لطالما كانت فلسطين أرضاً تُسطَّرُ بها أسمى معاني البطولة. لطالما بذل الرجال والنساء دماءهم وأموالهم لتبقى أرض فلسطين أرضاً حرة أبية. دخلها عمر بن الخطاب فاتحاً ثم حررها صلاح الدين بعدها، ما أعظم هذه الأسماء وما أعظم هذه الأرض وما أعظم من يسكنها ويحميها!!
توالت الدول الإسلامية بعد ذلك حتى وصولنا إلى الخلافة العثمانية. هذه الدولة التي أعز الله بها المسلمين باختلاف أعراقهم لقرون، ولطالما كانت حامية لهم ومدافعة عن كل ذي حق. أرض فلسطين والقدس كانت جزءاً لا يتجزأ من أرض الدولة العثمانية. تحميها وتُعلي من شأنها وتوليها أهمية كبرى انطلاقاً من أهميتها التاريخية وسعي الشعوب تاريخياً للسيطرة عليها.
ولطالما خصص الخلفاء العثمانيون فرقاً عسكرية خاصة ومدربة وظيفتها حماية تراب فلسطين والقدس، ولا يخفى على أحد الدور البارز للسلطان عبد الحميد الثاني في حماية هذه الأرض، وقد تنبه السلطان عبد الحميد مبكراً إلى مساعي الصهيونية لاستغلال حسن ضيافة وأخلاق المسلمين تجاههم لإنشاء دولة دينية يهودية صهيونية. تنبّه السلطان العثماني لهذا جيداً، وبذل قصار جهده لمنع هذا بكل ما أوتي من قوة متبقية في الدولة. وبالفعل قد نجح في منح هذا المخطط طوال فترة حكمه التي زادت عن 30 سنة.
كم نفتقد رجالاً أمثال السلطان عبد الحميد، ولا شك أن موقفه البطولي وجهوده الجبارة في هذا الصدد كانت من الأسباب الرئيسية في سعي الدول الأوروبية وعلى رأسها إنجلترا لإضعاف حكمه والانقلاب عليه، ثم ما لبثت أن أعلنت عن وعدها المزعوم وعد بلفور عام 1917 لإنشاء دولة قومية لليهود.
قد يستغرب أحدنا التضحيات الكبيرة التي بذلتها الدولة العثمانية وسلاطينها للدفاع عن القدس وفلسطين على اعتبارها أرضاً عربية وليست تركية. لكن لا يغفل عن بالنا أننا كشعوب مسلمة (سواء تركية أم عربية) لطالما كنا شعباً واحداً لا يفرقنا اختلاف اللغة أو اختلاف لون البشرة أو بعض العادات والتقاليد.
كنا شعباً واحداً نتشارك نفس الدين، نفس الهموم والأحلام، ونفس الأعداء أيضاً. نقاتل جنباً إلى جنب تحت لواء واحد وندافع عن بعضنا. لم يكن للعنصرية والتشاحن بين الأعراق أي سبيل علينا في ظل الدولة الإسلامية والعثمانية.
في عام 1948 وبعد عقود من الاضطهاد والتهجير والاستئصال العرقي لسكان فلسطين أو مواطني الدولة العثمانية سابقاً، نجح الإنجليز في إنشاء هذه الدولة المزعومة. ومنذ ذلك الحين تحاول جاهدة وفق خطط معدة مسبقاً توسيع هذه الدولة الغاصبة على حساب المسلمين الأصليين الذين سكنوا هذه الأرض منذ 1400 سنة.
حدث كل هذا الظلم، ليس على غفلة من الدول الغربية التي صدعت رؤوسنا بمعاني الحرية والاستقلال، بل بسابق إصرار ودعم وتخطيط منها لإرسال اليهود الذين يعيشون في أراضيها إلى أرض فلسطين ليبنوا دولتهم المزعومة على أشلاء الرجال، وليكتبوا اسم إسرائيل بدماء النساء والأطفال حتى يومنا هذا.
وما زالت كثير من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا وإنجلترا تمارس ازدواجية مقيتة في المعايير؛ فتارة تتشدق بدعمها للحريات وحقوق الإنسان، وتارة تمارس أبشع أنواع التمييز العنصري ضد المسلمين في فلسطين وتسخّر آلتها الاعلامية لتشويه وتزوير حقيقة وتاريخ هذه الأرض الإسلامية، ولتخدير الرأي العام العالمي وجعله يتقبل حملات التطهير العرقي الممنهجة من الكيان الإسرائيلي المستمرة.
على الرغم من كل هذه الآلام إلا أن المشهد لا يخلو مما يثلج الصدور.
ما أجمل رؤية الشعوب الإسلامية على اختلاف أعراقها تقف جنباً إلى جنب في هذه المحنة. فاليوم فيما تتكالب جيوش الاحتلال في فلسطين تقف الشعوب الاسلامية وتعلن رفضها ودعمها للحق المتمثل بحق المسلمين في فلسطين في أرضهم، وكأن الشعوب الإسلامية قد استذكرت تاريخها ولم تنسه.
تذكرت أيام عزها وهيبتها وعنفوانها عندما كانت أشطارها منضوية تحت لواء الخلافة العثمانية المترامية الأطراف التي يهابها القريب والغريب. عقود مضت على تفكيك الدولة العثمانية، وعقود مضت على اتفاقية سايكس بيكو، لكن الشعوب لم تنسَ وحدتها، لم تنسَ واجبها تجاه بعضها.
انزل إلى شوارع بلاد الشام والجزيرة العربية والمغرب العربي وتركيا وباقي الدول، ستجد الهتافات نفسها والهموم نفسها والغيرة تجاه فلسطين والقدس نفسها. فالتركي والعربي وغيرهما من الأعراق لم ولن ينجح الأعداء في التفرقة بيننا على أساسها. نحن أحفاد الدولة الأموية والعباسية والعثمانية التي لم تعرف معنى لهذا. لا بل نحن أحفاد دين محمد صلى الله عليه وسلم الذي أوصانا بأنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.
أحلم باليوم الذي نتحرر فيه من سجن العنصرية، ونكسر أغلال الحقد والبغضاء التي وضعت لنا. ونحطم جدران وحدود الدول التي قسمتنا منذ عقود من اتفاقيات لوزان وسايكس بيكو. نحن لا ننسى التاريخ، لكن ننتظر الفرصة السانحة للم شملنا مجدداً وتوحدنا تحت راية واحدة تلم شتاتنا من إندونيسيا مروراً بأوزباكستان والعراق وتركيا ومصر والمغرب العربي.
لن يموت الأمل فينا أبداً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.