ربما كان أحد عوائق كريم بنزيما طوال مسيرته؛ هي الثقافة والبيئة التي نشأ بها، تلك البيئة العربية التي ربما كانت تضعه دائماً على طاولة الشك.
في عام 2008، سافر مسؤولو نادي برشلونة إلى المنطقة التي كان يمكث بها كريم بنزيما، وعاد المسؤولون بخيبة أمل كبيرة، حيث كان يعرف مسؤولو نادي برشلونة أن نادي ليون الفرنسي يمتلك قوة كبيرة في الهجوم، ومهاجم من المُتوقع أن يكون من بين الأفضل في العقد المُقبل.
برشلونة في ذلك الوقت كان يبحث عن شاب جديد يُضيف المزيد من القوة لعناصر جديدة، ووقع اختيار النادي على اللاعب الفرنسي الذي كان يُقدم ملاحم كروية بقميص ناديه ليون الفرنسي بالمعنى الحقيقي.
لكن نظرة مسؤولي برشلونة للبيئة والمساحة التي كان يسكن فيها؛ جعلتهم يصرفون نظرهم عنه، ويعودون إلى برشلونة بلا أية محاولة حتى من أجل هذا الشاب الفرنسي، الذي حُكم عليه قبل أن يمتلك دفاعاً، وقرر برشلونة ألا يختار لاعباً من تلك بيئة.
في الجهة المقابلة، كان نادي ريال مدريد يحشد عتاده من أجل إتمام هذه الصفقة الكبيرة، لكن من الواضح أن كريم بنزيما لم يكن يمتلك الحالة الفنية التي تُرضي من ينظر إليه للوهلة الأولى.
في ريال مدريد، وجد الشاب الفرنسي المُنطوي الكثير من الصعوبات رفقة بيئة وعناصر جديدة؛ صعوبات في التواصل، وكذلك صعوبات حتى في فهم ما يدور حوله، وبالتحديد في غرفة الملابس.
علِم بنزيما حينها أنه يجب أن يحارب من أجل تثبيت مكانه في نادي ريال مدريد، في فترة بدا أن الجميع قد بدأ في التشكيك.
فلم يسلم ذلك الشاب من عنصرية وتمييز بلاده أكثر البلاد الأوروبية شهرة بذلك؛ فرنسا، بلاد الأنوار، الدولة التي تخاف من أي إنسان يحمل اسماً مسلماً، ولاسيما لو كان من أصول عربية.
الأصول العربية للدولي الفرنسي، جعلته لا يستطيع التنصل من أقاربه، وكذلك من أقرانه وزملائه، فكان لبنزيما أصدقاء تقريباً من كل حدب وصوب، وكان من بينهم العرب الذين يُساندونه في وقت يتخلى فيه عنه الجميع.
لو لم يكن يحمل اسم كريم
فبينما كان كريم بنزيما يجهّز حقائبه لمشاركة منتخب فرنسا في نهائيات كأس العالم 2018 في روسيا، كان قرار المدرب "ديدييه دي شامب" بإعادة قضية "بنزيما فالبوينا" إلى السطح، حينها شعر "كريم"، اللاعب الفرنسي الجزائري بالعنصرية الموجهة.
قالوا إن كريم بنزيما مهّد الطريق لأحد الأصدقاء لكي يبتز ماتيو فالبوينا، وذلك من أجل منحه شريط فيديو عليه الفضيحة الأخلاقية للاعب الفرنسي، لكن اليمين الفرنسي رأى أن القضية لا بد من أن تتجه نحو بنزيما بعينه، لا فالبوينا!
وعزز تلك الفرضية تصريح "جاي رو"، الذي درب سابقاً فريق "أوكسير" معلقاً لصحيفة "لوباريزيان" الفرنسية عن استبعاد بنزيما من المنتخب بعلة قضية الشريط الجنسي، لقد "كان يمكن أن يتم التعامل مع الأمر بشكل مختلف، لو لم يكن يحمل اسم كريم"، وهذا ما اتفق عليه أيضاً المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو، مؤيداً فرضية العنصرية التي واجهها بنزيما عند استبعاده من المنتخب الفرنسي قائلاً: "هناك أسباب خاصة، أو ربما سياسية وراء ذلك الاستبعاد، إنه لشيء مؤسف بالنسبة للاعب بمثل موهبته في أحسن فترات مسيرته الكروية التي بدأ يكتسب فيها الخبرة والنضج".
من هنا، خرج قرار ومرسوم رسمي يطلب من بنزيما التنحي عن تمثيل المنتخب الفرنسي، وغاب بنزيما بقدر ما غاب عن منتخب فرنسا، لدرجة أنه حُرم من تمثيل المنتخب في حصد النجمة الثانية له في عام 2018 في روسيا.
