تابعنا معظم كلمات قادة الدول العربية في قمة القاهرة للسلام وكانت في معظمها تتمحور حول إيقاف آلة الحرب التي تعمل على إبادة الشعب الفلسطيني في غزة ومن ثم إدخال المساعدات الإنسانية، وبعد ذلك العودة لمسار السلام، ورغم أن تلك الخطابات كانت في الحد الأدنى للتعامل مع الوضع الراهن خصوصاً البحث عن وقف فوري للإبادة المسعورة التي يمارسها الاحتلال، ولكن ذلك لم يحدث بسبب الموقف الأوروبي المتمثل برئيس المجلس الأوروبي وكذلك رؤساء وزراء إيطاليا واليونان وقبرص الذين قاموا بزيارة إسرائيل في يوم القمة من أجل تقديم الدعم والتعاطف في موقف يعكس ازدواجية المعايير التي تتعامل بها القارة الأوروبية في موقفها من القضية الفلسطينية!
لا جديد يذكر ولا قديم يعاد، فقد كانت الدول الكبرى في أوروبا خصوصاً بريطانيا وفرنسا هي حجر الأساس لاحتلال فلسطين وتسليمه لعصابات القتل الصهيونية عام 1948 مثل عصابات "الهاجانا" و"الأرغون" وغيرهما وهي التي مارست جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في سلسلة ممتدة من المجازر لغاية اليوم، والدور الأوروبي منذ ذلك الحين كان أساسياً في جميع الاتجاهات العسكرية والسياسية والإعلامية وغيرها من الخدمات الأساسية التي ثبت من خلالها وجود الكيان في المنطقة.
هذا جزء من تاريخهم الملطخ بدماء الأبرياء، فمعظم الدول الأوروبية دول استعمارية لها تاريخ أسود في المنطقة العربية وغيرها من دول العالم العالم، ولم تغير الديمقراطية التي أصبحت تفرز حكوماتهم شيئاً في حاضرهم، فهي ديمقراطية وظيفية بمعنى أنها تؤدي واجبات معينة في نطاق داخلي لا علاقة له بما تقوم به هذه الدول في دول العالم الأخرى، مثلاً فرنسا ما زالت تمارس احتلال معظم أفريقيا بطرق مباشرة وغير مباشرة وتنهب ثرواتها، وهي المسؤولة الأولى عن حالة التخلف والفقر التي تعيشها القارة السمراء، ورغم ذلك يتبجح الفرنسي بنظامه الديمقراطي ويغمض عينيه عن مآسي الشعوب التي حدث وما زالت بسبب دولته.
في فلسطين تحديداً تمت تعرية وجه القارة القبيح في العديد من المواقف السابقة والحالية، ولم تنجح قيادات الدول الأوروبية في استغلال أي فرصة للعمل على تغيير صورتهم نحو الأفضل، ومنها فرصة دعم إنجاح قمة القاهرة للسلام والتي كانت تبحث في جوهرها عن مجرد إيقاف الإبادة المقززة التي تستمر في قطاع غزة يومياً من منطلق أن حماس هي من بدأت الحرب، متجاهلة حقيقة الوضع في المنطقة، حيث إن ما حصل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول هو ردة فعل، والفعل الحقيقي هو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومقاومة الاحتلال هو حق تكفله الأنظمة والقوانين الدولية للأفراد والجماعات.
وحديث مندوبي أوروبا ورؤساء وزرائهم عن عدم شرعية حركة المقاومة الإسلامية حديث مغلوط يجانب الحقيقة، والشاهد على ذلك أن الحركة الإسلامية فازت بأغلبية ساحقة في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006 في انتخابات أشرف على تنظيمها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، ولأن تلك النتائج لم تعجبهم فقد تآمروا بعد ذلك على الحركة وحاصروها من خلال إسرائيل بحصار بري وبحري وجوي مستمر حتى الآن وصنعوا من قطاع غزة سجناً كبيراً في عقوبة جماعية.
في الحقيقة إن حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ما زالت تمثل شريحة كبيرة من الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج وقد كان أبرز الهتافات الشعبية في المظاهرات التي خرجت في معظم الدول العربية "قالوا حماس إرهابية… كلنا كلنا حمساوية" وهو يمثل استفتاء شعبياً تلقائياً يؤكد تأييد العديد من أبناء الشعب الفلسطيني لمسار المقاومة والجهاد الذي اتخذته الحركة من أجل تحرير فلسطين بعد الفشل الذريع الكامل للمسار السياسي المتمثل بعملية السلام التي أجهضتها الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي تماماً، ولم يعد لها مكان رغم مطالبة القادة العرب بالعودة لها من خلال قمة القاهرة للسلام.
بعد الموقف الأوروبي الواضح في تأييدها وتغطيتها للإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة تحديداً وترافق ذلك مع مظاهرات ضخمة في شوارع أوروبا مؤيدة لحق الفلسطينيين المشروع في إقامة وطنهم على أرضهم وإنهاء الاحتلال، فإن الجاليات العربية في أوروبا ومؤسسات المجتمع المدني مطالبة بزيادة جهودها وضغطها على حكومات تلك الدول من أجل إيقاف الإبادة؛ لأن تلك الدول الاستعمارية هي التي تملك ذلك القرار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.