قبل عامين تقريباً كتبت مقالاً هنا عما تعرّض له اللاعب المغربي نصير مزراوي من لدن إدارة وجماهير ناديه السابق أياكس أمستردام الهولندي، بعد تضامنه مع فلسطين وأهلها ؛ وجزمت حينها بأنه لن يواصل المغامرة بقميص الفريق الذي ترعرع بين أغلب فئاته، قبل أن يصبح واحداً من نجومه، رغم أنه يشغل مركزاً لا تركز عليه الأضواء بالشكل الكافي.
نعم غادر نصير أمستردام وخاض أولى تجاربه الخارجية بعيداً عن هولندا، وحط الرحال بفريق آخر كبير وعريق، وهو البافاري بايرن ميونخ، رغم أن عروضاً كثيرة كانت على طاولته من كبرى أندية القارة العجوز التي اعتبرته بمثابة "الصيد الثمين"، لاسيما أن عقده كان قد انتهى مع أياكس، وبإمكانه التوقيع كلاعب حر مع أي نادٍ آخر .
فضّل الدولي المغربي ميونخ كوجهة جديدة، بل أبهر الصحفيين في المؤتمر الخاص بتقديمه كلاعب جديد بتمكنه اللافت من اللغة الألمانية في وقت وجيز جداً؛ وتخطى صعوبات جمة في موسمه الأول متحدياً رسمية الفرنسي بنجامين بافارد، التي لا تناقش حينها، وأثبت في مناسبات عديدة أنه ورقة رابحة، وصفقة جيدة ظفر بها الفريق الألماني.
رغم تصريحات توماس توخيل مع بداية الموسم الحالي، التي تكشف عدم اقتناعه التام بمردود نصير مزراوي، رغم أن الأرقام والإحصاءات لا تكذب؛ إلا أن نصير مزراوي تمسك بالفرص التي مُنحت له وأثبت أنه الرقم الأول في المركز، وهذا الرواق، لا بل فاجأ الجميع بتقمص دور المدافع الأوسط في إحدى مباريات الكأس حين عانى بايرن ميونخ من كابوس الإصابات في هذا المركز؛ ليقدم نصير مزراوي نفسه بوصفه اللاعب "الجوكر" متعدد الاختصاصات، لاسيما أنه ظهر مؤخراً في بعض مباريات المنتخب المغربي كلاعب وسط ميدان دفاعي (ارتكاز)، معوضاً غياب سفيان أمرابط عن جدارة واستحقاق.
نحن هنا لسنا بصدد "تقييم " مسار نصير مزواري كلاعب مميز واستعراض وإحصائياته مع النادي الالماني ؛ لكن من الضروري الاحاطة بكل ما سبق لأن ما قبل فترة التوقف الدولي الاخيرة لن يكون كما بعدها بعد الموقف البطولي الذي أخذه الدولي المغربي، نصير مزراوي لم ينسلخ ولم تغيره الشهرة والنجاحات الكبيرة التي بلغها في السنوات الأخيرة، وظل وفياً مخلصاً لمواقفه ومبادئه بالذود عن الحق والحقيقة والاصطفاف في خندق قضايا أمته العادلة، وعلى رأسها القضية المركزية الأولى وهي فلسطين.
لم يكترث نصير بما تعرض له في هولندا، حيث وُلد ونشأ، وكان مدركاً أن ألمانيا أشد قسوة وانحيازاً للاحتلال الإسرائيلي؛ لهذا ليس مستغرباً أن يحتل اسمه العناوين ويهاجَم بأبشع الألفاظ بقيادة صحيفة "بيلد"، التي تفننت في كيل التهم الجاهزة، حتى أن البعض لم يتوانَ في المطالبة بإبعاده عن ألمانيا كلها، وحث نادي بايرن ميونخ على فسخ عقده فوراً من جانب واحد .
المثير للحنق أن إدارة الفريق اجتمعت فعلاً باللاعب فور عودته من معسكر منتخب بلاده، ومن المنتظر صدور القرار النهائي؛ وما يعزز الشكوك في احتمالية اتخاذ "عقوبة" ضده هو أن نادي ماينز بادر هو الآخر لإيقاف لاعبه الجديد الهولندي من أصول مغربية أنور الغازي بعد تضامنه بدوره مع الشعب الفلسطيني المقاوم.
تبدو الحرب ممنهجة فعلاً وأشد عنصرية في ألمانيا بالذات ضد اللاعبين العرب والمسلمين ممن يرفضون الظلم وينحازون لأبناء أمتهم؛ وهؤلاء حقاً يستحقون منا كل الدعم والتشجيع أكثر من الآخرين لأنهم محاطون بضغط إعلامي وجماهيري جبار يستهدف مستقبلهم ويسعى للانتقام منهم بشتى الطرق، فقط لأنهم دعموا الحق ولم ينسلخوا عن أصولهم، متمسكين بمبادئهم.
ليس نصير الأول ولا أنور الأخير، فالنجم التونسي عيسى العيدوني لاعب يونيون برلين، بعد إعلان موقفه المشرف هو الآخر، يكابد التضييق، وقد يتعرض لعقوبات ظالمة هو الآخر؛ دون إغفال ما لحق في وقت مضى بلاعب آخر كان الجميع يتوقع له مستقبلاً باهراً وهو التونسي الأصل أنيس بن حتيرة، الذي تعرض لمضايقات واتهامات بمجرد تبرعه لأهالي غزة بالمياه ومشاريع تحليتها لتنقلب حياته رأساً على عقب.
رغم أن هؤلاء اللاعبين وُلدوا وترعرعوا في أوروبا، ورغم أنهم في منتصف طريقهم الكروي، لم يتوانوا لحظة للتفكير في أن يدعموا قضايا أمتهم، فلم يكترثوا لما سيكابدونه لكونهم مع فلسطين.
ختاماً ركزنا على نموذج نصير مزراوي لأننا سبق أن واكبنا مواقفه البطولية في وسط ومحيط معقد يبجل الاحتلال الإسرائيلي؛ وتقديراً منا كان يجب أن نتطرق لما قد يعانيه ولاعبون آخرون، إجمالاً كل الدعم لكل اللاعبين العرب: يوسف عطال وأحمد حسن كوكا ومحمد النني وآخرون ممن انتصروا للقيم والمبادئ والإنسانية، واصطفوا مع أشقائهم في فلسطين، غير مبالين بالعواقب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.