كل هذه المراحل شكلّت كريم بنزيما؛ شكلّته بالمعنى الحرفي والمجازي للكلمة، وجعلته يشعر بما شعر به أوزيل بعد نكسة عام 2018 في روسيا بالنسبة لمنتخب ألمانيا؛ فهو حين يسجل يصبح لاعباً فرنسياً، وحين يفشل في التسجيل يصبح لاعباً عربياً.
في البرلمان الفرنسي، لم يكن لديهم إلا حجة أن له أصولاً عربية، وأنه ينتمي إلى كذا وكذا، وتحول الأمر برُمته إلى محاولة ضغط شديدة على إنسان ظنوا أنه بلا مشاعر.
لم يشعر كريم بنزيما في الوقت ذاته بأي دعم من طرف فريقه، نادي ريال مدريد، وكان في الفترة منذ وصوله إلى ريال مدريد حتى خروج كريستيانو رونالدو، بمثابة فتى تائه لا يطرق باباً إلا عاد خائب الرجاء!
بعد أن رحل البرتغالي كريستيانو رونالدو عن صفوف ريال مدريد، تحول كريم بنزيما كما لم يسبق له من قبل، وأصبح المهاجم ولاعب الجناح وكل شيء في خط الهجوم، وصنع لريال مدريد ملحمة تاريخية في بطولة دوري أبطال أوروبا موسم 2021-2022.
الكرة الذهبية التي حققها، والتي قال عنها "كرة الشعب" كانت صادقة تماماً؛ لأنه طوال حياته كان يُعاني من الجهات الرسمية، ولم يشعر بالدعم إلا من الأشخاص الذين كانوا بجواره ولم يتخلوا عنه رغم كثرة الضغوطات التي وُضعت فوق رأسه ورؤوسهم.
كرة الشعب؛ التي منحته فرصة تنفس الصعداء، والنظر لكل من سخروا منه، واستطاع أن يُحول نفسه من مادة خام للسخرية في كل مكان، إلى رجل يُمكن احترام كلمته ويُخشى إذا تحدث!
واليوم بكلمة حق قالها بحق ما يحدث في فلسطين من مجازر على يد الاحتلال الفلسطيني، جعلهم يستشيطون غضباً وينظرون إليه بنظرة حقد بالغة ويتهمونه، فشنَّ وزير الداخلية الفرنسي، جيرار دارمنيان، هجوماً على كريم بنزيما، وقال خلال مقابلة مع قناة CNews، عند سؤاله عن دعم اللاعب لفلسطين: "إن كريم بنزيما لديه علاقات ذات سمعة سيئة"، هذه عادة بلاد الأنوار من ينطق بالحق يُزعجهم لهذه الدرجة المُريبة ويجعلهم ينتفضون من مقاعدهم لكي يمنعوا أصوات الحق.
والآن يُهاجمونه بشدة، عبر البرلمان الفرنسي نفسه، الذي اتهمه وبرأ ابن جلدته فقط لأن الأصول العربية تُخيفهم بشدة، البرلمان الفرنسي الذي اتهم بنزيما بفضيحة جنسية ونسبوها إليه، والبرلمان الفرنسي الذي قال إن بنزيما مُتواطئاً مع جماعات إرهابية؛ فقط لأنه دعم دولة عربية مُسلمة لا تُحرك فيهم ساكناً، بل يدعمون مُحتلها نفسه.
وزير الداخلية الفرنسية يتهمه بالإرهاب فقط لأنه قال ما يُزعجهم، ودافع عن المستضعفين في الأرض؛ فألبسوه ثوب الإرهاب الذي يليق على مثل هذه المواقف ببساطة شديدة.
فبينما تخلص بنزيما من كل العوائق ليصل للقمة، لم تنجح فرنسا في التخلص من عنصريتها ولا عقليتها الاستعمارية، فما زالت تنظر للعرب وكأنهم لا يستحقون الهواء، ولا كانوا مُوكلين به لحجبوه عنهم.
أصبح كريم بنزيما، المُنطوي الذي لم يتمكن طوال حياته من شرح من يكون، هو الفريسة الأسهل لجماهير فريقه التي كانت لا ترحمه إذا أخطأ، وفي الوقت نفسه لم يجد من بلده بالتبني رحمة الأمومة، وكذلك كان يبحث عن وطن حقيقي؛ لذلك حين وصل إلى الأراضي العربية ظنوا أنه قد رُد إلى أهله فاستباحوه لأنهم كانوا يعرفون حقيقته منذ البداية!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.