وصل العدوان على غزة إلى منعطف حرج، حيث حشد الإحتلال الإسرائيلي دباباته وقواته بالقرب من حدود القطاع المحاصر، فقد أعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الأحد 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أنها تتصدى لقوات إسرائيلية متوغلة شمال غربي بيت لاهيا، الواقعة شمال قطاع غزة، واستهدفتها بنيرانها، فيما أعلنت "سرايا القدس"، التابعة لحركة "الجهاد الإسلامي"، أنها استهدفت تل أبيب بالصواريخ.
بينما قال جيش الاحتلال الإسرائيلي، إنه بدأ تدريجياً بتوسيع عمليته البرية شمال قطاع غزة، وقد يشكل هذا التوغل البري خطورة شديدة، مما قد يسببه من آثار وخيمة ليس على غزة فحسب، بل على المنطقة بشكل خاص والعالم بشكل عام، حيث إنه سيؤدي إلى تفاقم العنف، وزيادة المعاناة الإنسانية للفلسطينيين بشكل هائل، فقد تسبب العدوان الإسرائيلي المستمر لليوم الثالث والعشرين على قطاع غزة في سقوط 10 آلاف شهيد ومفقود تحت الأنقاض، مما قد يثير الوضع السياسي والدبلوماسي المضطرب بالفعل بين دول المنطقة.
أصبح القيام بعملية برية وشيكاً بعد اشتباك بين الجنود الإسرائيليين ومقاتلي حماس داخل غزة في الأيام الماضية. ورغم أن صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت أن الاحتلال الإسرائيلي قد أوقف خطط اجتياح بري لقطاع غزة واستبدلها بتوغلات برية محدودة، نقلاً عن مسؤولين أمريكيين، فإن هذه الطريقة تتماشى أكثر مع اقتراح وزير الدفاع الأمريكي.
أشارت الصحيفة أيضاً، إلى أن مسؤولين من إدارة بايدن حذروا من أنه من الصعب معرفة ما ستفعله إسرائيل في نهاية المطاف، لأن الغارات الجوية المتزايدة والتوغلات البرية الموسعة في الأيام الثلاثة الماضية تشير إلى موقفٍ أكثر عدوانية.
إنّ شن عملية برية في غزة سوف يشكل مسعى محفوفاً بالمخاطر ومكلفاً بالنسبة لإسرائيل، لأنها ستواجه مقاومة شديدة من جانب مقاتلي المقاومة التي توقعت مثل هذا السيناريو من خلال بناء شبكة أنفاق معقدة ومقاتلين أشداء.
سوف يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير منصات إطلاق الصواريخ التابعة للمقاومة، ومستودعات الأسلحة، ومراكز القيادة، فضلاً عن اعتقال أو القضاء على كبار الشخصيات في "حماس". مع ذلك، فإن هذا لن يكون سهلاً إطلاقاً، حيث أظهرت المقاومة قدرتها على إطلاق صواريخ بعيدة المدى داخل إسرائيل.
إضافة إلى ذلك ستجد قوات الاحتلال صعوبة في دخول المناطق الأكثر اكتظاظاً بالسكان في غزة، حيث ستواجه حينها مزيداً من العقبات والمخاطر.
فضلاً عن التداعيات الإقليمية والدولية التي ستصاحب العملية البرية في غزة، حيث ستثير ردود فعل من البلدان والمنظمات التي تدعم أو تعارض إسرائيل أو المقاومة، مما سيؤدي إلى مزيد من التصعيد أو ربما التدخل إذا تأزم الأمر.
فقد نددت عدة دول ومنظمات بتصرفات إسرائيل وأعربت عن تضامنها مع الفلسطينيين مثل تركيا وقطر وإيران، بينما ألقت أغلب الدول الغربية باللوم على المقاومة، مما قد يوسع حالة الاستقطاب في الساحة الدولية.
إذ نجد الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الغربيين فرنسا وبريطانيا وألمانيا، حريصة كل الحرص على أن تدعم الاحتلال الإسرائيلي بدعم غير مشروط وكم هائل من المساعدات العسكرية، مما يوضح حجم التحيز والهيمنة التي تتبعها السياسة الغربية بشكل عام.
لقد كشف الصراع الحالي في غزة عن القيود المفروضة على النهج الذي تقوده الولايات المتحدة لحل القضية الفلسطينية، فضلاً عن التحديات المتمثلة في إيجاد أرضية مشتركة بين القوى الكبرى.
