“طوفان الأقصى”.. هل حان وقت المستحيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/30 الساعة 11:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/30 الساعة 14:26 بتوقيت غرينتش
فلسطينيون يحتفلون أمام دبابة إسرائيلية تم تدميرها من قبل المقاومة - أرشيفية، الأناضول

أصبح في حكم المستحيل على الاحتلال الإسرائيلي تحقيق مكاسب عسكرية تعيد لقواته المنهزمة شيئاً من سمعته المهدورة وأسطورته التي تحطمت وتهشمت. 

في اليوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، انتهت المعركة عسكرياً، وشهدت قوات الاحتلال الإسرائيلي هزيمة مدوية، تعد من أكثر الهزائم إيلاماً في تاريخ الاحتلال. وما تلا ذلك اليوم لم يكن سوى هيستريا الاحتلال، أطلق العنان كالعادة في العنف والقتل واستهداف المدنيين.

لذا، كان من واجب الشعوب العربية والإسلامية، وجميع الشعوب الحرة الأبية التي تتمتع بالإنسانية، أن تقف في وجه العنصرية واللا إنسانية، التي منحت لها الولايات المتحدة الضوء الأخضر دون وجود خطوط حمراء في سحق المدنيين، انتقاماً لهيبتهم المزعومة التي بُعثرت بواسطة الآلاف من المجاهدين الأبطال.

وعندما نأتي لتصريحات المتحدث العسكري باسم المقاومة المعروف بلقب "الملثم"، نشعر بارتياح كبير من خلف فكره السياسي المنضبط وكلماته المتزنة الذي تبعث رسائل عديدة في اتجاهات مختلفة.

لم تكن الضربة الاستباقية التي منحت المقاومة اليد العليا في ساحة المواجهة مجرد ضربة صادمة نتيجة لمغامرة أو مقامرة غير مدروسة، بل كانت ضربة مولودة من رحم المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني وقضيته، التي طواها النسيان أو كادت أن تغيب؛ بل إن تلك الضربة نتاج جهد كبير في سجن كبير على مدى سبعة عشر عاماً كاملة من الحصار اللاإنساني، صنعت منه المقاومة المستحيل وتسارعت قوتها في تطور مطرد وخرجت بمعجزة عسكرية سوف تستمر ثمارها لسنوات طويلة لتدرس نتائجها وتكتيكها في الكليات العسكرية حول العالم.

وأما عن همجية إسرائيل والهيستيريا التي أصابتها، فإن ذلك من طبيعتها في التعامل مع الشعب الفلسطيني وليس بجديد عليها؛ حيث إن ما تفعله ناتج عن عقيدة واعتقاد وليس مجرد رد فعل لتلك الضربة الاستباقية! فهم ينظرون للعرب على أنهم مجرد حيوانات يجب التخلص منها والقضاء عليها، فداوموا على ارتكاب المجازر على مر الزمان في مراحل الصراع الممتد.

وبينما تسقط هذه الوحشية الضحية تلو الأخرى، أسقطت معها رداء التحضر المزيف التي طالما تشدق به الغرب، فنرى كيف يأتي المستعمر القديم لمساندة المستعمر الحالي، ليدعم ذلك ويؤكده، فنجد كماً هائلاً من الانبطاح والانحياز الكامل للمحتل من قِبل الولايات المتحدة وأغلب دول أوروبا.

فنرى واشنطن بأكملها في إسرائيل بداية من الرئيس، إلى وزير الخارجية؛ ووزير الدفاع وقائد الأركان و جنرالات الجيوش، بالإضافة إلى أكثر من 2000 مقاتل من قوات النخبة الأمريكية، وحاملتي طائرات عملاقة بطائراتها وجسر جوي ينقل ذخائر وصواريخ، بينما تأتي أوروبا على شكل قافلة محملة ببارجتين بريطانيتين وطائرات مقاتلة بطياريها وأسلحة فرنسية وطائرات مسيرة وأسلحة ألمانية ودعم سياسي أطلسي و7 أجهزة مخابرات عالمية.

