شهد قطاع غزة منذ أسبوعين انتفاضة غير مسبوقة، حيث تمكنت المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة حماس، ومعها باقي الفصائل، من قلب معادلة الصراع والمواجهة مع إسرائيل، حيث شنَّت هجوماً مفاجئاً ومباغتاً على القوات الإسرائيلية، يوم 7 أكتوبر 2023، كلف الاحتلال الإسرائيلي خسائر مادية وبشرية مهمة، حيث تمكَّن عناصر المقاومة من التسلل داخل المناطق المحتلة، والتي تسيطر عليها قوات الاحتلال، وقتل المئات من الجنود، وأسْر آخرين، وبث الرعب في أوساط المستوطنين الإسرائيليين.
هذا الهجوم المباغت لحركة حماس على إسرائيل شكّل صفعةً تاريخيةً على وجه الاحتلال الإسرائيلي، حيث أطاح بالصورة التقليدية التي ترسمها دائماً إسرائيل لنفسها وتروّجها، باعتبارها قوةً استخباراتية لا مثيل لها في المنطقة، واعتبار جيشها جيشاً لا يُجابه ولا يُقهر، فبالرغم من الإمكانات الهائلة التي تتوفر عليها إسرائيل، فإن هذا الاختراق الذي أقدمت عليه المقاومة الفلسطينية، بقيادة المقاومة وجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام، هزَّ صورة الاستخبارات الأشهر، والجيش (الأقوى) في الشرق الأوسط، وفضح عجزها عن رصد الهجوم وصدّه، وأطاح بأسطورة الأمن الإسرائيلية، التي ما فتِئت تتباهى بها سلطة الاحتلال، وتروّج لها أمام شعبها المغتصِب.
هذا الهجوم الذي نفّذته المقاومة الفلسطينية لم يقتصر فقط على فضح مدى هشاشة نظام الاستخبارات الإسرائيلي، بل برهن على أن المقاومة في غزة قادرة على أن تكون نِداً للاحتلال الإسرائيلي، وتذيقه مرارة الهزيمة، وتذله أمام الملأ، وتهين سمعته وصورته أمام العالم، رغم الحصار الذي تعرضت له غزة من طرف الاحتلال، وخذلان الأشقاء والأصدقاء لها، ولشعبها ومقاومتها، وقد حدث فعلاً ذلك، حدث أن برهنت المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس أنها الوحيدة القادرة نيابةً عن الخانعين والخاضعين لسلطة الاحتلال، على أن تُجابه الاحتلال وتقف في وجه جيشه، وتواجه بطشه وقمعه بشجاعة وبسالة، وتمرغ أنفه ووجهه في وحل الهزيمة والفضيحة والعار.
ولعل اختراق جدار حديدي من طرف عناصر المقاومة الفلسطينية، كلَّف بناؤه أكثرَ من ثلاث سنوات، والملايين من الدولارات، يحتوي على أسلحة يتحكم فيها عن بعد بسهولة تامة، وتنفيذ هجمات داخل العمق الإسرائيلي، أكبر تجلٍّ للفضيحة والهزيمة والعار التي لحقت بالاحتلال الإسرائيلي، ناهيك عن تمكُّن المقاومة الفلسطينية من التوغل داخل الأراضي المحتلة، وتمكنها من قتل عدد كبير من الجنود، وأسر عدد كبير منهم واقتيادهم، بطريقة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مُهينة لصورة إسرائيل، ومذلة لجيشها، الذي يقال عنه جيش لا يقهر، كما نجحت المقاومة في إجبار المستوطنين على الفرار، وبث الرعب بين أوساط الإسرائليين، منهم من هرول نحو مطار بن غوريون، ليفرّ خارج إسرائيل، ومنهم من اتَّخذ الملاجئ مفراً ومستقراً له، ليصبوا جام غضبهم على قياداتهم السياسية والعسكرية، ويحمّلوها مسؤولية الفشل في حمايتهم من المقاومة ومن صواريخ الفلسطينيين المنطلقة من غزة المحاصرة والمطوقة من كل جانب.
لم يكن الإسرائيليون وحدهم من تلقَّى الصفعة المدوية والتاريخية جرّاء هذا الهجوم المباغت من عناصر المقاومة الفلسطينية، بل معهم عدة عواصم غربية منها وعربية حتى، ممن ارتضت التودد لإسرائيل والارتماء في أحضانها، تحت لافتة التطبيع، ويبدو أنها تتشارك الهاجس ذاته مع إسرائيل، وتتقاسم معها آثار الصدمة والذهول، وهي التي لم تجرؤ على إدانة وحشية إسرائيل وغطرستها، وسفكها لدماء أطفال غزة وفلسطين، وانتهاك أبسط حقوقهم، بل لمّحت في بيانات الخزي والعار، التي أصدرتها أعقاب الأحداث التي تجري في غزة وتخومها، إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية ما يحدث لهم، وذنبهم الوحيد الدفاع عن أرضهم ومقاومة المحتل الإسرائيلي.
هذا حال العرب، أما الغرب ومِن هول الصفعة ووقعها الشديد، فقد وقف وقفة رجل واحد مع المحتل، وأيَّد صراحةً وعلانيةً قتلَ أهل غزة وتدميرَها، تَرجم ذلك بإرسال دعم مادي قبل المعنوي للاحتلال الإسرائيلي، وترتيب زيارات رسمية من مسؤولين بارزين لتلك البلدان لإسرائيل، لإظهار هذا الدعم، كما فعلت أمريكا وفرنسا، بل مدّت أمريكا الاحتلال بالأسلحة وحاملات الطائرات، وكل ما ستحتاجه لتدمير غزة وتهجير أهاليها، وقتلهم، وسحقهم، وتشريدهم.
يضاف إلى كل ذلك تسخير الآلة الإعلامية الغربية لشيطنة ومعاقبة وتهديد كل من سوّلت له نفسه، دعمَ ومساندة المقاومة والتعاطف معها، وقد تعرّض النشطاء الداعمون للقضية الفلسطينية للترهيب، وتضييق غير مسبوق، خاصةً في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، التي جرَّمت كلَّ أشكال التعاطف مع غزة وأهلِها، في تعارُض صارخ لحقوق الإنسان واحترام حرية التعبير، التي تزعم تلك الدول دائماً أنها من مبادئها وقيمها، لكن يبدو أن تلك المبادئ والقيم تختفي كلَّما تعلَّق الأمر بقتل الفلسطيني وسحله وتشريده وتهجيره.
إن الحقيقة التي يجب أن يدركها ويتقبلها الإسرائيليون والأمريكيون، وحلفاؤهم الأوروبيون، وكذلك زعماء العرب الذين يتوددون لإسرائيل، ويهرولون نحو التطبيع معها، أن السلام في فلسطين لن يتحقق مادام الاحتلال قائماً، مادام الطغيان والظلم يُمارَس على الفلسطينيين، ما دام الاحتلال مستمراً في القتل والتنكيل بحق الفلسطينين، ستظل بنادق أهل غزة، وصواريخ القسام وكل فصائل المقاومة، موجهةً لدكِّ حصون المحتل، وبث الرعب والخوف في نفس شعبه المغتصب، ولن يعمَّ السلام حتى يخرج المحتل وينتهي الاستيطان، ويستردّ الفلسطيني أرضه وبيته المغتصَب، لن يعمَّ السلام حتى يكون للفلسيطيني دولته الخاصة به، تُحترم فيها كرامته، ويحظى فيها بكامل حقوقه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.