السلاح هو الرادع الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي؛ لأن القوة هي اللغة الوحيدة التي يفهمها الاحتلال، لذا فإن المقاومة أمام الاحتلال الإسرائيلي شكل من أشكال القوة. و5 آلاف صاروخ أطلقتها كتائب القسام على المستوطنات الإسرائيلية بغلاف غزة، ألقت الذعر في قلوب المستوطنين، وبعثرت أوراق هذه الدولة المزعومة، ولم يستطع جيشها الصمود ولو لدقيقة أمام جنود كتائب القسام، فتوافدت مواكب الأسرى من مستوطنات الغلاف إلى قطاع غزة.
فهل فهم الاحتلال حجم القوة بعملية طوفان الأقصى؟ وهل استوعب الاحتلال قسوة الموت، بعدما خسروا أكثر من ألف قتيل؟ وأكثر من ألفي جريح؟ الآن شعر الاحتلال بالخوف، وفهم المجتمع الدولي طبيعة هذا النزاع والصراع المحتدم مع قوات الاحتلال الإسرائيلي بغزة.
عملية طوفان الأقصى ليست إلا شكلاً من أشكال القوة الرادعة للظلم، والعملية ضمن تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تعتبر عملية قوية ومنظمة وناجحة. وهذه العملية ضمن سياقها السياسي أسقطت بعض الأساطير والدعايات الإعلامية عن جيش العدو، كما أثبتت هذه العملية الوجه الإمبريالي الغربي المساند لإسرائيل. وكشفت العملية التحايل السياسي الغربي على القضية الفلسطينية، ومساندة الاحتلال الإسرائيلي سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، بينما يتم التعذر للفلسطينيين بأشكال مختلفة، وعبارات معقدة، ذات أبعاد سياسية، تهدف إلى السماح لإسرائيل بالدفاع عن نفسها، ولو كان الدفاع خارج القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية، ويعتبر جريمة إنسانية من منظور القانون الدولي. وعندما تدافع المقاومة الفلسطينية يعتبر دفاعها شكلاً من أشكال الإرهاب، وتتَّحد أصوات الدول الإمبريالية الغربية بهذا الشكل.
إذاً دعونا نتجاوز الموقف الغربي من هذه القضية المحسومة بالنسبة لهم، ودعونا نتجاوز تلك المعاهدات والقوانين الدولية التي أنتجتها السياسة الغربية وفقاً لمصلحتها. فلن تنصف أمريكا القضية الفلسطينية، ولن يساند الاتحاد الأوروبي الشعب الفلسطيني، ولن يوقف القانون الدولي العام نظام الأبارتايد بالضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ولن تُعاقب محكمة الجنايات الدولية الساسة الإسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم حرب بحق الفلسطينيين، الذين دمَّر الاحتلال قراهم وأخرجهم من أرضهم بشكل قسري، ومارس عليهم سياسة عنصرية، وأعطى أرضهم للمستوطنين، ومارس عليهم سياسة قاسية، وحاصرهم بشكل مؤسساتي ممنهج ومنظم، كما كرَّس الاحتلال هذا النظام منذ تأسيس دولته المزعومة، وبهذه السياسة تتضح استراتيجية نظام الفصل العنصري بطريقة واضحة.
ونظام الفصل العنصري جريمة يعاقب عليها القانون الدولي الجنائي، والاضطهاد جريمة أيضاً، وذلك ما تمارسه فئة اليهود على الشعب الفلسطيني، وتتم تلك الممارسات من داخل مؤسسات الدولة بشكل منهجي، وباستمرار كامل، ومع ذلك الاستمرار ترمي سياسة الاحتلال لإخضاع الشعب الفلسطيني لإسرائيل، والهيمنة عليهم من خلال سياسة متطرفة؛ لذا فعملية طوفان الأقصى هي القوة العادلة التي تردع هذا الظلم الممنهج.
مفهوم الأبارتايد في القانون الدولي
وفقاً للمادة السابعة من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية، فإن الإبادة والنقل القسري للسكان، واضطهاد أي جماعة سكانية، انطلاقاً من اعتبارات سياسية وقومية ودينية وإثنية وثقافية، تعتبر جميع هذه الأفعال من الجرائم المصنفة بالجرائم ضد الإنسانية، ويعاقب القانون الدولي عليها.
إذ يعتبر المنع والحرمان من الحصول على الطعام والدواء بغرض إهلاك السكان شكلاً من الإبادة، بينما النقل القسري للسكان من المناطق التي وجدوا فيها بصفة شرعية أيضاً جريمة ضد الإنسانية، وتعني جريمة الفصل العنصري الأفعال اللاإنسانية التي يتم ارتكابها في سياق نظام مؤسسي يعتمد بشكل أساسي على الاضطهاد الممنهج، والسيطرة المؤسساتية من جانب جماعة عرقية معينة تجاه جماعة عرقية أخرى، وتمارس هذه الأفعال مع الإصرار على الإبقاء على هذا النظام.
وتساعد هذه المادة على تحديد الأفعال التي بموجبها تتحدد الجرائم ضد الإنسانية، كما أن هذه الأفعال توضح العناصر المتعلقة بنظام الأبارتايد، فعندما تصدر هذه الأفعال من أي جهة حكومية يمكن محاسبتها على هذه الأفعال التي تعتبر من الجرائم المصنفة ضد الإنسانية، وفيها سمات النظام الخاص بالفصل العنصري، الذي تتجسد صورته عندما تكون الأفعال بطريقة مؤسسية، وتهدف للهيمنة على أي جماعة، مع نية الإبقاء على هذا النظام الذي تتوفر فيه جميع الجرائم المصنفة ضد الإنسانية.
