تشهد منطقة فلسطين برمتها، وقطاع غزة على وجه الخصوص، الصراع المستمر لعقود من الزمن حتى وقتنا الحالي؛ مما يعني التعرض المتكرر للعنف والحرب مما يؤثر بشكل واضح على الحالة النفسية والصحية للسكان، ونوعية حياتهم، وهذا يضيف إلحاحاً إلى الحاجة لفهم ومعالجة الآثار المترتبة على الصدمات المرتبطة بالحرب في هذا الصدد.
وفي الآونة الأخيرة لاحظت العديد من الدراسات العواقب النفسية المرضية الناتجة عن الحرب على سكان قطاع غزة، وقد أدى هذا الهجوم إلى تدمير البنى التحتية، خاصة إمدادات المياه والصرف الصحي، في حين تم تدمير المباني وأصبح عدد من السكان بلا مأوى؛ منهم من لجأ إلى مدارس الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى)، ووجد أشخاص آخرون ملجأ مع العائلة أو الأصدقاء، في ظروف مكتظة وتفتقر إلى الموارد الأساسية، وهذا يركز على آثار صدمة ما بعد الحرب على الكبار والأطفال وهم مجموعة معرضة للخطر بشكل خاص، وعلاوة على ذلك، مع استمرار الصراع في هذه المنطقة، هناك حاجة ملحة للفهم ومعالجة آثار الصدمة المرتبطة بالحرب بين سكان القطاع لمختلف الفئات العمرية فهم بحاجة إلى سياسات وتدخلات سريرية مناسبة ومصممة خصيصاً لهم.
إن الواقع الذي يعيشه الإنسان الفلسطيني واقع مؤلم مليء بالقصص الحزينة التي تتحدث عن فراق الأحبة وويلات الحرب، ومن هذه القصص قصة الشهيد الطفل يوسف التي تناقلها رواد مواقع التواصل الاجتماعي وكتبوا على صفحاتهم كلمات والدته التي كانت تبحث عنه وتصف فلذة كبدها "يوسف عمره ٧ سنين، شعره كيرلي وأبيضاني وحلو".
والمشهد المحزن في سيارة الإسعاف؛ المسعف: "ليش شايل الشنطة المدرسية حبيبي فيها كتاب!".
الطفل: "لا فيها أخي الصغير".
والمشهد المؤلم الذي لا يُنسى للأم الثكلى وهي تحضن ابنها الطفل الشهيد في كفنه، وهنالك مئات القصص التي تبكي الأفئدة وتترك جروحاً في النفس يصعب شفاؤها، وذكريات من الصعب نسيانها؛ ولذلك يجب تقديم الإسعافات النفسية والمساعدة لضحايا الحرب فهم بحاجة ماسة للإرشاد النفسي والدعم النفسي لبشاعة تلك المشاهد الدموية التي لا يتحملها إنسان عاقل، وبطبيعة الحال ستخلق اضطرابات نفسية إذا لم يتم تقديم الدعم النفسي، ومن هذه الاضطرابات -اضطراب ما بعد الصدمة- وفيما يلي تعريف عن اضطراب ما بعد الصدمة وكيف يمكن تشخيصه وعلاجه.
فما هو اضطراب ما بعد الصدمة Posttraumatic stress disorder – PTSD?
هو نوع من أنواع المرض النفسي حسب النظام العالمي للتصنيف الطبي للأمراض والمشاكل المتعلقة بها. يسبق اضطراب ما بعد الصدمة استناداً إلى تعريف الاضطراب، حادث واحد أو عدة حوادث كارثية أو تهديدات استثنائية. ليس من الضروري أن يكون التهديد هذا موجهاً إلى الشخص ذاته، بل يمكن أن يكون موجهاً إلى أشخاص آخرين (مثلاً إذا كان الشخص شاهداً لحادث خطير أو عمل من أعمال العنف). تظهر الأعراض النفسية والجسدية لاضطراب ما بعد الصدمة عادة في غضون نصف عام بعد الحدث الصادم. يؤدي الحادث الصادم إلى اهتزاز فهم الشخص لذاته والعالم من حوله وإلى تشكل أحاسيس العجز لديه.
كيف يمكن تشخيص الاضطراب؟
من أجل التشخيص وفقاً لمعايير التشخيص لاضطراب ما بعد الصدمة، يجب أن تتواجد لدى المريض المعايير التالية:
⦁ إن الشخص المعني قد تعرض لحادث بعد تهديد استثنائي أو كارثي على مدى مدة قصيرة أو طويلة. هذا الحادث كان من شأنه أن يتسبب عند أي شخص آخر تقريباً حالة من اليأس العميق.
