هل تعيد غزة إحياء المجال السياسي في مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/23 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/23 الساعة 11:39 بتوقيت غرينتش
المظاهرات في ميدان التحرير- وسائل التواصل

للإجابة علي هذا السؤال سوف أرجع قليلاً بالذاكرة إلى الوراء إلى ذكرى الانتفاضة الثانية، التي اندلعت شرارتها في يوم الخميس 28 سبتمبر/أيلول عام 2000، عندما اقتحم أرئيل شارون رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي السابق باحات المسجد الأقصى تحت حماية نحو ألفين من جنود الاحتلال، وأعلن أن الحرم القدسي سيظل منطقة إسرائيلية، وهو ما استفز الجماهير الفلسطينية بكل طوائفها وأدى إلى خروج احتجاجات كبيرة ومصادمات دامية مع قوات الاحتلال في مختلف مدن الضفة الغربية وغزة. 

والأمر الذي زاد من غضب واشتعال الأجواء وانتقالها إلى باقي الدول العربية وخصوصاً القاهرة كان ذلك الفيديو المصور الذي أذاعته قناة تلفزيون فرنسية لحظة استشهاد الطفل محمد الدرة بجوار أبيه من قبل قوات الاحتلال، وهو ما أصبح أيقونة للانتفاضة حينها. 

وعلى أثر هذه الحادثة تجمع في يوم 1 أكتوبر/تشرين الأول آلاف الطلبة في ساحات جامعتي القاهرة وعين شمس، للمشاركة في معرض نظمه الطلاب الاشتراكيون احتجاجاً على ما يجري في الأراضي المحتلة. 

وقد دفع الغضب حينها مع توالي المشاهد المفزعة القادمة من الأراضي المحتلة إلى احتشاد الطلاب بشكل عفوي والخروج بمظاهرة كبيرة خارج أسوار الجامعة، والتي كانت سابقة لم تحدث منذ 10 سنوات تقريباً منذ مظاهرات حرب الكويت.


كما شهدت تلك المظاهرات أول هتاف ضد الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك بشخصه وبصورة مباشرة في إحدى احتجاجات الطلبة في جامعة القاهرة تحت هتاف مثل "يا علاء قول لأبوك كل الطلبة بيكرهوك". 

كان هذا حدثاً نادراً وجللاً في ذلك الوقت. وأدت حالة الزخم الشعبي هذه إلى تكوين "اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة"، والتي تكونت من كيانات سياسية مختلفة كانت معظمها يسارية، وكانت مهمتها تنظيم المظاهرات وجمع التبرعات العينية والمساعدات الطبية وتنظيم قوافل للإغاثة وجمع توقيعات لوثيقة شعبية يتم تقدمها لمندوب الأمم المتحدة في مصر. وقد تمكنت من جمع حوالي ربع مليون توقيع على الوثيقة. 

كان هذا الحراك تمهيداً لفتح مسارات للحراك السياسي المنظم ضد النظام فيما بعد، بعد سنوات من الموت السياسي للمجال العام في مصر. 

وها نحن في وضع مشابه اليوم ولكن أكثر سوءاً على الصعيد السياسي والاقتصادي، ونظام شديد القمع قام بعسكرة المجال العام طيلة 10 سنوات، ولكن منذ بداية العدوان الحالي على غزة بدأت تخرج مظاهرات طلابية بعضها عفوي وبعضها مهندس أمنياً بنسبة ما، للتعبير عن الغضب من انتهاكات العدوان الإسرائيلي على غزة وتضامناً معها، ولكن قبل ذلك بشهر كان هناك حراك شعبي لحملة المرشح أحمد طنطاوي لرئاسة الجمهورية، والتي لاقت رواجاً لمؤيديه ومناصريه في الشارع وهتافات "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" تعود للشارع من جديد، وعلى الرغم من التضييق والمنع من قبل النظام وبلطجيته من استكمال المرشح لتوكيلاته، إلا أن الزخم الذي أحدثته الحملة في الشارع وعودة الناس للهتاف كان ملحوظاً ومقدراً. 

الحدث الأبرز حالياً هو تلك المظاهرات الضخمة التي خرجت الأيام الماضية من جامع الأزهر وميدان مصطفي محمود، وهما مظاهرتان لا تنتميان لخط المظاهرات التي دعا لها النظام، والتي كانت تطالب بتفويض للرئيس وتأييد له على القيام بما يفترض أن يكون واجبه، فعلى عكس ذلك حدثت المفاجأة خلال هاتين المظاهرتين اللتين اجتمعتا في ميدان التحرير رمز الثورة الخالد، فبدأ الناس الهتاف بهتافات الثورة ودعم القضية، ومنهم من بكى وسجد عند دخوله الميدان بعد أكثر من 10 سنوات من المنع التام. 

الجدير بالملاحظة، أن الجيل الجديد من الشباب، والذي كان صغيراً أثناء قيام الثورة، هو الغالب على الحضور في المظاهرتين، في مشهد يدل على إخفاق النظام في محاولة شيطنة الثورة ورمزها من مخيلة الجيل الجديد الذي عرف طريق الشارع، والذي أظن أنه لن يرجع ثانيةً عنه، مهما كانت القبضة الأمنية فهي لن تدوم في مواجهة الناس الذين تخلوا عن حاجز الخوف.

لذلك أعتقد أن الوضع الآن أصبح مهيّأً لبداية تنظيم شعبي واسع تحت قيادة سياسة واعية تضم في كنفها الشباب والجيل الجديد الذي يحتاج، رغم حماسته، إلى القيادة المنظمة والوعي السياسي والتنظيمي بالمجال العام، وفي رأيي أن السياسي أحمد الطنطاوي حالياً هو الأجدر بهذه المهمة إذا لم تخرج الأمور عن السيطرة بشكل كامل من قبل النظام.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مصطفى بدوي
باحث في علم الاجتماع والتاريخ
تحميل المزيد