الطوفان البشري الذي قد يبتلع إسرائيل.. ماذا لو فُتحت الجبهة السادسة في الحرب على غزة؟

تم النشر: 2023/10/24 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/24 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
مسيرات تضامنية حاشدة في الأردن دعماً لفلسطين/رويترز

إنّ جبهات القتال والمقاومة التي يمكن فتحُها أمام الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلّة، عددُها خمسٌ، وهي التي يتمّ الإشارة إليها وتداولها في مراكز البحث وفي النّدوات.. وفي ما يلي ذكر لهذه الجبهات وتوضيح لها.

أمّا الجبهة الأولى، فهي جبهة غزّة المحاصرة منذ 17 سنة، وهي التي أعلن الحربَ عليها الجيشُ الإسرائيلي، منذ 8 أكتوبر 2023، مدعوماً من أمريكا ودول أوروبّا والحلف الأطلسيّ. وتقع هذه الجبهة في جنوب إسرائيل، أي جنوب الأراضي المحتلّة، وتبعد حوالي 80 كلم عن القدس و75 كلم عن تلّ أبيب عاصمة الاحتلال.

والجبهة الثّانية هي الجبهة اللّبنانيّة، في شمال الأراضي المحتلّة، ويتمركز فيها حزب الله والعديد من الفصائل المقاتلة.

أمّا ثالث الجبهات، فهي الضّفة الغربيّة التي بقيت عربيّة بعد حرب 1948، وتمثّل حوالي 20% من مساحة فلسطين التّاريخية. ومن مُدنها: جنين وبيت لحم، ونابلس والخليل وطولكرم، ورام الله، حيث مقرّ السّلطة الفلسطينيّة النّاشئة عن اتّفاقية أوسلو عام 1993، مضافاً إليها القدس الشّرقية.

ورابع هذه الجبهات هي الكتلة الفلسطينيّة التي تعيش داخل حدود 1948، أو داخل الخطّ الأخضر، أي داخل إسرائيل نفسها. والجبهة الخامسة هي الجبهة السّورية، مضافاً إليها العراق، التي تعسكر فيها الفصائل المسلّحة المختلفة التّابعة لإيران ولغيرها، والتي يتكدّس فيها مخزون كبير من الأسلحة.

وفي سنة 2021 قال أودي ديكل، وهو نائب مدير معهد دراسات الأمن القومي في إسرائيل، إنّ هناك تهديداً كبيراً، وهو الحرب المحتمل اشتعالُها في الشّمال وفي الشّرق، وقيام تحالف قد تتزعّمه إيران يضمّ حزب الله والفصائل المختلفة في سوريا والعراق.

الجبهة السّادسة تمثّل الضّمير الجمعيّ العربيّ

أمّا الجبهة السّادسة، فهي أكبر الجبهات مساحة، وأكثرها عدداً، وأوسعها تدفّقاً وأشدّها رفضاً للصّهيونيّة المغتصبة لفلسطين منذ 1948. ويُقصد بالجبهة السّادسة مجموع الشّعوب العربيّة في هذه المنطقة العربيّة التي ترفض التّطبيع الرّسمي وتجاهر به، وتمتدّ من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، وقد تجاوز إجمالي عدد سكّانها 447 مليون نسمة سنة 2023. وهذه الجبهة السّادسة، مع اختلاف أراضيها وأقاليمها، هي التي تمثّل الضّمير الجمعيّ العربيّ، وهي الجبهة التي يخشاها الإسرائيليّون حقّاً، ويحسبون لها كلّ حساب؛ لأنّها النّواة الصّلبة التي تستعصي على كلّ حملات الهيمنة والتّرهيب أو محاولات التّطبيع والاحتواء. 

إسرائيل محاصرة بالتّاريخ والجغرافيا

وتعتبر شعوب دول الطَّوق المحيطة بفلسطين، وهي مصر والأردن وسوريا ولبنان، القواعد الأماميّة لهذه الجبهة الشّعبيّة العربيّة الواسعة. ومن مظاهر القوّة في هذه الجبهة وعلامات تماسكها أنّ شعوبها تتقاسم وحدة الدّين والتّاريخ واللّغة والمصير، وهي عناصر أساسيّة في عمليّات الاستنهاض والنّفير العامّ وتوحيد الكلمة وشحذ الهمم وتجييش العواطف ورصّ الصّفوف وتجميع القوى وتحديد العدوّ والتّصدي للتّهديدات والصّمود أمام العداوات، وإذا كان للجغرافيا والتّضاريس بُعد أساسيّ في الحرب والسّلم، فإنّ الجبهة السّادسة تتمتّع بقُوى حيّة، وطاقات بشريّة كبيرة في مساحة جغرافيّة مترابطة الأراضي ومترامية الأقاليم قدرها 13,5 مليون كلم مربّع، تختزن خيرات معتبرة وموارد هائلة فوق الأرض وفي باطنها.

