نعم، دخل قليل من شاحنات المساعدات أخيراً إلى قطاع غزة بعد أسبوعين منذ انطلاق الحرب في فلسطين الجريحة منذ يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري. دخلت بعد أيام من الانتظار أمام المعبر، دخلت ومعها القليل من المستلزمات التي قد تنقذ ما يمكن إنقاذه رغم قِلَّتها.
دخلت السبت 21 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك تزامناً مع قمة السلام المُقامة في القاهرة بحضور 31 دولة و3 منظمات دولية وزعماء كل من: قطر، وتركيا، واليونان، وفلسطين، والإمارات، والبحرين، والمملكة العربية السعودية، والكويت، والعراق، وإيطاليا، وقبرص، بالإضافة إلى سكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وذلك للوقوف على مستقبل القضية الفلسطينية!
أي مزيد من الشجب والإدانة والاستنكار، ثم رفض العدوان الإسرائيلي، والقول بتحميل المجتمع الدولي مسؤولية ما حدث ليس إلّا.
هذا المجتمع الدولي الذي لم يتحرك له جفن بعد وقوع مجزرة المستشفى المعمداني، التي راح ضحيتها أكثر من 500 شهيد، معظمهم من الأطفال والنساء.
المجتمع الدولي الذي لم يهمه القانون الدولي، الذي يعتبر المستشفيات، والمدارس، والمساجد والكنائس أماكن محمية، ويعتبر استهدافها جريمة حرب مكتملة.
فبعد أيام من مجزرة المستشفى، تم استهداف كنيسة برفيريوس، وهي ثالث أقدم كنيسة في العالم؛ حيث خلف وراءه استشهاد امرأة وطفلة وإصابة عشرات المدنيين بجروح مختلفة، غير الأضرار المادية الجسيمة التي لحقت بأجزاء من مبنى الكنيسة.
وقبل أيام، رأينا مطالبات بضرورة إخلاء مبنى مستشفى القدس، الذي يضم حوالي 12 ألف نازح، لتجد نفسك تسأل: ما هذا التوحش -ورب الكعبة- في إراقة مزيد من الدماء؟
نعم، لم يجدوا مَن يصدهم ويدافع عن شعب أعزل، فوصل عنفهم لأبعد الحدود في التهديد بقصف مستشفى آخر قبل أن تجف دماء شهداء مجزرتهم الأولى.
قصف الاحتلال الإسرائيلي 31 مسجداً، و4 مدارس، منذ بدء الهجوم على قطاع غزة، والعدد في تزايد، أحياء بالكامل اختفت تحت الركام، أطفال بقصص وروايات ينفطر لها القلب، بكل تأكيد مر عليكم فيديو لأم الطفل الشهيد يوسف صاحب "الشعر الكيرلي الحلو"، ليتفاجأ أبوه وهو طبيب بالمستشفى بجثة فلذة كبده ملقاة على السرير.
عشرات؛ بل مئات القصص التي تنهار من قراءتها ومشاهدتها، تكاد لا تعرف معني النوم، كأنك لو نمت.. غدروا بهم، وإن غلبك التعب، ترى الكوابيس مليئة بالمشاهد واللقطات التي بقيت محفوظة في ذاكرتك، وكأننا نشاهد فيلماً عن نهاية العالم بمشاهد لا تضاهيها أي قسوة في ذلك العالم، مشاهد لا يمكن لأي سيناريو أن يشرحها في المستقبل ولا يُخرجها أي مخرج مخضرم فيما بعد.
كل يوم للأسف منذ الـ8 من أكتوبر/تشرين الأول نسمع ونشاهد قصصاً جديدة وشهداء جدداً، حتى إن هناك أُسراً بأكملها ستنقطع قصصها في الدنيا بعد ذلك، فقد استشهد كل أفرادها بعد تحطيم السكن عليهم مثل عائلة أبو معيلق بـ"دير البلح" في قطاع غزة.
رأينا أيضاً مشاهد تقشعر لها الأبدان، مثل نقل جثامين الشهداء بواسطة عربات تجرها حمير؛ بسبب شح الوقود في قطاع غزة، تخيلوا معي أيضاً تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي عندما قال: الأمر سيستغرق شهراً أو شهرين أو 3؛ لأنه في النهاية لن يكون هناك وجود لحماس، فمن قبلها تم التصريح بأن كل هذه المجازر هدفها القضاء على حماس، وهذا معناه أن أهلنا في غزة معرضون للإبادة في أي لحظة وبدون سابق إنذار، وأيضاً في أي مكان حتى لو في المستشفى، فليس في مقدرة أي سقف حمايتهم.
بينما نحن العالم العربي لم تعُد لنا حيلة غير التظاهرات، رغم التضييق عليها في بعض الدول، ورفع أعلام، والتزيّن بالشال الفلسطيني.
رغم عجزنا كشعوب عربية، إلا أن هناك ما يمكن أن نقدمه بجانب التظاهرات، عن طريق المقاطعة، حتى ولو لم يوقف ذلك الحربَ حالاً، لكنه أضعف الإيمان منا عساه يكون شفيعاً لنا يوم القيامة أمام إخوتنا في فلسطين.
نعم، المقاطعة سلاح غير سريع، لكنه فعَّال، علينا مقاطعة جميع الشركات التي تدعم الاحتلال وما أكثرها في السوق العربية، وإيجاد البديل لها واستخدامه.
فجميعا رأينا نتائج حملات المقاطعة التي شنَّها رواد السوشيال ميديا على سلسلة مطاعم ماكدونالدز الأمريكية، وكيف أسهمت في خسارة الشركة، حيث أدى ذلك إلى هبوط سعر سهم ماكدونالدز، ورأينا جميعاً كيف سارعت فروع أخرى لماكدونالدز في الشرق الأوسط إلى النأي بنفسها، قائلة إنه لا علاقة لها بقرار توفير وجبات للجنود الإسرائيليين مجاناً، بل إن بعضها بدأ بالتبرع لقطاع غزة تضامناً مع الفلسطينيين، وقالت إن لديها عمالاً ومصدر رزق للكثير من الشباب العربي، وهذه المقاطعة ستؤثر بالسلب على بيوت وعائلات بأكملها، وهذا إن دلَّ على شيء فإنما يدل على فاعلية المقاطعة.
إذاً فلنُكمل في حملتنا لمقاطعة جميع المنتجات الأمريكية وكل الشركات التي تدعم الاحتلال.. ليتنا جميعاً نقاطع، عساها تفعل ولو جزءاً بسيطاً من رد الاعتبار لكرامتنا أمام إخواننا في غزة.
هذا أقل ما يمكن أن نقدمه لفلسطين، وشعبها الذي يعاني من ويلات الحرب منذ أكثر من نصف قرن، بينما يقف العالم متفرجاً بما فيه الدول العربية التي فضلت التطبيع على مناصرة الحق.
لذلك يجب علينا كشعوب أن نقدم ما بأيدينا بعيداً عن أنظمتنا، وأن لا ننسى إخوتنا في غزة بالدعاء والتضرع إلى الله بيقين بأن النصر آتٍ ولو بعد حين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.