ما سر ثباتهم وقوتهم عبر التاريخ؟ حكاية مدينة غزة من البداية حتى “طوفان الأقصى”

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/25 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/25 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
مدينة غزة/ shutterstock

وصفها الرحالة فقالوا عن أهلها: "إنهم يشبهون أهل مصر أكثر من شبههم لأهل الشام (كما هو حال بقية مناطق فلسطين) في لهجتهم ولون بشرتهم".

وقيل عن أهم السمات التي يتصف بها أهل غزة: "مقاتلون أشداء، ويفضلون عدم الحديث عن حياتهم الخاصة، ويحرصون دائماً على الصلاة والشعائر الدينية، ويفضلون دائماً رفع أصواتهم في كلمة الحق لتكون مسموعة للجميع دون خوف، ويدافعون عن النساء ويغارون عليهن، ويتصفون بأنهم أهل كرم ومحبة، ويقدسون الحياة الزوجية ويحافظون على أهل بيوتهم".

كانت غزة تحت الحكم العثماني حتى عام 1924، حيث سقطت فلسطين ومعها غزة تحت الاستعمار البريطاني، وعانت ما عانت فلسطين من الاستعمار وجرائمه، وفي أعقاب قرار التقسيم، واحتلال أجزاء كبيرة من فلسطين عام 1948 انتقلت غزة إلى حكم الدولة المصرية حتى عام 1967، ففي حرب الأيام الستة التي هُزمت فيها الجيوش العربية، وسقطت كل فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني، انقسمت فلسطين المحتلة إلى 4 أقسام: المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948، وتُسمى أيضاً "مناطق الداخل الفلسطيني"، والقدس المحتلة، والضفة الغربية المحتلة، وقطاع غزة المحتل.

صورة قديمة لمدينة غزة/ shutterstock

وكل منطقة من هذه المناطق تنفصل بشكل تام عن بقية المناطق الفلسطينية، ويحتاج الفلسطيني في كل منها إلى تصريح خاص للتنقل بين هذه المناطق. 

بعد احتلال غزة، بذل الاحتلال كل جهوده لإغراقها في وحل الدعارة والعمالة والمخدرات، ولكن طبيعة مجتمعها المتدين والتزامهم بالمساجد، وظهور رجال أمثال الشيخ أحمد ياسين وإبراهيم المقادمة والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وعماد عقل وصلاح شحادة وعدنان الغول وغيرهم، رحمهم الله، فوت على الاحتلال هذه المؤامرة، وزاد من التفاف الشباب حولهم، وتمسكهم بدينهم ورفضهم للاحتلال، بل والمضي قدماً في مقاومة المحتل بكل الوسائل.
عام 1987 انطلقت انتفاضة الحجارة (الانتفاضة الأولى) عندما دعس سائق شاحنة وبشكل متعمّد سبعة من عمال غزة الذين يعملون في الداخل المحتل أثناء عودتهم عبر معبر بيت حانون (إيرز) في شمال قطاع غزة المحتل. انطلقت انتفاضة الحجارة من الشجاعية، خرج الشبان إلى الشوارع يهتفون ضد المحتل ويقذفون جيباته العسكرية بالحجارة، والمولوتوف (الزجاجات الحارقة).. مضى الاحتلال يقمع المنتفضين بكل الوسائل، يعتقل، يطلق الغاز المسيل للدموع ويطلق الرصاص المطاطي والمعدني والحي، وبدأ يسقط الشهداء.. شباناً أطفالاً نساءً… 

في اليوم الثاني من انتفاضة الحجارة، شاهد العالم كله عملية اغتيال الطفل محمد الدرة على حاجز في وسط قطاع غزة برصاص جيش الاحتلال، صحفي فرنسي صور حادثة الاغتيال وبثها الإعلام الغربي.. ولكن وكعادة الصهاينة أنكروا أنه قُتل برصاصهم، بل برصاص المقاومين الفلسطينيين، وكذبوا ما روته الصور الحية.

استمرت انتفاضة الحجارة حتى عام 1993 مع توقيع اتفاقية أوسلو التي تمخضت عن اتفاق غزة وأريحا أولاً عام 1994، وأدى إلى تشكيل السلطة الفلسطينية ودخول قوات الأمن الوطني التابعة لها إلى قطاع غزة ومنطقة أريحا. وبعد اتفاقية واي ريفر عام 1995 انتشرت السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في سلطة الحكم الذاتي.

