثبت أن الجانب الفلسطيني ما زال على قيد الحياة، وما زال قادراً على الصمود والمواجهة.
تعاظُم الخسائر للاحتلال الإسرائيلي
وفقاً للأرقام الإسرائيلية وصل عدد القتلى من إلى ما يزيد عن 1500 قتيل من جانب الاحتلال، هذا بجانب الخسائر الاقتصادية، فبحسب كبير الاقتصاديين في شركة الاستثمار الإسرائيلية "ميتاف"، أليكس زبينسكي، ستصل أضرار الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة إلى أكثر من 70 مليار شيكل (18 مليار دولار)، وهو ما يشكل حوالي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الإسرائيلي.
كل ذلك حققته المقاومة بعملية طوفان الأقصى، أوقفت فكرة أن يتم استنزافنا وقتلنا بلا ثمن، وألحقت بالمحتل هزيمة وجرحاً سيظل ينزف في كتب التاريخ، ولن يندمل أبداً.
ردود الأفعال العالمية
الآن نشهد خروج مظاهرات داعمة للشعب الفلسطيني، ومنددة بالاحتلال الإسرائيلي في أكثر من دولة حول العالم، ومنها إنجلترا، في مشهد لم يكن يتخيله أكثر المتفائلين، ما يعني أن الحقيقة بدأت تظهر لشعوب العالم، والتي يكون لها دور كبير في التأثير على حكوماتها، ما قد يُسهم في الضغط على تلك الحكومات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وما يعني بدوره خطوة مهمة في طريق حل القضية.
إعادة إحياء القضية
كان هناك تخوف لدى الكثيرين من أن الأجيال الصاعدة ستكبر دون أن يكون لديها وعي بالقضية الفلسطينية، ولكن أحداث طوفان الأقصى أعادت إحياء تلك القضية، فشاهدنا خلال الأيام القليلة الماضية بعض الأطفال من أعمار مختلفة مهتمين بالسؤال عن ماهية فلسطين والاحتلال الإسرائيلي، فشاهدنا العَلَم الفلسطيني يرفرف في أماكن مختلفة، ومن ضمن مَن يحملونه أطفالٌ، يمكن أن يجعلوننا نطمئن على مستقبل القضية التي لن تموت.
الحديث عن قرب نهاية إسرائيل
التظاهرات التي خرجت في مختلف دول العالم بلورت فكرة الكراهية تجاه الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل، وهو ما جعل البعض يتنبأ بقرب انتهاء هذا الاحتلال، حتى إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، أبدى مخاوفه من قرب زوال إسرائيل قبل حلول الذكرى الـ80 لتأسيسها.
المقاطعة الجديدة
المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن يتغافل حملات المقاطعة للمنتجات الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وهي ليست حملة المقاطعة الأولى، ولكن الفرق بين تلك الحملة وسابقتها أن هناك توجهاً جديداً للتأكيد على المقاطعة بإيجابية، أي المقاطعة الدائمة، وليست مقاطعة مؤقتة حتى ننسى الأحداث، وهو أمر إيجابي يعطي لنا الأمل في إمكانية تصحيح الأخطاء، والاستمرار في الطريق الصحيح للنهاية.
في النهاية لا أجد أمامي سوى الترحم على الشهداء، والدعاء لهم ولذويهم، ومطالبة المقاومة بمختلف فصائلها بالاستمرار في الدفاع عن أرضهم وكرامتهم وشرفهم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.