بدأ دخول المساعدات إلى قطاع غزة بعد أربعة عشر يوماً من بداية الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي للشعب الفلسطيني في غزة؛ من أجل إجبار من ينجو منهم على الهجرة نحو شبه جزيرة سيناء المصرية، ولكن هل يكون ما سمح به هو حمولة 20 شاحنة لتلبية حاجات أكثر مليوني إنسان؟ هل هي مساعدات من أجل ذر الرماد في العيون أم هي مجرد بداية وقد تتبعها إجراءات أخرى؟
حجم المأساة الإنسانية في قطاع غزة أكبر من أن يوصف بكلمات، واستمرارها يتحمل مسؤوليته المجتمع الدولي، خصوصاً الدول الكبرى التي أعطت الضوء الأخضر لهذه الإبادة الجماعية، بل شاركت فيها عسكرياً باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية، ونتساءل: هل الـ20 شاحنة هي ثمن إطلاق سراح الأم الأمريكية وابنتيها؟ إلهذا الحد أصبح مستوى إدارة الولايات المتحدة للحدث؟
واستمرار غارات جيش الاحتلال خلال مرحلة دخول المساعدات يشكل استمراراً للجريمة التي عجز المجتمع الدولي عن إيقافها، تحت ذرائع واهية لا مكان لها على أرض الواقع، حيث إن غارات الاحتلال تستهدف بيوت المدنيين ويسقط فيها بشكل رئيسي، نساء وأطفال لا ذنب لهم في هذه الجريمة، وهو ما يؤكد استمرارية فكر الاحتلال الإسرائيلي الإجرامي في سياسة العقاب الجماعي من أجل تحقيق الهدف المنشود، وهو ما مارسته سابقاً التنظيمات الإرهابية التي أدانتها أمريكا والعالم الغربي، وهو ما يدعمونه اليوم عن طريق دعم غير مشروط للاحتلال الإسرائيلي وقواته.
مساعدات رمزية في حجمها لا تغطي شيئاً من احتياجات القطاع، وهي مساعدات ملطخة بدماء الأبرياء الذين ما زالوا يرتقون يومياً إلى السماء مع استمرار الغارات التي توقع الضحايا، وتترافق هذه المساعدات العينية التي قد تحتوي على"معلبات طعام"، مع إمداد الولايات المتحدة للاحتلال المجرم بالقنابل والعتاد اللازم للاستمرار في جريمة التطهير العرقي، ما هذا التناقض الذي يحدث في مثل هذا العالم شديد التحضر؟!
تمارس الولايات المتحدة وأوروبا سياسة الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ولكنها في هذه الأيام تنفذ سياساتها بشكل مقزز غير مسبوق، وأصبحت تمارس دورها في الإبادة الجماعية من خلال تشريعها لمنع أي تعاطف مع الفلسطينيين من منطلق التعاطف مع "حماس"، وهذا يتجلى في الأحكام القانونية من أجل إبعاد بعض الناشطين من فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوروبية، ونذكر هذا لأننا نصنفه كجزء من الدور الذي تقوم به بعض الدول في التطهير العرقي ضد الفلسطينيين ككل وليس ضد أتباع تنظيم معين.
ماذا سيشكل دخول 20 شاحنة بعد 14 يوماً من القصف العنيف وحدوث دمار قد يعادل ما تحدثه ربع قنبلة نووية حسب بعض التقارير؟ الاحتياجات أكبر من ذلك بكثير، كم هو مؤلم أن نقول إن الأولوية ليست للغذاء، بل لما تحتاجه المستشفيات وتعزيز كوادرها وإمكاناتها من أدوية ومستلزمات طبية؛ من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة الأبرياء ممن لا زال هناك بصيص أمل بالحياة.
توجد وكالات الأنباء داخل مستشفيات غزة، وتوثق على الهواء مباشرة أن هذه المستشفيات لا يوجد فيها غير الأبرياء ضحايا قصف الاحتلال، وإضافة إلى ذلك هناك كثير من المفقودين تحت ركام غزة، وهو ما يحتاج للوقود والآليات من أجل القدرة على التعامل معه، ومن يمنع دخول الوقود والآليات هما الولايات المتحدة وإسرائيل، وقد صرح بذلك الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية المصري، وهي عربدة مستمرة يمارسانها وسط صمت عالمي مطبق!
المساعدات الإنسانية لقطاع غزة المحاصر منذ قرابة عقدين من الزمن والذي يتعرض لواحدة من أكبر جرائم الإبادة في التاريخ، يجب أن تستمر دون شروط أو قيود، خصوصاً أنها تتم بإشراف الأمم المتحدة، وتكون جميع المواد تحت الرقابة الشديدة تماماً، حيث إنها تدخل من معبر رفح وتمر من مصر عبر سلسلة رقابية مشددة، ولا يمكن أن تحتوي على أي شيء قد يساعد المقاومة الفلسطينية على تطوير قدراتها، وكل تأخير في دخول المساعدات يعني خسارة إنسان بريء بلا ذنب سوى أنه فلسطيني.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.