صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة حماس، من قرية عارورة، بمحافظة رام الله الفلسطينية، أسهم بتأسيس الجناح العسكري لحماس في الضفة (كتائب القسام)، اعتُقل وقضى نحو 15 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ثم أُبعد عن فلسطين، ويعيش الآن في لبنان وهو متزوج وله ابنتان.
كان أحد أعضاء الفريق المفاوض الذي أتم صفقة وفاء الأحرار (صفقة شاليط).
عاد اسم صالح العاروري للبروز بشكل كبير بعد عدة عمليات عسكرية نُفذت في الضفة الغربية، منها عملية عيلي، التي نفذها القساميان خالد صباح ومهند شحادة من قرية عوريف جنوب غربي نابلس، وقُتل 4 مستوطنين وأصيب 4 آخرون، بينهم حالات خطيرة، وارتقى المنفذان بنيران جيش الاحتلال.
خرجت حركة المقاومة الإسلامية حماس حينها لتبارك العملية وتبنّت، في تصريح صحفي لها أحد منفذي العملية "الشهيد مهند فالح شحادة (26 عاماً) من قرية عوريف". على إثر هذه العملية تصاعدت عمليات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، ووجه نتنياهو رسالة تهديد للعاروري خلال الجلسة الأسبوعية للحكومة الإسرائيلية، قائلاً أثناء الجلسة: حكومتنا ستجعل من يمول الهجمات على إسرائيل يدفع ثمناً باهظاً، العاروري يعرف جيداً سبب اختبائه هو وأصدقائه. في حماس يدركون جيداً أننا سنقاتل بكل الوسائل ضد محاولاتهم لخلق الإرهاب ضدنا في يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة الغربية)، وفي غزة وأي مكان آخر".
تزعم حكومة نتنياهو أن العاروري هو المسؤول عن العمليات التي تقوم بها المقاومة الفلسطينية في الضفة المحتلة.
فما كان من العاروري إلا أن نشر له عبر وسائل الإعلام الفلسطينية صوراً بدا فيها كقائد عسكري رفيع، جلس بثقة عالية بالنفس خلف مكتب، مرتدياً الزي العسكري (في إشارة إلى استعداده لخوض المعركة)، واضعاً أمامه بندقية حديثة (إشارة إلى التحدي والتهديد)، ويتحدث في الهاتف بأسارير منشرحة والبسمة تملأ وجهه (في تلميح إلى أن الأمور تسير على ما يُرام).
بعد بزوغ الفجر بقليل، وفي يوم السبت السابع من أكتوبر، في ذكرى حرب الغفران، أفاقت دولة الاحتلال على كارثة لم تتصورها حتى في أسوأ كوابيسها الليلية. مقاتلو القسام اخترقوا سياجها الذكي الذي أنفقت في إنشائه ملايين الدولارات بطائرات شراعية، ثم اقتحم مقاتلون آخرون السياج الفاصل بدراجات نارية وسيارات دفع رباعي وسيراً على الأقدام، وسيطروا على مستوطنات غِلاف غزة، وعلى معسكرات الجيش. وظهر قائد كتائب القسام محمد الضيف يعلن إطلاق عملية "طوفان الأقصى"، ويتحدث عما يجري على الأرض، ثم بدأت عملية إطلاق كمّ هائل من صواريخ المقاومة على الأراضي المحتلة.
في الوقت ذاته، كانت قوات القسام تنشر صوراً متتابعة تُظهر أسر وقتل جنود الاحتلال، بعد دخول أفرادها إلى داخل مستوطنات غلاف غزة، وكان هناك من قادة الجيش من هم بين الأسرى والقتلى أيضاً.
دخول جنود القسام بهذه الطريقة التي لم يتوقعها الاحتلال سببت له صدمة لم يستطع الاستفاقة منها إلا بعد 4 ساعات تقريباً، حين بدأ يفهم ما جرى، ويستوعب أن عدداً كبيراً من جنوده وضباطه قد وقعوا ما بين قتلى أو أسرى بين أيدي جنود حماس.
أصابهم الارتباك الشديد والاضطراب، وما إن بدأوا في إدراك الأمر حتى بدأ الطيران الحربي للاحتلال في قصف قطاع غزة بشكل عشوائي وفظيع، قصفوا أبراجاً سكنية، مساجد، كنائس، مستشفيات، مخابز… دون أن يسلم مكان في أي من مناطق قطاع غزة المحاصر منذ 17 سنة! وحتى لحظة كتابة هذه السطر لا يزال القصف ينال كل بقعة في قطاع غزة.
وحتى اليوم، ومنذ السابع من أكتوبر، الإنجاز الوحيد الذي حققه الاحتلال على الأرض هو قصف المدنيين بالطيران الحربي، وقتلهم وتدمير البيوت فوق رؤوسهم.
وبما أن حكومة الاحتلال تتعرض لضغط شديد من شعبها بسبب ما حدث، باتت تبحث عن أي شيء يُظهرها بمظهر المنتصر أمام شعبها، الذي اختل توازنه وفقد أسرى كُثراً، حكومتهم لا تعبأ بهم، بل باتت تطبق بروتوكول هانيبال، الذي يسمح للاحتلال بقتل الأسير والآسر حتى لا تضطر لأن تدفع ثمناً لإطلاق سراح أسراها!
وكجزء من البحث عن هذا النصر، أخذ الاحتلال ينفذ حملات اعتقال ليلية شرسة في الضفة الغربية كل ليلة، تطال طلبة جامعات، ونشطاء، وصحفيين، وأعضاء في المجلس التشريعي سابقاً… إلخ. رغم أن كل من يعرف وضع الضفة المحتلة يُدرك أنها واقعة بشكل كامل تحت سيطرة الاحتلال، ويقتحم مدنها وقراها متى شاء، ويعتقل ويقتل ويهدم بيوتاً كيف يشاء، وحتى في المناطق التي ينشط فيها المقاومون يواجه هؤلاء المقاومون قمعاً ومطاردة من السلطة الفلسطينية والاحتلال في الوقت ذاته.
ومن ناحية أخرى محاولة إيجاد نصر تتوارى حكومتهم خلفه أمام شعبها، في ليلة الـ12 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اقتحم جيش الاحتلال قرية عارورة، وسيطروا على بيت عائلة الشيخ صالح العاروري، رغم أن هذا البيت مهجور لا يسكنه أحد الآن، ووضعوا لافتة على واجهته الأمامية كُتب عليها: "هنا كان بيت صالح محمد سليمان العاروري، وأصبح مقر أبو النمر- المخابرات الإسرائيلية"، وفي الأسفل كتبوا أيضاً "رمتني بدائها وانسلت". ويتضح هنا حجم غيظ مخابرات واستخبارات الاحتلال من الشيخ صالح العاروري للعار الذي ألحقته بهم حماس في قطاع غزة، والنصر الذي حققته عليهم، والذين لا يستطيعون إزالته والقفز عليه مهما فعلوا، والذي وثَّقه التاريخ رغماً عنهم، وسيبقى ما حدث يُدرس للأجيال القادمة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.