وتناقش المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري طبيعة هذه الجريمة؛ لذا فإن جريمة الفصل العنصري تشمل السياسات والممارسات الهادفة إلى العزل والتمييزالعنصري، ومن الأفعال المصنفة ضمن جريمة الفصل العنصري:
حرمان الإنسان من الحق في الحياة والحرية الشخصية، وإلحاق الأذى البدني والعقلي به، والتعدي على حريات البشر وكرامتهم، وإخضاعهم للتعذيب أو للمعاملة والعقوبة القاسية اللاإنسانية، التي تُقلل من الكرامة. ويعتبر إيقاف الإنسان وسجنه بصورة غير قانونية شكلاً من أشكال جريمة الفصل العنصري ذات الطابع التعسفي والعنصري.
كما تحدد الفقرة (ج) من المادة الثانية الطبيعة المؤسسية لجريمة الفصل العنصري؛ حيث اعتبرت الفقرة اتخاذ التدابير التشريعية وغير التشريعية، بقصد منع فئة معينة من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلد، بالإضافة إلى تعمد خلق ظروف تحول دون النماء التام لهذه الفئة، وخاصةً حرمانهم من حريات الإنسان وحقوقه الأساسية، مثل الحق في العمل والتعليم، والحق في التنقل داخل الوطن والعودة إليه. كما أن الفقرة (د) أوضحت التشريعات التي بموجبها يخضع السكان لتقسيمات ذات معايير عنصرية، مثل إنشاء المعازل وإقامة المحتجزات، ونزع ملكية العقارات من فئة معينة، وحرمانهم من الحياة الاجتماعية، ومنعهم من التزاوج فيما بينهم، جميع هذه التشريعات تعتبر مُكوّناً لجريمة الفصل العنصري.
نظام الفصل العنصري في فلسطين
منذ حرب 1948 والاحتلال الإسرائيلي يمارس أبشع جرائم الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني. وقد مارس الاحتلال الإسرائيلي جريمة الفصل العنصري باسم اليهود ضد الفلسطينيين، واقتضى ذلك إخراج الشعب الفلسطيني من أرضه، وتدمير القرى والإخراج القسري بقوة السلاح، مع الأخذ في الاعتبار الأبعاد القومية والدينية والإثنية تجاه الفلسطينيين. وتلك البداية الحقيقية لبداية نظام الفصل العنصري بفلسطين، إذ تمارس الفئة اليهودية الاحتلالية الهيمنة على الشعب الفلسطيني.
وبعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية عام 1967، استخدم الاحتلال الإسرائيلي سياسة تجسد نظام الفصل العنصري بصورة واضحة، سواء بتشريع القوانين أو بتصريحات ساسة الاحتلال الإسرائيلي، التي تكشف بكل وضوح الهيمنة التي تمارسها قوات الاحتلال على الشعب الفلسطيني، ضمن عمل مؤسس وخطة ممنهجة ترمي إلى الإبقاء على هذا النظام الذي يعتبر جريمة ضد الإنسانية.
إخراج الفلسطينيين من أرضهم وهدم منازلهم بحجة التصاريح، بينما في المقابل السماح لليهود ببناء المستوطنات، يتوافق مع الخطة الاستعمارية والاحتلالية التي انتهجها الاحتلال الإسرائيلي منذ سيطرته على الداخل المحتل، وإلحاق الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. كما أن عزل الفلسطينيين بين قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية وبناء الجدار العازل، والتحكم فيهم، وتشتيت العائلات، والهيمنة على المعابر والبضائع، والحد من التنقل، سياسة جوهرية لنظام الأبارتايد، بالإضافة إلى أن تقليص وجود الفلسطينيين بالمناطق الإسرائيلية، هو مؤشر على هوية الدولة، والمحافظة على التركيبة الديموغرافية للسكان اليهود مقابل تقليل الفلسطينيين، لذا يسعى الاحتلال إلى ضم الضفة كلها، وبما فيها المنطقة (ج)، التي تحايل الصهاينة من أجل الحصول عليها في أوسلو، وقد باتت المنطقة مزاداً سياسياً.
وبكل ألمٍ أكتب وأقول: قطاع غزة محاصر بالكامل، والاحتلال الإسرائيلي يواصل قصفه على المدنيين الفلسطينيين، وحكومة الاحتلال المتطرفة قد أعلنت على المسرح الدولي حصاراً كاملاً على قطاع غزة، بالرغم من أن هذا الحصار يهدف إلى إبادة سكان قطاع غزة، بمنع وصول الطعام والكهرباء والطاقة إليهم بهدف إبادتهم، أعلن هذا صراحة وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي دون خجل، وهذا الإعلان بذاته جريمة من جرائم الحرب المصنفة قانوناً من الجرائم ضد الإنسانية.
لقد أخبرتكم بأن العدو لا يفهم إلا القوة، وعملية طوفان الأقصى شكل من أشكال القوة، نرد بها على الأعداء، وعلى الدويلات الإمبريالية الغربية المساندة للاحتلال. وعملية طوفان الأقصى لم تكن إلا عملية نضالية ولها دوافعها السياسية والأخلاقية. وكانت في سياق المقاومة التي تقف بوجه الاحتلال وتدافع عن الأرض وحق الشعب الفلسطيني، وهي أيضاً ثورة على نظام الأبارتايد، وهذه العملية ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، طوفان الأقصى فكرة مستمرة وعقيدة مقاومة حية بين الأجيال.
نحترم ونقدّر خصوصية جميع من يزورون موقع عربي بوست، ولا نجمع أو نستخدم بياناتك الشخصية إلا على النحو الموضح في سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط، ولأغراض تحسين المحتوى المقدم وتخصيصه بما يناسب كل زائر؛ بما يضمن تجربة إيجابية في كل مرة تتصفح موقعنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.