عام 1996 تم انتخاب وتشكيل المجلس التشريعي، وكانت تلك السنوات حتى شهر سبتمبر عام 2000، سنوات مفاوضات بين ممثلي منظمة التحرير وممثلي دولة الاحتلال برعاية أمريكية، كان الخاسر فيها طوال الوقت المفاوض الفلسطيني، الذي كان يقدم التنازلات، وفي الوقت ذاته يُواجه بتعنت المفاوض الإسرائيلي.

وطوال ذلك الوقت استمر الاحتلال في إنشاء مستوطنات جديدة وتوسيع المستوطنات الموجودة من قبل في الضفة المحتلة وفي محيط قطاع غزة، مقطِّعاً بذلك أوصال الضفة.

في 28 سبتمبر عام 2000، انطلقت شرارة انتفاضة الأقصى عندما اقتحم أرئيل شارون، وكان وزير دفاع دولة الاحتلال آنذاك، المسجد الأقصى في وقت صلاة الجمعة، متعمداً استفزاز المصلين، برفقة آلاف الجنود المدججين بالسلاح، ما استفز المصلين وأثار غضبهم، فحدثت اشتباكات بالأيدي والأحذية والحجارة، وأطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي على المصلين، فارتقى 7 شهداء وجُرح عدد كبير من المصلين على بلاط المسجد الأقصى. وامتدت المواجهات بعد ذلك مع جيش الاحتلال إلى الضفة المحتلة وقطاع غزة.. 

وبعد فترة قصيرة، اتجه الاحتلال إلى سياسة الاغتيالات المكثفة وبدأها باغتيال حسين عبيات في بيت لحم بقصفه بصاروخ موجه من طائرة أباتشي.. وهنا بدأ الفلسطينيون يتوجهون إلى المقاومة المسلحة بإطلاق النار على المستوطنين وجيش الاحتلال بما يتسنى لهم من أسلحة، كان كثير منها محلي الصنع (سلاح الكالو محلي الصنع).

في شهر مارس 2002 أعاد الاحتلال اجتياح مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة؛ للسيطرة عليها في عملية أسماها السور الواقي، وعمد إلى تدمير المخيمات والبيوت وقتل الفلسطينيين واعتقال الكثير منهم.

في نوفمبر عام 2004 توفي ياسر عرفات بعد تسميمه بمادة البولونيوم، رغم أن تفاصيل القضية لم تظهر للعلن حتى الآن، رغم مرور قرابة 19 عاماً على ذلك، وتسلم محمود عباس الرئاسة مكانه في منظمة التحرير الفلسطينية ورئاسة السلطة الفلسطينية. 

عام 2005، انسحب الاحتلال من قطاع غزة تحت ضربات المقاومة الفلسطينية الشرسة بعد أن ضاق مستوطنوه ذرعاً بالحياة تحت إطلاق النار، التي طورت من قدراتها القتالية بشكل كبير، بينما في ضفة راوحت مكانها، وعانت كثيراً من مصادرة أراضيها وإقامة المستوطنات عليها، وعزل مدنها وقراها وجعل على مدخل كل منها بوابة حديدية وقفلاً، يغلقها الاحتلال متى شاء، ويفتحها كيف يشاء.

عام 2006 فازت حركة المقاومة الإسلامية حماس في انتخابات المجلس التشريعي وصعدت إلى السلطة، ولكن فرضت الجهات الدولية المانحة حصاراً مالياً على الشعب الفلسطيني وحكومته الجديدة التي لا تعترف "بإسرائيل"، وبدلاً من ذلك، أخذت الجهات المانحة تحول المساعدات المالية إلى مساعدات لإسقاط حكومة حماس.

وبعد يوم واحد من أداء اليمين الدستورية للحكومة المنتخبة، هدد رئيس السلطة الوطنية محمود عباس باستخدام صلاحياته الدستورية بحل حكومة حماس إذا أصرّت على موقفها الرافض للتفاوض مع الاحتلال الاسرائيلي والاعتراف به، وصادر أيضاً من الحكومة المنتخبة حق السيطرة على الأجهزة الأمنية والإعلامية والمعابر والحدود الفلسطينية.

عجزت الحكومة عن دفع رواتب الموظفين العموميين، وعجزت عن سد بقية التزاماتها، فتردى الوضع الاقتصادي، وتدهورت أوضاع المواطنين، وتطور الحال إلى اندلاع اشتباكات بين مناصري فتح وحماس، وسادت حالة من الفوضى والفلتان في الشارع الفلسطيني.

