فيلم Lemon Tree.. هكذا تحاول السينما الأمريكية شرعنة الاحتلال الإسرائيلي

تم النشر: 2023/10/17 الساعة 13:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/17 الساعة 13:33 بتوقيت غرينتش
فيلم Lemon Tree/ الشبكات الاجتماعية

عُرِضَ فيلم Lemon Tree للمرة الأولى في عام 2008، وهو فيلم من إخراج عيران ريكليس، المعروف بفيلميه The Syrian Bride إنتاج عام 2004، وZaytoun الذي صدر عام 2012. واشترك عيران مع سهى عراف في كتابة الفيلم الذي تبلغ مدة عرضه 96 دقيقة.

إذ يلعب دور البطولة في الفيلم كل من هيام عباس، وعلي سليمان، ورونا ليباز مايكل. وتروي أحداثه قصة سلمى زيدان، المرأة الفلسطينية التي تعيش في بستان ليمون ورثته عن أبيها داخل منطقة "الخط الأخضر"، الواقعة بين أراضي الاحتلال الإسرائيلي وبين الضفة الغربية. ويتحدث الفيلم عن نضال سلمى من أجل حقوقها في وجه الدولة الإسرائيلية ووزارة الدفاع الإسرائيلية، ونضالها في سبيل حماية بستانها.

وحصل فيلم Lemon Tree على جائزة بانوراما الجمهور في مهرجان برلين السينمائي، الذي استقبل العرض العالمي الأول للفيلم. كما حصلت بطلة الفيلم هيام عباس على جائزة أفضل ممثلة من الأكاديمية الإسرائيلية للسينما والتلفزيون.

قصة الفيلم

يركز فيلم Lemon Tree على مفاهيم أمن الحدود وانتهاكات الحقوق، ويروي قصة مقاومة المرأة الفلسطينية سلمى ضد الاحتلال الإسرائيلي، حيث كانت سلمى تعيش حياة منعزلة داخل بستان الليمون الذي ورثته عن أبيها، لكن القصة تبدأ عندما ينتقل وزير الدفاع الإسرائيلي إلى الفيلا المجاورة لها، وعندها يرى الوزير وعناصر وزارته في بستان سلمى خطراً يمثل تهديداً أمنياً، وفي المرحلة الأولى يتخذون بعض التدابير مثل تركيب السلك الشائك وكاميرات المراقبة وأجهزة الاستشعار وأبراج المراقبة، وذلك بحجة أن الأمن القومي قد يكون في خطر، لكن كافة تلك التدابير لم تخفف القلق من وقوع هجوم "إرهابي" من الجانب الآخر. وسرعان ما تسلمت سلمى، مالكة البستان، خطاباً من القيادة المحلية يقول إنهم سيقتلعون الأشجار من مكانها لأسباب أمنية، مع تعويضها عن الخسائر في المقابل. وأخطرت سلمى بناتها في فلسطين وابنها في أمريكا بما حدث، لكن أطفالها أخبروها بأنها لم تستطع التأقلم مع إسرائيل، وأن عليها الانتقال للعيش معهم. وعند هذه النقطة الفاصلة بدأت رحلة نضال سلمى المنفردة. والتقت سلمى بزياد ديفيد في خضم رحلتها للبحث عن محام، فأخبرها بأن هذا النوع من القضايا لم يُرفع من قبل، وأنه لا يملك خبرةً في هذا الصدد، لكنه قرر رغم ذلك أن ينضم إلى سلمى في نضالها كمحام لها.

فيلم Lemon Tree

رفضت المحكمة الإسرائيلية كافة اعتراضات سلمى، واعتبرت البستان تهديداً، وأمرت باقتلاع الأشجار، ثم فرضت الحماية على البستان ومنعت اقتراب أي أحد منه حتى اقتلاع الأشجار. وتظهر بعدها شخصية مفاجئة تراقب نضال سلمى المنفرد وقلة حيلتها، وترفض قبول الفكرة، تلك المرأة هي جارتها وزوجة وزير الدفاع ميرا نيفون. وبعد حديث زوجة الوزير مع صديقها الصحفي الذي كان منزعجاً بشدة من قرار اقتلاع الأشجار، تصدر القرار عناوين الأخبار لتصبح قضية رأي عام، وتبدأ في لفت أنظار المجتمع الدولي. وعلى الجانب المقابل، يحاول وزير الدفاع الإسرائيلي تجسيد صورة الضحية والوزير الذي تشغله مسألة تافهة، فيقول: "هل تتحدثون إلي عن الليمون ووجود إسرائيل تحت التهديد؟". أما بالنسبة للشعب الفلسطيني فقد تحولت الواقعة إلى رمز للمقاومة، وشاهداً على المظالم التي يعانون منها، ونتيجةً للاستئناف المقدم قررت المحكمة الاكتفاء بتقصير طول الأشجار، بينما جرى تصوير ذلك على أنه انتصار لفلسطين. وتعرضت بعض الأشجار للتقليم، وواصلت سلمى حياتها في بستانها، بينما هجرت ميرا زوجها لتتزوج بمحام، وفي النهاية بُنِيَ الجدار بطول الخط الذي يُعتبر بمثابة حدود ليُطوِّق البلاد بالكامل.

