أسقطت الإبادة الجماعية واللاإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في غزة آخر ورقة استترت بها المنظومة الدولية والغرب بأسره والتي لطالما استخدموها في إظهار ما لا يؤمنون به حقاً، وإخفاء ما يكنونه من شر في نفوسهم ولم يكن سراً.
لقد تعرَّى الغرب تماماً وانفضح شره وانتقاؤه وتشوه فطرته وانعدام إنسانيته التي لا تعدو كونها إنسانية فصيلة حيوانية لا تتألم إلا لأبناء فصيلتها ولا تنتفض إلا لنصرتها ودعمها المطلق في مواجهة الإنسانية.
تمر الأيام ويستمر القصف الإسرائيلي على البشر في غزة وتقتلهم وهم نيام، وتدمر عن قصد أحياء بأكملها وتقتل عائلات بأكملها بلا حد أو حتى عقل، كل شيء في غزة في مرمى آلة القتل الحقيرة فلا حصانة للمنشآت المدنية ولا حماية للمستشفيات ولا طواقم الإسعاف ولا المساجد ولا المدارس، ولا حتى المؤسسات التابعة للأمم المتحدة.
مئات الشهداء وآلاف المصابين وما زال الغرب يصطف خلف تلك العصابات الصهيونية المتوحشة ويقدم لهم الدعم بكافة صوره وأشكاله بذريعة حقهم في الدفاع عن أنفسهم! أي حق هذا الذي يستبيح دماء الأبرياء ويقتل من الأطفال والنساء المئات؟ أي دفاع لعصابات إجرامية تحتل أراضي الشعب الفلسطيني على مدار 75 عاماً؟ أي منطق هذا الذي يجعل من القتلة المغتصبين الدمويين ضحايا في مواجهة أصحاب الأرض المحتلة والمحرومين من أبسط حقوق البشر في العيش بسلام على أراضيهم!
لم أتفاجأ من أحاديث كل خبيث منتمٍ لهذا الكيان الصهيوني؛ لأنني أعرف جيداً أنه مجتمع دموي ليس لديه أي ذرة رحمة أو إنسانية منذ أن تأسس بغير حق كيانهم الغاصب عام 1948 على الدماء وجثث الأبرياء، لتغتصب الأرض بعد مجازر لا تُنسى في كل فلسطين من صفد إلى النقب.
تصريحات ليست ببعيدة عن إجرامهم وتاريخهم الوقح في كل ما هو غير إنساني، فهذا الذي يقال عنه رئيس وزراء، ولكنه في حقيقة الأمر سفاح عاشق للدماء " نتن ياهو" (باللهجة والمعنى المصري) هدد بأوضح الكلمات سكان غزة قائلاً: "سنجعل من غزة جزراً خربة"، وذاك الذي يوصف بوزير الدفاع، الذي لا يعدو كونه قائداً لجيش من الضباع يصف الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية، وآخرون من بني جلدتهم على نفس المنوال يهللون، بغير رحمة أو منطق وبكل حقد وجنون: لمَ لا ؟ فلهم في القتل والخراب والإرهاب فنون.
تصريحات عنصرية تتعارض مع القيم الإنسانية والقوانين الدولية التي من المفترض أنها محل احترام ومناط التزام كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بالتوازي مع هذه التصريحات أطلقت تلك العصابات عمليات همجية على قطاع غزة ضاربة بكل الاتفاقيات الدولية والقانون الدولي الإنساني عرض الحائط وفي تحدٍّ واضح له وللضمير الإنساني.
\ أيام عديدة تمر على قطاع غزة المكتظ بالسكان وسط حصار أشد من تلك المفروض عليهم لأكثر من 17 عاماً ويزيد، طائرات لا تتوقف عن قصف ممنهج للأحياء المدنية، ومدفعية لا تشبع من إراقة دماء أبرياء وقادة حرب لا تعرف قلوبهم أي معنى للرحمة ليفيضوا على ضحاياهم من وافر شرهم بقطع الخدمات الأساسية من كهرباء وماء ومنع وصول الغذاء والدواء.
لطالما كانت فلسطين المحتلة وشعبها المنهوب اختباراً يعقبه اختبار للضمير الإنساني العالمي وشاهداً على انهيار منظومة العدالة الدولية وسيطرة السفالة الصهيونية بتحدي القرارات الأممية تارة، وانتهاك التشريعات الدولية تارة أخرى.
كان الغرب الراسب في كل الاختبارات يتوارى في كثير من الأحيان خلف عبارات فارغة في مضمونها شعارات مستهلكة لا مكان في مواقفهم لها، رنانة من حيث الشكل فمثلاً مع كل اعتداء تجدهم يدعون إعلامياً عصابات الصهاينة بضبط النفس وتخفيض الاعتداء وكأنهم يدعونهم إلى قتل الضحية بهدوء! ولكنهم هذه المرة فشلوا في أن يظهروا كعادتهم وأعلنوها ببجاحة وليست صراحة دعمهم المطلق لتلك العصابات وينكشف للعالم ما صنعوه في الخفاء وأخفوه لسنوات.
لقد اتضح أن الغرب الذي سوَّق نفسه لسنوات راعياً للتحضر والرقي وحقوق الإنسان والديمقراطية ونبذ العنف والكراهية، ما زال يحكم بقواعد أسلافه الدمويين وتبين أن ادعاءات العصر الجديد والتحضر وحقوق الإنسان ليست إلا كلمات فارغة لا أساس لها من الصحة وكل ما في الأمر أنهم استحدثوا شكلاً آخر لقتل واستباحة الآخر لا يقل قسوة وتوحش عما كان حالهم في عصورهم الدموية ومحاكم التفتيش، هذه هي حقيقتهم مهما حاولوا شرعنة إرهابهم وإخفاء أنيابهم!
