أكتب يومياً منذ بداية معركة تحرير فلسطين في السابع من أكتوبر، مروراً بالإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الإجرام الإسرائيلي برعاية وتمويل وتنسيق مع أمريكا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الدول الاستعمارية، ولكن عندما بدأت أكتب هذه الكلمات مساء أمس عن جريمة قوات الإجرام الإسرائيلي وقتلها أسرة وأقارب مراسل قناة الجزيرة في قطاع غزة وائل الدحدوح، بكيت كما بكى الكثير من الشرفاء الذين شعروا بالألم بسبب الثمن الذي دفعه الدحدوح لأنه ينقل الحقيقة كما هي في غزه، وهي دموع كما وصفها وائل بنفسه مباشرة بعد تلقيه الخبر: دموعنا دموع إنسانية وليست دموع جبن وانهيار.
العجز المستمر لقوات الإجرام الإسرائيلية وحلفائها في تحقيق أي نصر على المقاومة الفلسطينية يتسبب لهم بضغوطات كبيرة، منها ما هو عسكري وانتخابي واقتصادي وغيرها من الضغوطات، ولذلك يلجأ هؤلاء المجرمون "المتحضرون" لتدمير كل مظاهر الحياة في غزة، وكذلك فإن قتْل أصوات الإعلام التي تنقل تلك التفاصيل المؤلمة هو جزء من الأهداف الاستراتيجية.
كما تحدث الدحدوح بأن أسرته قد انتقلت من شمال قطاع غزة نحو مخيم النصيرات في جنوب القطاع، من منطلق أنه مكان آمن كما روجت وطالبت بذلك قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فإن قصف البيت يكذّب رواية الاحتلال، ويمكن قراءته بأنه جريمة مع سبق التخطيط، وفيه عقاب للصوت الحر الذي ينقل يومياً ومنذ سنوات ما يحدث في غزة، وهو ما يكشف قباحة وجهة الاحتلال وداعميه.
ليست أسرة وائل الدحدوح أول ولا آخر من قتلتهم آلة القتل الهمجية الإسرائيلية، فمنذ أن بدأت الإبادة التي ترتكبها حالياً استشهد عشرات الصحفيين والمراسلين في غزة والضفة الغربية، وقتل الصحفيين والمراسلين هو سياسة إسرائيلية بامتياز، فما زالت جريمة قتل شيرين أبو عاقلة شاهد عيان على انحياز العالم الغربي لصالح إسرائيل، ورغم أن شيرين تحمل الجنسية الأمريكية إلا أن ذلك لم يشفع لها لمحاكمة من قلتها ومن أمر بقتلها، والسبب أنها من أصول فلسطينية، ولذلك فهي لا تساوي أي قيمة في معايير المواطنين الأمريكان.
كشفت فلسطين الوجه الحقيقي القبيح للعالم الغربي، خصوصاً الدول الكبرى، وسقط القناع عن فكرة الديموقراطية، وهي الغطاء الجميل الذي يغطي قباحتهم، وفي عصر الإنترنت لم يعد هناك مكان لتجميل وجههم، فالتطور العلمي والتكنولوجي والصناعي وغيره لا يمكن تقديمه على التقدم الإنساني، فروح الإنسان أهم من الدنيا وما فيها، وقد قال تعالى في القرآن الكريم: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [سورة المائدة].
صحيح أن حجم الألم في صدر وائل الدحدوح كبير جداً، ولكن منذ عرفنا هذا الرجل رأيناه إنساناً صلباً بحجم الوطن، لذلك نثق بأنه سيستمر لا محالة في رسالته المهنية كصوت حق يوصل للعالم حقيقة الإجرام الذي تمارسه قوات الكيان اللقيط المحتل لأرض فلسطين والعاجز عن كسر صمود الشعب الفلسطيني.
في العالم الغربي يعتبر الإعلام بمختلف مكوناته أحد أهم مكونات النظام الديموقراطي والصحافة ووسائل الإعلام، ومن الصعب جداً المساس بها، لكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين تكون هناك ازدواجية في المعايير، لم نعد نستغرب ذلك، ولذلك زادت صلابة الإنسان الفلسطيني في مواجهة هذه المعايير، فأصبح كل شيء فلسطيني جديد أقوى مما سبقه، الصحفي الآن أقوى، وكذلك المقاوم، وكذلك الإنسان، وهذا تحدٍ كبير تعجز عن مواجهته الدول الكبرى إلا بدعم ماكينة القتل الجماعي للخلاص من هذا الشعب الذي يخلق دائماً نماذج الإبداع من رحم المعاناة.
ستبقى ردة فعل وائل الدحدوح نبراساً ينير طريقنا في كل الأوقات، وسيبقى ما قاله خالداً، كيف لا وهي كلمات تليق بحجم الحدث: "دموعنا دموع إنسانية وليست دموع جبن وانهيار.. هذا هو قدرنا في هذه الأرض، ولن نحيد عن هذا الطريق، ولن نشمت الاحتلال فينا، وليخسأ جيش الاحتلال".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.