محاولة تهجير الفلسطينيين ولعبة الدومينو.. السيناريو المرعب

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/25 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/25 الساعة 13:55 بتوقيت غرينتش

منذ انطلاق عملية طوفان الأقصى، وتمكن مقاتلي حركة حماس من الفتك بالعدو الإسرائيلي والتوغل لأربعين كيلومتراً في مغتصبات غلاف غزة، والعالم يقف على كف عفريت. فالمقاومة تمكنت من سحق الجيش الذي لا يُقهر، وأثخنت فيهم قتلاً وأسراً. هنا زُلزل الغرب الإمبريالي، وهو عبارة عن مستعمرات للإسرائيليين وشركاتهم، وهي حقيقة يتغافل عنها الكثيرون. زلزل الغرب وثارت ثائرته، فما فعله الغزاوية لم تستطع الجيوش العربية القيام به لأكثر من 70 سنة.

كسر الهيبة 

لقد بينت المقاومة الغزاوية هشاشة المخلوق المسمى إسرائيل، لقد بين أسود المقاومة أن الكيان مهزوز ومهزم ومنخور من الداخل، رغم كل ما يمتلكه الكيان من معدات وتقنيات وأسلحة، فإن العنصر البشري وهو أساس أي حرب يبقى فقيراً ومفتقداً في الكيان، ولن تعوضه الآلة والتقنية أبداً. ففي الحروب يلعب العنصر البشري دوراً حاسماً في نتيجة الصراع، وإذا كان اليهود أحرص الناس على حياة، فإن مقاتلي حماس وباقي الفصائل أحرص الناس على الشهادة؛ دفاعاً عن الأرض والعرض.

لم يتبقّ للكيان إلا دك مدينة غزة بسلاح الجو، فقام بعمليات قصف عشوائية انتقامية جبانة، سوى خلالها المباني السكنية بالأرض، معتقداً أن ذلك سيؤثر على معنويات المقاتلين الفلسطينيين، لكن هيهات، فعدد الشهداء الذي يرتفع يوماً بعد يوم لا يزيد المقاتل الغزاوي إلا رغبة وإصراراً على القتال إلى آخر رمق. لذلك يماطل جيش العار الإسرائيلي في اقتحام غزة، لأنه يعلم أن نهايته ستكون هناك، وأن معارك شرسة تنتظرهم، وقد تسفر عن أسر عدد أكبر وقتل المزيد من جيشهم، ولن تنفع الإسرائيليين دباباتهم ولا جرافاتهم ولا ناقلات الجند، ناهيك عن إصرار المقاتل الفلسطيني وثباته في الميدان، حيث لا مجال للفرار كما تفعل جيوش العار العربية العميلة.

خطة التهجير الإجرامية

يسعى الكيان، ومن خلفه الغرب، إلى تهجير 2.3 مليون غزاوي وإلقائهم في صحراء سيناء المصرية، ونظام السيسي على علم بذلك، وينسق ويخطط مع إسرائيل للقيام بتلك العملية، بل وبنى هناك مدينة سبق أن هجّر لها سكان رفح من الجانب المصري كخدمة مجانية للكيان الإسرائيلي المحتل ليُحكم قبضته الجبانة على الشعب الفلسطيني الأعزل.

لكن الذي لا يدور في خلد الكيان الغاصب ولا داعميه، وعلى رأسهم أمريكا وبريطانيا وفرنسا، هو موقف الصين والروس وحتى الأتراك من العملية، ثم العواقب التي ستنشأ عن عملية حقيرة جبانة بتلك الوحشية، فتهجير المهجّرين أصلاً جريمة حرب دولية مكتملة الأركان. لكن، وبحكم أن الغرب يعتقد أنه صاحب القرار النهائي، وأنه الحاكم الأوحد والآمر الناهي فوق كوكب الأرض فهم يعتقدون بغباء منقطع النظير أن ذلك سيحل مشكلة الدولة التي صنعوها، والمدللة عندهم.

هيهات ثم هيهات، أعتقد أن القطب الآخر (الصين وروسيا) لن يقبل أبداً بتهجير الفلسطينيين، ليس لأن قلوبهم رحيمة، وأنهم يحبون الفلسطينيين، أبداً، فهذا من تفكير السذج البسطاء. بل لأن المصالح تقتضي ذلك والقاعدة كالتالي: معسكر الروس والصينيين ومن معهم يرى أن أي انتصار أو تقوية لأي مكون من مكونات المعسكر الغربي كيف ما كان، يشكل خسارة لهم، ومعهم حق في هذا التفكير السليم، فأي تقوية أو حل لمشاكل الغرب هو شكل من أشكال التقوية للغرب، سواء عبر تهجير الغزاويين أو حل مشكل الطاقة، أو حتى تزويدهم بمواد خام، أو امتيازات تجارية إلخ. فالغرب والشرق في حالة صراع، وبالتالي لن يقبل الروس ولا الصينيون بخطط الإسرائيليين أبداً، وقد عبّر الأتراك عن ذلك اليوم بشكل واضح.

