يغمض الغرب اليوم أعينهم عن مجزرة المستشفى المعمداني، بوصفها هولوكوست شعب أهل غزة، أكثر من 500 شهيد في استهداف جبان طال المستشفى الذي يقرر القانون الدولي بأنّ المراكز الطبية لا يمكن ولا يجب اعتبارها أهدافاً عسكرية. تنص المادة 19 من اتفاقية جنيف على عدم جواز مهاجمة الأقسام الطبية، سواء كانت مستشفيات أو وحدات خدمة طبية متنقلة، تحت أي ظرف من الظروف.
خلال أقل من 12 يوماً فقط قصفت إسرائيل قطاع غزة بمتفجرات يفوق تأثيرها أكثر من ثلث قنبلة نووية، وقتلت خلال هذه الهجمات أكثر من 3200 شهيد أغلبهم من الأطفال. هذا الحجم من البربرية والهمجية يفوق ما قصفته الولايات المتحدة لأفغانستان خلال عام كامل. إننا اليوم نقارن بين حجم الذخائر التي يستخدمها الإرهابيون في الولايات المتحدة وإسرائيل، ليخرج علينا الغرب المتعرّي من أكذوبة حقوق الإنسان ويخبرنا بأنّ ما تقوم به إسرائيل هو دفاع عن النفس!
انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني من قِبل إسرائيل
إن القانون الدولي الإنساني الذي صدّع الغرب به رؤوسنا، يخبرنا بأن العقاب الجماعي هو جريمة حرب. وعليه، وعلى مرأى من عيون العالم أجمع تحاصر إسرائيل أكثر من 2.5 مليون نسمة في قطاع غزة وتقوم بقصفهم بشكل عشوائي وترتكب جريمة مشهودة وعقاباً جماعياً ضد أطفال غزة، ولا يحرك هذا الغرب ساكناً في الدفاع عن قوانين ومبادئ هو من قام بوضعها.
وكأن الإسرائيليين قد فتحوا كتاب القانون الدولي الإنساني وقرروا أن ينتهكوا كل قاعدة فيه، فها هم اليوم قتلوا أكثر من 2836 مدنياً ثلثاهم من الأطفال في قطاع غزة، كما تتعمد إسرائيل ضرب البنى التحتية للقطاع ولم يشعروا بأي خجل من أن يجلسوا أمام الكاميرات ويقولوا للعالم أجمع بأننا سنقطع المياه والكهرباء والغذاء والدواء عن كل من يعيش في قطاع غزة. هذا الكيان الذي يتعمد تدمير المشافي والمراكز الصحية ويتعمد أن يقصف سيارات الإسعاف.
ازدواجية المعايير الغربية
إن الأدلة على ازدواجية المعايير الغربية وتسييس الغرب لحقوق الإنسان كثيرة ولا تحصى، ولعلنا سنكتفي بمثالين فقط يختصان بالجهود التي وجهها الغرب نحو الدول المسلمة فيما يتعلق بحقوق المثليين. وسائل الإعلام الغربية والتي تدعي الحرية الصحفية والترويج لهذه الحرية بوصف الصحافة السلطة الرابعة، شنّت حملة شعواء ضد قطر لمجرد أن دولة عربية حصلت على حق إقامة المونديال على أراضيها. وبحث الغرب كثيراً عن الحجج ووجد ضالته في "المثلية". كما ترافقت الهجمات الصحفية بهجومات من حكومات دول غربية كالولايات المتحدة وألمانيا وغيرهما من الدول. وعلى الرغم من أن قطر قالت وبكل وضوح بأن الجميع مرحب بهم ضمن احترام التقاليد والقانون القطري فإنهم استمروا في حملتهم تلك لتشويه سمعة العرب والقطريين وتصويرنا على أننا لا نحترم حقوق الإنسان.
وكذلك الأمر فعلت الولايات المتحدة مع الكويت، ففي يونيو 2022 استدعت وزارة الخارجية الكويتية دبلوماسياً أمريكياً بارزاً احتجاجاً على تغريدة نشرتها السفارة الأمريكية تدعم فيها المثليين.
وكان مسؤولون أمريكيون هناك قد نشروا عبر الإنترنت علم (قوس قزح) الذي يعد شعاراً للمثليين. ويبدو أنّ هذا التوتر جاء بعد ضغوط أمريكية مورست على الكويت تنتقد فيها الولايات المتحدة وضع الأقليات والمثليين في الكويت. وقد طالب الأمريكيون الحكومة الكويتية بمنح المثليين الحرية التامة في ممارسة أنشطتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي بعيداً عن القيود القضائية أو السياسية، ويبدو أنّ الولايات المتحدة ذهبت أبعد من ذلك من خلال التهديد بإحالة الملف الحقوقي إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. بينما ترفض الكويت هذه الضغوط انطلاقاً من تمسكها بتعاليم الدين الإسلامي وبما يمليه العقل السليم.
هولوكوست غزة والصمت الغربي
إن هذه الضغوط والمعايير المزدوجة لا تقابل بجهود حقيقية وواقعية لكشفها وفضحها، فهناك قصور إعلامي عربي في هذا المجال. إذ لا بد من تذكير الأمريكيين بالتمييز العنصري الذي يمارس ضد السود والملونيين في كل مدينة أمريكية سواء في مستويات التعليم والحياة وحرية الرأي والوصول إلى الخدمات الطبية.. إلخ.
ومن ناحية أخرى، فقد فضحت الجرائم الإسرائيلية الأخيرة بحق قطاع غزة الولاياتِ المتحدةَ وحلفاءها تجاه الشعب الفلسطيني المسلم. فعند الحديث عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة يطلق الغرب على جرائم الإبادة هذه وصف "الدفاع عن النفس". وعند محاولة التعبير عن الرأي في حق الشعب الفلسطيني بالعيش، فإن الدول الغربية مثل ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة تهدد كل من يحاول المشاركة في هذه التظاهرات بالعقاب والسجن والحرمان من الحقوق المدنية. لقد ذهبت ألمانيا إلى حد الطرد أو التجريد من الجنسية الألمانية أي شخص يتعاطف مع الفلسطينيين.
تمارس الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون حملة إعلامية مضللة ضد حقوق الشعب الفلسطيني. برروا في أكثر من مناسبة قيام إسرائيل بقطع المياه والكهرباء والغذاء عن قطاع غزة بحجة مكافحة الإرهاب، وهم أنفسهم اليوم راضون تماماً عن رفض إسرائيل فتح أي ممرات إنسانية لإيصال المساعدات الغذائية والدوائية إلى القطاع.
ختاماً.. لم نكن نحتاج إلى أي أدلة إلى إثبات المعايير المزدوجة للغرب عند تعامله مع العرب والمسلمين، فهم يمارسون ضغوطاً يومية ويهددون مجتمعاتنا بكافة أشكال التهديد إذا ما رفضنا الانصياع لمعاييرهم الأخلاقية التي لا تتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا الحنيف. وعند تذكيرهم بقواعد القانون الدولي الإنساني وضرورة إدانة ومنع إسرائيل من ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني يغمضون أعينهم ويصمون آذانهم وكأن شيئاً لم يحدث. لقد كشفت مجزرة المستشفى المعمداني زيف وتحريف هذه الادعاءات، لقد أصبح ازدواجية المعايير ودعم إسرائيل في جرائهما أمراً أوضح من الشمس.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.