يسأل الكثير، هل يمكن هزيمة جيش الكيان الإسرائيلي، وهو بهذا القدْر من التسَلُّح، والقوة التدميرية؟
وكيف يمكن مواجهة الانحياز الدولي في حمايته، والأخطبوط الإعلامي الذي يُواسي الجاني ويتهم الضحية؟ وكيف نتصرف مع هذا الخذلان العربي، الذي يساوي بينهما؟
لنقل أولاً: إن التاريخ علّمنا أن الانتصار في المعارك الكبرى، لا تشترط بالضرورة تكافؤ القوة والعدد، وإذا لم تستطع أن تواجه عدوك بقوة مكافئة، فبالإرادة والتدبير والصبر.
وثانياً: ليس من يبحث عن أرض يعيش فيها، كمن يملك أرضاً يضحي من أجلها. فلا يُشتِّت ذهنك ضجيج الإعلام المضلل، ولا يصم أذُنيْك عَويلُ المستأجرة.. فأنين الثكلى يفجر القلوب.
ونحن لسنا أمام مفاجأة تاريخية، وإنما هو حدث مفصلي. وأمام أصل القضية، وهي الاحتلال، والاحتلال ليس استثناء تاريخياً، فستأتيه في لحظة ما حالة الانهيار.
وطوفان الأقصى لم يكن فقط بتلك الأسباب المباشرة، التي لا ننكر أهميتها، كمحاولة استكمال السيطرة على المسجد الأقصى بالاقتحامات، وإتمام الانخراط العربي في التطبيع، والتجهيز المُبَيّت للزحف على غزة، من أجل ضرب المقاومة وتهجير أهل غزة، لتصل إلى التصفية النهائية للقضية.
ولولا الضربة الاستباقية التي كانت طوفاناً، فاجأ العالم قبل مخابرات الكيان، وصدم المطبّعين وأرعب المقتحمين، وأعاد حسابات الزاحفين، لاحتلال القطاع.
وإن بداية التحرير، وسر انهيار الاحتلال، هو عندما يَتَملَّك الضعف معنويات قادة الجيش، ويسكن الرعب قلوب جنوده، ويتسرب الخلاف لدى السياسيين.
فيعجز الغاصب عن توفير الطمأنينة لشتات شعب جاء ليعيش في حياة الرفاه، في "الجنة الموعودة".. "حيفا" و"تل أبيب". وليس لطلب القوت، أو في الملاجئ هرباً من الموت.
هذه الطمأنينة التي طالما حلم بها الكيان الإسرائيلي بتحييد الجيوش العربية. "قضية فلسطين للفلسطينيين"، باتفاقية كامب ديفيد عام 79م.
وتأمين المستوطنين باتفاقية أوسلو عام 93م.. "الاستعمار النظيف".
ومشروع التطبيع، "جلب تأييد الأنظمة، وتحييد الشعوب".
ولقد كان قرار الانسحاب من غزة سنة 2005م، صورة مصغرة للهزيمة كيف تصنع، والمقاومة كيف تبدع، والانهيار كيف يسرع.
فقد جاء في دراسة: "أن هذا الانسحاب كان بسبب التهديدات التي حولت المستوطنات إلى مناطق غير آمنة، في كل مستوطنة قواعد للجيش وأبراج مراقبة، ومحاطة بجدار أمني وألغام وعوائق هندسية".
"وأصبحت تحركاتهم تشكل عبئاً ثقيلاً.. ففي كل صباح كانت تخرج فيه سيارة تقل 3 أشخاص ترافقها ناقلة جند ودبابة وجرافة تفتح الطريق وتزيل العبوات".
هذه التداعيات الأمنية الثقيلة من أجل حماية المستوطنين في القطاع، كانت سبباً في اندلاع انتفاضة سنة 2000 التي عجلت باستقلال جزء من أرض فلسطين.
وهكذا انهار الاحتلال في قطاع غزة، وغادروها وهم يدمرون المستوطنات بقلوب ممزقة.
وكما عبر عنها عضو الكنيست "تسفي هندل": "أن تدمير المستوطنات كانت أصعب ألف مرة من تدمير الهيكل، لأنها تسببت باندلاع حرب أهلية بين المؤيدين والمعارضين".
وهذا ما يتفاداه قادة الكيان الإسرائيلي بتوقيف القتال الدائر اليوم، خوفاً من حدود انقسام سياسي واندلاع مواجهات داخلية، وخوف من انكشاف الغطاء على الجرائم الإنسانية الفظيعة.
ويتحدث "جلعاد شارون" أن الكثير من المستوطنين التقوه وأوضحوا له أن والده "شارون" بقرار الانسحاب، أنقذهم من الجحيم الذي عاشوه في غزة.
ولا أعتقد أن سكان المستوطنات في غلاف غزة سيعودون إليها، وأن الغالبية تخطط للهجرة العكسية.
فانتصار المقاومة يبدأ بانهيار جنود العدو، والشهيد يموت بطلقة واحدة، ولكن جندي جيش الاحتلال يموت بكل تكبيرة يسمعها.
أما تأييد الحلفاء، فسَتَحُدُّ منه التوازنات الدولية الجديدة، بعد حرب أوكرانيا، والحسابات الأمنية جراء نشوب حرب إقليمه شاملة، وطوفان شعوب الأمة والتفافهم حول القضية. ووقوف الشعوب الغربية ضد الجرائم الإنسانية والتهجير القسري.
وأما الخسائر والدمار، والأرواح التي أُزهقت، فهي ضريبة واجبة وتضحية مستحقة.
{إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ}.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.