ماذا يعني ذلك؟ ببساطة، يعني عرقلة الخطط الأصلية لتهجير الفلسطينيين عبر الضغط على حكام العار العرب، وعلى رأسهم السيسي في مصر وحكام السعودية. وذلك كفيل بالضغط على كيان جيش الاحتلال الإسرائيلي ومن خلفهم أمريكا، سواء لتأجيل العملية أو لتحين فرص أخرى والبحث عن بدائل إلخ. لكن يبدو أن للعملية عواقب أكبر من أن يفكر فيها مهندسوها.

لعبة الدومينو الخطيرة

الاحتمال أو الاستشراف المستقبلي القريب أو المتوسط يقول التالي، أعتقد أن تهجير الفلسطينيين إلى سيناء سيكون نهاية سيطرة الإسرائيليين على مصر عبر نظام السيسي، وهذا أمر وارد جداً، خاصة إذا سعى الروس لاستغلال وجودهم في شرق ليبيا لتأديب السيسي وعسكر مصر، فإن أرض الكنانة ستتحول إلى برميل بارود سيشعل المنطقة عن بكرة أبيها، وسيكون تهجير الغزاويين إلى مصر تلك القشة التي ستقصم ظهر البعير أو القطرة التي ستجعل كأس مصر المملوءة بالفواجع والأحزان تفيض على كل الجغرافيا المحيطة بها، وفي المقدمة الكيان الإسرائيلي الذي خلقه الغرب فوق أراضينا. 

إن تأثير الدومينو محتمل بشكل كبير في حالة تهجير مليوني إنسان إلى مصر، هم الآن أحرار في قطاع غزة ولهم مساكنهم ولهم حياتهم. إذا تم تهجيرهم فإن جيش السيسي لن يستطيع أبداً استيعابهم، ولن تفلح مساعدات الشرق والغرب في تحقيق ذلك، كما أن الروس في شرق ليبيا ومعهم الأتراك سيستغلون الأمر للعمل على إخراج مصر من ربقة الاستعباد الغربي عبر الضغط العسكري والإغراء المالي، ومعهم الصين والأتراك، فإخراج مصر من أنياب الغرب يعتبر بداية نهاية الكيان الإسرائيلي بكل بساطة.

إن تفجير مصر عبر قدح شرارة التهجير الإجرامي للشعب الفلسطيني لأمر خطير لا يستوعب الإسرائيليون عواقبه، معتقدين أنهم قادرون على التحكم في مجريات الأحداث، لكن هيهات، فأولى النتائج ستبرز في زحف الملايين من اللاجئين من أرض الكنانة، وسيوسع حتماً حدود الكيان الإسرائيلي، ما سيجعلها مفتوحة على كل الاحتمالات وسيشحذ الجميع سكاكينهم، ومن له حسابات سيستغل الفرصة لتحقيقها، والكيان الإسرائيلي لن يستطيع العيش في ظل هكذا وضع أكيد.
إذا كان الكيان الإسرائيلي غير قادر على هزم مليوني غزاوي على مساحة 360 كلم مربع، فإنه سيكون أفشل وأضعف من التحكم والتعامل مع مصر ذات الـ100 مليون نسمة والمليون كلم مربع. لن أتحدث عن ما يمكن أن يقع على الجبهة الشمالية والشرقية، والتي يحتمل أن تكون موقعاً للزحف الإيراني والعراقي والتركي وباقي مكونات المنطقة، وهذا موضوع لا يسع هذا المقال التطرق إليه.

إن أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني نحو صحراء سيناء ستكون له عواقب إنسانية مفجعة وكارثية، لكن بقدر هول تلك الفاجعة، إن حدثت لا قدر الله، ستكون قراراً قادحاً لعملية أعمق ستساعد على إنهاء حكم السيسي وستكون مصر كلها خلف ومع وقبل الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، كما أن تداعيات تفجير مصر ستعم كل شمال أفريقيا عبر ملايين اللاجئين، ولن تتوقف أمواجهم حتى المغرب غرباً وأوروبا شمالاً. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رضوان كسابي
باحث وكاتب مغربي
تحميل المزيد