وسرعان ما تدهورت الأمور إلى المواجهة الحاسمة، حيث ماطلت السلطة الفلسطينية في منح حكومة حماس أي صلاحيات أمنية، وتمردت الأجهزة الأمنية على وزير داخلية من حماس (سعيد صيام)، وأصبح الجناح العسكري لحماس مستنزفاً في الاقتتال مع حركة فتح، وهو ما سيضعفها أمام العدو الاسرائيلي، فلم تجد مفراً من السيطرة الشاملة على مقار الأجهزة الأمنية، وكان الحسم العسكري الذي شكَّل علامة فارقة في التاريخ الفلسطيني الحديث في يونيو 2007.

ومنذ تلك اللحظة، أعلنت دولة الاحتلال قطاع غزة كياناً معادياً، وفرضت عقوبات مسّت بالحقوق الأساسية للسكان، مثل: فرض قيود مشددة على دخـــول الوقـــود والبضائع وحركـــة الأفراد مـــن وإلـــى القطـــاع، والتحكم في كمية ونوعية البضائع والمواد التي تدخل إلى قطاع غزة وحظر المئات منها، ما تسبب بركود اقتصادي شامل في القطاع، وارتفاع حاد في معدلات الفقر والبطالة، إضافة إلى نقص كثير من الأصناف واللوازم الطبية الأساسية، ويضطر كثير من المرضى للانتظار لأشهر لإجراء العمليات الجراحية. 

وفرضت السلطة الفلسطينية أيضاً جملة من العقوبات على قطاع غزة وهي:

إحالة 26 ألف موظف/ة إلى التقاعد القسري، خلافاً لإرادتهم ودون إعلامهم.

خصومات بلغت 50% على رواتب 62 ألفاً من موظفي السلطة.

وقف الامتيازات المالية للموظفين (العلاوات الإشرافية والاجتماعية).

قطع رواتب نحو 277 أسيراً محرراً، جزء منهم من المبعدين إلى قطاع غزة.

انخفاض عدد موظفي السلطة في القطاع مقارنة مع الضفة.

انخفاض قيمة الفاتورة الشهرية لموظفي السلطة ومخصصات الشهداء والجرحى والأسرى والمحررين لتبلغ نحو 30 مليون دولار بعدما كانت 50 مليون دولار.

وقف صرف مخصصات مئات الأسر من برنامج الحماية الوطني.

تأخير صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية.

وقف الموازنات التشغيلية للوزارات (الصحة، التعليم…).

غلق الحسابات البنكية لجمعيات الأيتام التي تكفل نحو 40 ألف يتيم.

تقليص حاد في تغطية التحويلات الطبية للخارج، خاصة مرضى السرطان.

تقليص حاد لعدد الشاحنات الموردة للقطاع عبر معبر "كرم أبو سالم"؛ لتصل إلى الربع، مقارنة بالعام الماضي.

حرمان القطاع غزة من إيراداته عبر دفع الشركات للمالية في الضفة.

ورغم الحصار الخانق والعقوبات، شنّت إسرائيل 7 هجمات عسكرية مدمّرة على القطاع، كان الاحتلال دوماً هو المبادر إلى العدوان على غزة، أسفرت هذه الهجمات عن مقتل آلاف المدنيين وتدمير عشرات آلاف المنازل والمنشآت المدنية، وأحدثت دماراً واسعاً في مرافق البنى التحتية، وتركت بين مواطني القطاع الكثير من الإعاقات الجسدية والدمار. 

آخر هذه الاعتداءات هي الحرب الحالية التي نعيشها الآن، والتي نشاهد مدى دمويتها ووحشيتها، والتي يستهدف فيها طيران الاحتلال المدنيين ليل نهار، فيقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، ويقصف المساجد والكنائس والمشافي والمدارس التي ينزح إليها أهل غزة هرباً من حمم النار التي يقذفها الطيران الحربي للاحتلال.

ونرى استهداف الأطفال والنساء بشكل خاص، وبشاعة الإصابات، حيث يستعمل الاحتلال أسلحة متطورة جداً وشديدة الفتك، تنشر الدمار والقتل في مناطق واسعة بعد سقوطها. وما مجزرة التطهير العرقي في مستشفى المعمداني إلا من هذا القبيل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]


مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زهرة خدرج
كاتبة وروائية وناشطة فلسطينية
كاتبة وروائية وناشطة فلسطينية
تحميل المزيد