وكأنها حرب عالمية على غزة وحدها، ورغم ذلك لم يحصد الاحتلال أي نصر عسكري يرمم وجهه ووجه حفنة المستعمرين حلفائه.

كل هذا الوهن والهزيمة لا نراه نحن فقط، بل يدركه الاحتلال أيضاً، وهو ما انعكس على قواته، فنرى حكومته المضطربة وعلى رأسها نتنياهو، تلجأ لأساطير نبوءات دينية لتحفيز جنودها المهزومين لعلهم ينتفضون عندما يعلن أنها حرب دينية.  

وهذا ليس بجديد، فالتصريحات الدينية لم تغِب عن قادة إسرائيل في أي وقت من الأوقات؛ بل كانت حاضرة دائماً في الخطابات والسياسات، وهذا ما يوضح  أن تلك الضربة الاستباقية من قبل المقاومة لم تكن من فراغ، إذ لم تأتِ إلا بعد أن تطورت حالة التعدي على المسجد الأقصى، وبدأت الشعائر الدينية تاخذ منحى خطيراً يكشف عن النية الأمنية للاحتلال لهدم المسجد الأقصى والنفخ  في البوق حول سور القدس والمسجد الأقصى واستدعاء البقرات الحمراء والتعدي على المرابطين هناك ومنع الصلاة فيه استعداداً لمرحلة خطيرة.

لذلك جاء طوفان الأقصى ليبعثر الأوراق ويهدم الأسطورة ويسحق جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يقهر وينهي تلك الأسطورة للأبد، أو كما ذكر "الملثم"، بأن المقاومة قد هشمت كبرياء ذلك الجيش في أهم وحداته العسكرية وهي غرفة وكتيبة غزة، حيث قضوا عليها بالكامل.

طوفان الأقصى
المقاومة الفلسطينية – shutterstock

لقد أسقطت تلك الضربة الاستراتيجية أقنعة كثيرة وأساطير مزعومة لدول مأزومة؛ ومزاعم حضارة غربية زائفة خدعت الكثير من البشر في منطقتنا ليصدقوها ويتعايشوا مع سرابها؛ فيما اتضح حقيقة أن تلك الحكومات الغربية بمؤسساتها وراء قيامها الزائفة لا إلا لتهيمن على العالم من أجل مصالحها ورؤيتها الخاصة، ولا يعنيها الإنسان بقدر الطمع والجشع والسيطرة والتوحش.

سقطت أوروبا وأمريكا أخلاقياً وإنسانياً ولم يتضح منهما غير الأسس التي قامت عليها حضارتهم من قتل وإبادة في مقابل السيطرة والسيادة.

تلك الضربة الموجعة للاحتلال أيقظت شعوب العالم الحر، وكشفت الحقيقة بشكل كامل بعد سنوات من الأكاذيب التي نُشرت حول تجريم المقاومة ومساعيها، وأصبح لقضية فلسطين صوت إعلامي قوي ومؤثر، رغم المليارات التي تُنفق على التضليل.

تلك الضربة الموجعة والمؤلمة وضعت نقطة تحول ستؤثر على العالم في المدى القريب والبعيد. فقد انتهت حقبة ما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبدأ تاريخ جديد في المنطقة يكتبه أبناؤها.

لذا، يتوجب على المحللين السياسيين الآن أن يناقشوا مستقبل المنطقة بعد تلك الضربة المؤلمة.

فكما أكد نتنياهو وكرره عدة مرات، إن المنطقة ستشهد تغييراً كاملاً. ونحن أبناء تلك الجغرافيا نؤكد أن التغيير سيكون بالفعل حاصلاً في المنطقة، ولكن ليس وفقاً للمساومات الجارية حالياً، بل وفقاً لما سيتم تقريره بواسطة "الملثم" وكل الذين التفوا حوله من شعوب العالم الحر!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد هلال
حقوقي وكاتب مصري
حقوقي وكاتب مصري
تحميل المزيد