⦁ عند توفر واحدة من الحالات التالية: كون المصدوم يتذكر الحدث الصادم باستمرار، أو تتولد لديه مراراً حالة صدمة بسبب الأفكار الاقتحامية المتمثلة بتذكر حادث الصدمة الأولى (صدى الذكريات واجترار الذكريات، والأحلام أو الكوابيس)، أو الإحساس بالمحنة عند الولوج في الحالات التي تتصل أو التي تشبه ظروف الصدمة.
⦁ الشخص يتجنب الظروف (القائمة فعلياً أو المحتملة) التي تشبه ظروف الصدمة.
⦁ مع توفر واحد على الأقل من المعايير التالية:
⦁ عجز جزئي أو كامل في تذكر بعض الجوانب الهامة من تجربة الصدمة المرهقة؛ أو وجود الأعراض المستمرة للإثارة ولزيادة الحساسية النفسية؛ حيث يجب فيها أن تتحقق اثنتان على الأقل من الميزات التالية:
⦁ صعوبة الدخول في النوم، أو الأرق.
⦁ زيادة الإحساس بالمباغتة.
⦁ التحفز واليقظة المفرطة.
⦁ مصاعب التركيز.
⦁ الهيجان ونوبات الغضب.
علاج الاضطراب ما بعد الصدمة
الشرط الأساسي لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة هو أن تكون الصدمة قد حدثت في الماضي. ليس من الممكن إجراء العلاج من اضطرابات الصدمة، في حين أن الشخص لا يزال في حالة صدمة. ينصح غالباً إجراء العلاج النفسي للمصابين بالصدمات النفسية.
بدءاً، ينبغي نصح المريض وكجزء من التثقيف النفسي عن مصاعبه، لتتيح له فرصة فهم الأعراض والأسباب. يوصى عادة في البداية بالعلاج شبه السريري إذا أثر الاضطراب على القيام بالوظائف اليومية الهامة، مثل عدم استطاعة المصاب الذهاب إلى العمل أو إذا كانت المضاعفات المرضية للاضطرابات موجودة ينصح بالعلاج السريري الكامل للمرضى الذين لديهم ردود فعل قوية من الذعر أو غيره من الأعراض والمضاعفات المرضية الشديدة جداً لغرض الحصول على استقرار حالتهم المرضية. قد يكون المزيد من العلاج في العيادات ضرورياً بعد تحقيق الاستقرار.
العلاج النفسي
لعلاج الصدمات النفسية يوجد العديد من الأساليب المختلفة. وقد وضع العديد من هذه الإجراءات العلاجية على وجه التحديد استناداً على نتائج البحوث المختلفة بشأن آثار الصدمة.
إذا كان الشخص المعني غالباً ما تطغى عليه ذكريات معايشة الصدمة النفسية وتنجم عن ذلك أحاسيس وعواطف عنيفة، يمكن أن يكون مفيداً مساعدته على كيفية التعامل مع الذكريات الاقتحامية بدلاً من معالجة الصدمة نفسها مباشرة. في هذا النهج يتم تجنب مواجهة مباشرة مع تجربة الصدمة.
أما إذا كان الشخص المعني تطغى عليه ذكريات الحادث بشكل أقل، قد يكون التصدي المباشر لتجربة الصدمة مفيداً. قبل استخدام التقنيات العلاجية للصدمة النفسية، غالباً ما يكون التوصل إلى الاستقرار ضرورياً أولاً.
بعد معالجة الصدمة، غالباً ما يكون إعادة تقييم وتوجيه ظروف حياة المرء ضرورياً وذلك مع تقديم الدعم النفسي. (من قبيل تغيير طبيعة العمل أو مكان السكن… إلخ).
تم تطوير أساليب علاجية مختلفة تستهدف خصيصاً معالجة الصدمة النفسية؛ إذ تم تطوير العلاج السلوكي لعلاج آثار الصدمة. نذكر هنا بشكل خاص علاج المواجهة؛ وهو علاج بالتعرض، الذي طور خصيصاً لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة بشكل فعال.
ومن الجدير بالذكر يجب أن تكون هنالك رقابة وتقييم دوري من جهة متخصصة في العلاج النفسـي، تقوم على الإشراف والتأكد من تطبيق أخلاقيات العلاج النفسي، حيث تعتبر كفاءة المرشد أو المعالج النفسي الشغل الشاغل التي تتحدث عنها جمعية النفس الأمريكية والجمعية الكندية من أجل مواجهة التحديات الأخلاقية، حيث تمكن الكفاءة الأخلاقية المعالج النفسي من اتخاذ خيارات حول ما يجب القيام به في المواقف الصعبة والمعقدة في العلاج النفسي باستخدام الحكم المستنير وذلك بمعرفة القوانين ذات الصلة، والمعايير واللوائح الحكومية التي تساعد المعالجين النفسيين بما يمكنهم فعله أو ما لا يجب فعله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.