وتواجه اليوم واشنطن انتقادات بسبب انحيازها الواضح إلى الاحتلال الإسرائيلي وإحجامها عن الضغط عليه لإنهاء عدوانه بعد فشل خطتها التسويقية لدعشنة المقاومة الفلسطينية، وهذه الضغوط ليست خارجية فقط، بل داخلية أيضاً فبعض المشرعين والناشطين التقدميين شككوا في دعمها غير المشروط لإسرائيل وتواطئها في انتهاكاتها لحقوق الإنسان.
بينما انتقدت الصين، وهي عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وقوة عالمية صاعدة، تصرفات إسرائيل ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار.
كما عرضت الصين التوسط بين إسرائيل والمقاومة، واتهمت الولايات المتحدة بعرقلة جهود الأمم المتحدة لحل الأزمة. ويعكس الزخم الصيني في هذه القضية نفوذها ومصالحها المتنامية في الشرق الأوسط، فضلاً عن تنافسها مع الولايات المتحدة على الزعامة العالمية. كما سعت الصين إلى تقديم نفسها باعتبارها جهة فاعلة مسؤولة ومحايدة يمكنها المساعدة في تعزيز السلام والاستقرار بالمنطقة.
أما عن روسيا، وهي العضو الدائم أيضاً في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ولاعب رئيسي في الشرق الأوسط، فدعت إلى إنهاء العنف وحثت الجانبين على احترام القانون الدولي.
حافظت روسيا على علاقات جيدة مع كل من إسرائيل وحماس، واستضافت عدة جولات من المحادثات بينهما في الماضي. ويعكس دور روسيا في هذه القضية مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة، فضلاً عن رغبتها في تحقيق التوازن بين الولايات المتحدة والقوى الأخرى.
فقد أتاحت لها هذه الحرب ما لم تتحه حربها في سوريا من تعزيز مواقعها في الشرق الأوسط. استقبالها يوم الخميس وفداً من حماس ونائب وزير الخارجية الإيراني، يعزز احتمال قيامها بلعب دور الوسيط بعد فشل قمة مصر في إبراز مرشح آخر.
وبالطبع لا يمكن إغفال إيران، الخصم الإقليمي الرئيسي لإسرائيل والراعي الرئيسي لحزب الله وجماعات أخرى في المنطقة، فخلال مقابلته مع وسائل الإعلام الإيرانية، بعد عودته من رحلته الإقليمية، حذّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، من تصعيد كبير محتمل في المستقبل.
بينما حذر حزب الله، من أنه سينضم إلى المعركة إذا قام الاحتلال الإسرائيلي بغزو غزة برياً. ويمتلك حزب الله ترسانة كبيرة من الصواريخ والقذائف التي تستطيع أن تصل إلى أهداف استراتيجية داخل إسرائيل.
وكرر المسؤولون الإيرانيون، وعلى رأسهم وزير الخارجية الإيراني، أن التدخل الإيراني والتصعيد وفتح جميع الجبهات، واندلاع حريق في المنطقة سيكون سببه الغزو البري الإسرائيلي لغزة، فهل هذه المسألة هي الخط الأحمر لإيران وحزب الله للتدخل في الحرب الحالية؟
أما عن دور مصر وقطر، فتحاول جهودهما التوسط في وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، عن طريق استخدام اتصالاتهما الدبلوماسية ونفوذهما. فلدى مصر حدود مع غزة ولديها معاهدة سلام مع إسرائيل، في حين أن قطر لديها علاقات وثيقة مع حماس وتقدم مساعدات مالية لغزة. وأرسل البلدان وفوداً إلى إسرائيل وغزة لنقل الرسائل والمقترحات، لكن جهودهما لم تسفر حتى الآن عن نتائج كبيرة.
رغم الدعم الغربي غير المشروط لها، تجد إسرائيل نفسها في موقف شديد الخطورة داخلياً وخارجياً، فبينما يتأزم ويتعقد الوضع إقليمياً ودولياً، يزداد الوضع سوءاً داخلياً، إذ يعلم نتنياهو أن حياته السياسية قد انتهت أياً كانت نتيجة الحرب، ويبدو أن الانقسام داخل السلطة الإسرائيلية حيال الهجوم المفاجئ الذي صدم إسرائيل والعالم ما زال حياً، وربما هذا ما دفع نتنياهو اليوم الأحد 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبى الاعتراف بأنه أخطأ عندما حمَّل الجيش والاستخبارات الإسرائيلية المسؤولية عن الإخفاق في التنبؤ بعملية "طوفان الأقصى".
لقد أدت سياسات إسرائيل العدوانية والعنصرية تجاه الفلسطينيين والمنطقة على مدى عقود إلى زعزعة استقرار المنطقة، ومن شأن أي عملية برية أخرى في غزة أن تؤدي إلى مزيد من تفاقم الوضع على جميع المستويات على إسرائيل والشرق الأوسط بأكمله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.