أما عن القانون الدولي الإنساني الذي يعاني من تدنيسه وتجاوزه الصارخ من قِبل من ادعوا الحضارة وصاغوا له تشريعات، وهنا على سبيل المثال لا الحصر يمكن ذكر كم جرائم الحرب التي تمارسها الآلة الصهيونية بدعم غربي على أرض فلسطين:
احترام سيادة الدول وتجريم المساس بها وهذا بالعكس تماماً مع فلسطين المحتلة
حظر حصار المدنيين، وهذا ما أتت بعكسه تلك العصابات بحصار غزة لأكثر من 15 عاماً.. حظر استهداف الأحياء المدنية وهنا حدث عن الإجرام ولا حرج عن مجازر لا تتوقف.. حظر استهداف المنشآت المدنية، لم يتبق في غزة مؤسسة مدنية لم تستهدف بالقصف..
حظر أي استهدافات من شأنها الإضرار بالمدنيين، وإذا دعت ضرورة عسكرية باستهداف موقع عسكري من شأنه الإضرار بالمدنيين وجب إخطارهم ومنحهم فرصة للإخلاء.
حظر كافة أشكال التمييز العنصري ونحن أمام نظام فصل عنصري باعتراف منظمات أممية.. حظر كافة أشكال العقاب الجماعي.. حظر القتل العشوائي في حين أن رصيدهم في القتل لا يمكن حصره.. حظر استهداف الطواقم الطبية والمستشفيات ودور العبادة، وهنا تجاوزت هذه العصابات كل الحدود؛ حيث لم تكتفِ بقصف واستهداف تلك المنشآت؛ بل تهدد بقصف مستشفيات أخرى مكتظة بمصابين ومرضى في حالات حرجة.
حظر تجويع المدنيين، ولكنهم اعتادوا التجويع وزادوا بقطع المياه والكهرباء ومنع إمدادات المشتقات البترولية.
حظر قتل الأسرى ولهم في هذا الإجرام أبواب وأبواب، وتشهد عليهم أسلحتهم وما احتلوه من تراب.
ففي الوقت التي تستتر فيه دولة عند ارتكاب جريمة واحدة من هذه القائمة خشية المساءلة أو الفضيحة تقوم العصابات الصهيونية ليل نهار بهذا الكم من جرائم الحرب والإبادة الجماعية، مستمدة قوتها ممن خلفها من الغربيين المشوهين بعد أن جعلوا منها ضحية، وهي في الأصل محتلة وفاشية، في تمثيلية سخيفة لن تدوم.
75 عاماً من الإجرام والتوحش ولم يحرك الغرب أو الشرق ساكناً حتى وصل الظلم إلى حد الانفجار، ولا أعلم على أي شيء يراهنون؟ الآن وبعد أن شاهد العالم الصورة الكاملة لهذا التوحش وضعف المؤسسات الأممية كالأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيره هل يعتقدون أن هناك من سيستمر في إيمانه بتلك المؤسسات، أو يظن أن في تلك التشريعات المدنسة خيرا لمظلوم أو سندا لمقهور!
على ما يبدو أن هدف الغرب من إنشاء الأمم المتحدة ومجلس الأمن وغيرهما من المؤسسات الأممية لم يكن إلا أداة لتفريغ الشعوب وكسر عزائمهم بإيهامهم بأن هذه المؤسسات حكماً بين الأمم لا تبتغي إلا العدل بين بني البشر، ويحل على كل العالم السلام، ولكن الغرب أراد لهم العيش نياماً، فلا عقاب ولا حساب، فقط شجب من كلام ما دام المجرم ممن وضعوا تلك القواعد أو من المرضيّ عنهم.
جدير بالذكر أن هذه المجازر تأتي مع نشر فيلم وثائقي عن مجزرة الطنطورة التي قامت بها عصابات الصهاينة، وظهر في الفيلم جنود متقاعدون تحدثوا عن فظائع ارتكبوها دون خجل أو حتى شعور بذنب تجاه ضحاياهم! منهم من قال إنه قتل عدداً لا يعرفه من البشر وربما كانوا 250 كما هو عدد طلقاته حينها، وآخر تحدث عن جمع رجال القرية وحرقهم، وغيره اغتصب طفلة وآخرون قتلوا المسالمين بعد القبض عليهم بدم بارد!
أجيال تتغير، ولكن الإجرام وعشق دماء الأبرياء واحد، وما أشبه حاضرهم بماضيهم، ولا عزاء لغرب انتهت مسرحيته الحقيرة وفقدت أدواته قوتها في التأثير.
فلا قيمة لمؤسسات دولية كما يدعون، ولا مضمون لآلة إعلامية لطالما تشدقوا بمهنيتها واستقلاليتها ودفاعها عن الحقوق والحريات، اصطفت هي الأخرى خلف الصهاينة وعاثوا يروّجون لشائعاتهم ولم يتورعوا في التدليس وتصوير السفاحين على أنهم أبرياء واتهام الضحايا بإرهاب لا يتوقف عن استهدافهم وإراقة الدماء!
الآن أستطيع أن أقول بملء الفم، بلا شائبة أو تردد أو غم: لقد انتهى عصر التدليس والوهم، وسقطت ألاعيب الغرب ولن يتبقى لهم إلا الهم، إنسانيتنا أصيلة يستحقها كل البشر ليس كإنسانية الفصيلة التي تؤمنون بها وقريباً ستصيبكم بشرها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.