رأيت الشهداء واقفين، كلٌّ على نجمته.. سعداء بما قدّموا للموتى الأحياء من أمل.
محمود درويش
لا تتوقف الجرائم والمجازر الإسرائيلية بحق أبناء الشعب الفلسطيني حتى تستأنف من جديد، على نحو أكثر ترويعاً، وأشد تقتيلاً، باستهداف الأطفال والنساء والشيوخ، فما إن يتوقف القصف على قطاع غزة حتى يتجدد بشكل متسارع بصورة أشد فتكاً وإرهاباً وترويعاً، وهذا في ظل وجود حالة إرهاب دولة منظم، تؤمن بعقيدة القتل، والحرق، والإبادة الجماعية؛ التي لطالما جاهر بها من يتولون الحكم في إسرائيل، فهذا العدوان واحد من سلسلة طويلة من فصول الفتك والقتل والترويع بحق الفلسطينيين الآمنين القابضين على جمر وثرى وطنهم مهما عصفت بهم الأزمان، فما يحدث في غزة هو ترجمة فعلية للهمجية الاحتلالية القائمة منذ النكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا، وجزء لا يتجزأ من العدوان المتواصل على المدن، والبلدات، والقرى، والمخيمات، في الضفة الغربية، والقدس المحتلة.
فما يحدث هو "تطبيع للوعي، تطبيع للوجدان، تطبيع للعين"، فإسرائيل تريد تكريس صورة أنَّ قتل الحجر والبشر واستباحة قطاع غزة بشكل دوري واجتثاث كل ما يُمكن اجتثاثه أمر طبيعي وليس مستهجناً، فالعقلية الإسرائيلية تستوجب دوماً على المنظومة الأمنية والسياسية الإسرائيلية أن تقود عملية إرهاب منظم، وفقاً لحالة تتلاءم مع كيانها العنصري والاستعماري المُستشري في الأراضي الفلسطينية، وهذا في ظل حالة إمعان واضح بتكثيف البطش تجاه كل ما هو فلسطيني واجتثاث كل ما يمكن اجتثاثه، في ظل وجود بنك أهداف إسرائيلي قائم على قصف المساجد والأسواق والمشافي والمدارس واستهداف الأطفال الآمنين العُزل، فهذا هو بنك أهدافهم وهذه هي لغتهم!
ما يحدث في غزة من فتك وتدمير ومجازر هو حقيقة ماثلة لمن يريد أن يرى، فاليوم يتم إعادة إنتاج النكبة من جديد على نحو أشد إرهاباً وفظاعة كأن هيروشيما قد بُعثت مرة أخرى لكن هذه المرة كانت في غزة!
في خضم البطش الإسرائيلي حيال البشر والحجر في غزة، يطالب أعضاء الحكومة الإسرائيلية، بشكل علني وصارخ بارتكاب مزيد من جرائم الحرب في غزة، فقطعوا الماء والغذاء والكهرباء والوقود، ومنعوا كلياً إدخال أية مساعدات إنسانية إلى غزة، في رسالة مفادها الرغبة في إحداث إبادة جماعية للسكان هناك وقتل أكبر عدد منهم، على مرأى ومسمع العالم بأسره.
بشكل فظ وعلني تضرب إسرائيل بكل القرارات الدولية عرض الحائط، وتخرق القانون الدولي دون أن يرف لها رمش، وتنتهك القرارات والمواثيق الدولية والأممية بكل عنجهية وغطرسة وفجاجة، ومن هذا المنطلق يصدح الكل الفلسطيني دائماً وأبداً بضرورة تحميل إسرائيل المسؤولية كاملةً عما ترتكبه من جرائم وفظائع، مطالبين المجتمع الدولي بتوحيد المعايير، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها المروعة وانتهاكاتها المستمرة ضد أبناء شعبنا، وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب، فإسرائيل تنتهج نهج العقوبات الجماعية تجاه الفلسطينيين، لا سيما الإبادة التي ترتكبها في غزة، وهذا يعتبر انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، واتفاقية جنيف الرابعة ولمضامين القانون الدولي الإنساني برُمته.
إسرائيل تمارس الحرمان من الحق في الحرية والحياة تجاه الفلسطينيين، وتؤسس للعنصرية كشيء طبيعي ومقبول، من خلال سطوة مجموعة عرقية على أخرى، إذ تقود عملية إحلال وإحباط ديمغرافي للفلسطينيين أصحاب الأرض، وتساهم في الحرمان من المشاركة الكاملة في جميع مميزات المجتمع عن طريق طرق عدة، منها الاعتقالات الدورية، وتقصف البيوت على رؤوس سكانها. إن الاحتلال الإسرائيلي هو الوجه الأقبح للاستعمار، وهو كيان خطر على العالم، فمع غياب المؤسسات الدولة وقوانينها عن ردعه، إضافة الدعم اللامحدود من قبل الدول الغربية الكبرى، يؤسس الاحتلال الإسرائيلي بذلك حالة عامة لنظام عالمي يشرعن فيه العنف والعنصرية.
في المحصلة النهائية تبقى الحقيقة الثابتة هي أن الشعب الفلسطيني ستنتصر قوة إرادته على إرادة القوة والطغيان، وستظل تضحيات الفلسطينيين بمثابة خارطة ترسم ملامح التحرير والانعتاق من الاحتلال ليس في فلسطين فحسب، فهي قصة انتماء صادق لهذه الأرض، وترنيمة وطنية عالية القداسة، وسيمفونية تحررية عظيمة تعزف ألحان حب الوطن السليب وشموخه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.