وتتمتّع،أيضاً، بموقع استراتيجيّ وتمتلك منافذ بحريّة تؤهّلها للسّيطرة على الملاحة الدّولية والتّحكم في التّجارة العالميّة. وقد عبّرت هذه الشّعوب أو هذه الجبهة، أفراداً وجماعات، بطرق وأساليب مختلفة عن رفضها لهذا الكيان الإسرائيلي المزروع عنوةً في المنطقة العربية في مناسبات الحرب، كما حدث مع المتطوّعين العرب في حرب فلسطين عام 1948، وفي السّلم، أيضاً، كما هو حاصل في مناسبات الألعاب الرّياضية وفي المنافسات الدّوليّة، وفي كلّ النّشاطات الأخرى والميادين كالثّقافة والسّياسة والفنّ والدّين…

الجبهة السّادسة، إذن، هي جبهة الشعوب العربية، وهي الجبهة الواسعة المعادية لإسرائيل، وهي ترفض وجودها المفروض بالقوّة والتّواطؤ والإكراه في المنطقة العربيّة منذ 75 سنة. إنّ إسرائيل، في المنطقة العربيّة، محاصرة بالتّاريخ والجغرافيا، وهي جسم غريب داخل هذا المحيط العربيّ المنسجم ثقافةً وحضارةً. وإنّ مَزيّة الجبهة السّادسة صفتان اثنتان: الصّفة الأولى هي أنّها البوصلة التي تتّجه إليها الأنظار لقياس العواطف والأفكار ومعرفة الاتّجاهات وتعديل المواقف والسّياسات.

أمّا الصّفة الثّانية، فهي امتلاكها لكلّ مقوّمات التّاريخ والجغرافيا، والعوامل الطّبيعية والبشريّة التي تستطيع المواجهة والتّأثير والحسم. وقد كانت حرب فلسطين عام 1948 تجسيداً لقدرات هذه الجبهة السّادسة، فحقّقت المعجزات والانتصارات التي ضيَّعتها الجيوش العربيّة النّظامية بسبب خلافاتها الصّغيرة وحساباتها الضّيقة التي استغلّها مجلس الأمن، آنذاك، والدّول الكبرى لتثبيت إسرائيل وفرض الأمر الواقع.

ميلاد المرحلة الجديدة في مسلسل الصّراع العربيّ الإسرائيلي

يمكن القول إنّ عمليّة طوفان الأقصى، يوم 7 أكتوبر 2023، قد أسّست لمرحلة جديدة في مسلسل الصّراع العربيّ الإسرائيلي. ولقد وضعت المقاومة الفلسطينيّة ومعها كلّ فصائل المقاومة، بهذا الإنجاز الكبير، معالم الطّريق ورسمت مراحله وأشْهَرت سلاحه. وهذا الطّريق لا يتقاطع، أبداً، مع مسالك التّطبيع ومسارات التّدجين والاحتواء. وإذا كان الوطن العربي يعيش اليوم، بعد الحرب الهمجيّة على غزة، لحظات تاريخيّة حاسمة ومرحلة مصيريّة في الصّراع العربي الصّهيوني، فإنّ أمام الشّعوب العربيّة فرصة تاريخيّة لقلب الموازين، وتسجيل حضورها التّاريخي في هذه اللّحظات التاريخيّة المصيريّة؛ لأنّ المقاومة، بفصائلها المختلفة، لا تدافع عن فلسطين والفلسطينيّين فقط، وإنّما تدافع عن الوجود العربيّ حاضرِه ومستقبله، وتحارب محتلاًّ همجيّاً يتلذّذ بقتل الأطفال والنّساء والشّيوخ، ويزرع الموت والدّمار في كلّ مكان، ووجوده تهديد للأمن والسّلم في المنطقة العربيّة وفي العالم كلّه.   

إنّ إسرائيل، في المنطقة العربيّة، محاصرة بالتّاريخ والجغرافيا، وهي جسم غريب داخل هذا النّسيج العربيّ المنسجم ثقافةً وحضارةً.

 والواجب في هذه المرحلة التاريخيّة الحاسمة، أنْ تَهبّ هذه الجبهة الشّعبية العربيّة الواسعة، وقياداتها السّياسية والدّينية والفكرية، إلى نجدة غزّة وأهلها بتبنّي كلّ الوسائل والطّرق والإمكانات واستعمال كلّ الأسلحة التي في مُكنتها للمشاركة في هذا العمل الإنسانيّ الكبير، وهو استئصال هذا الوَرَم الصّهيوني الذي يستفحل ويزداد في الجسم العربي منذ 75 سنة، وأنْ تكسر أغلال الصّمت والإذعان التي يُراد للمنطقة العربيّة أنْ تَحْيا فيها وتموت، وأنْ تمزّق لباس التّواطؤ والخذلان الذي تتبختر فيه الأنظمة العربية الرّسمية التي تستأسد على شعوبها وتموت جُبناً وفَزَعاً كلّما ذُكرت إسرائيل.   

وإذا كان كلّ هذا الذّعر قد أُصيب به العدوّ الإسرائيلي بفعل المقاومة الفلسطينيّة وحدها، وإذا كان كلّ هذا الرّعب قد سكن قلوب السّاسة، في أمريكا ودول أوروبا، بسبب ما حقّقته عمليّة طوفان الأقصى من نتائج وانتصار، فكيف يكون الحال لو فُتحت كلّ الجبهات، بما فيها الجبهة السّادسة، وتحقّق الالتحام الكبير ودخلنا المعركة الكبرى وبدأت الحرب الشّاملة؟ وماذا لو فُتحت الحدود، وتدفّق هذا الطّوفان البشريّ الغامر فابتلع دولة الاحتلال، وكسر شَوكتها وأزال وجودها؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دلاوي نصر الدّين
أستاذ جزائري
أستاذ جزائري
تحميل المزيد