الوجه الآخر للاحتلال

يُمثل فيلم Lemon Tree عملاً إنتاجياً يُبرز مشاعر عدم الأمان والقلق التي يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ عقود. وتُعَدُّ المشاهد التي يقدمها ريكليس طوال الفيلم بمثابة إسقاطات في الواقع، إذ إن سلمى تمثل الشعب الفلسطيني ونضاله، بينما تمثل شجرة الليمون أرض فلسطين، فيما يمثلُ الوزيرُ الصهيونيةَ وإسرائيل، وتمثل زوجة الوزير قطاعاً من الشعب الإسرائيلي، وإذا نظرنا إلى الفيلم داخل إطار هذه الإسقاطات فسنحصل على أرضية أكثر قابليةً للتفسير.

وقد حاول عيران ريكليس -كإسرائيلي- أن يقدم الفيلم بـ"موضوعية" من وجهة نظر الشعبين، لكن من الضروري التأكيد على حقيقة أن فلسطين تناضل من أجل حقها الشرعي في الوجود أمام احتلال صهيوني، مع اعتبار تلك الحقيقة سياقاً أولياً للحديث، إذ يناضل الشعب الفلسطيني من أجل وجوده لعقود تحت وطأة الاضطهاد والاحتلال والفصل العنصري- دون خوف أو استسلام- وهذا بغض النظر عن الزاوية التي ننظر من خلالها، وبغض النظر عما نرغب في رؤيته. فما الذي يخبرنا به هذا الصراع؟ إنه يخبرنا بالعديد من الأشياء، وهي أشياء لن يراها سوى من يريد النظر إلى المذابح المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي والأخلاق والقيم، ولن يسمعها سوى من يسمعون صرخات عشرات الآلاف من النساء والأطفال المدنيين، فما الذي يخبرنا به فيلم Lemon Tree إذاً؟

لا يعرض فيلم Lemon Tree أي مشاهد دماء أو دموع على الشاشة، ويقدم اليهود في صورةٍ معتدلة تجسدها زوجة الوزير. وربما يكشف الفيلم كيف تستغل إسرائيل القانون لخدمة مصالحها، ولا تضع اعتباراً لوجود الشعب الفلسطيني الذي تُهمشه، لكنه يحاول كذلك كشف الاختلاف بين الشعب وبين الحكومة الإسرائيلية. فما الذي يخبرنا به ذلك الاختلاف؟ لا مجال للفصل بين الشعب الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية. وحقيقة أن زوجة الوزير ظلت تدعم سلمى طوال الفيلم، وذهبت إلى بستانها لإزالة الحواجز قبل أن تعيدها قوات الأمن إلى منزلها، وأدلت بتصريحات موضوعية إلى الصحافة، معلنةً أن سلمى على حق، وانفصلت عن زوجها الوزير في نهاية الفيلم، وهو مجرد تجميل للواقع. وسيؤدي تصديق هذه القصة إلى إظهار اليهود كمعتدلين لا يريدون رؤية بؤس أهل غزة، رغم أنهم يحتفلون في مهرجانات على بعد مئات الأمتار من السياج الفاصل وأمام أعين سكان غزة، التي تعد أشبه بسجنٍ في الهواء الطلق، وتُحرم من أبسط الاحتياجات الإنسانية مثل الماء والطعام. ولا شك أن الجانب الخيالي الرقيق من القصص ما هو إلا صورة رومانسية تخالف واقع الحياة وقسوتها.

ويحاول ريكليس طوال الفيلم نقل رسالةٍ عن الحدود والأمن، فحواها أن الجدار يسجن الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي معاً، لكن هل من المعقول أن نصدق ذلك بعد أن ننتهي من مشاهدة الفيلم ونعود إلى واقع الحياة؟ بالطبع لا، إن المطالبة باقتلاع شجر الليمون تعني قبول فكرة انسحاب الشعب الفلسطيني من أرضه، سواء بالموت أو الاستسلام، وقد يبدو أن الفيلم لا يقدم حلاً للمشكلة من زاويةٍ ما، لكنه يحتوي على حل يصب في صالح إسرائيل في الواقع.

ومن المستحيل تجسيد معاناة الشعب الفلسطيني على الأرض بصورةٍ واقعية في عمل إنتاجي، لكن يمكننا القول إن سلوك ونهج الوزير الإسرائيلي يعكسان لدرجةٍ ما الموقف الوقح للمواطنين الإسرائيليين باعتباره احتماليةً قائمة. وفي عمل إنتاجي من بطولة امرأتين بهويتين لهما خلفيات مشتركة؛ سنجد أن حقيقة عيش أطفالهما في أمريكا تمثل أساس شراكة هدفها خلق سياق إنساني. ومن المؤكد أن الاتصال غير اللفظي والتضامن المزعوم بين سلمى وميرا- رغم حاجز اللغة- يدفعان بالمشاهد إلى استخلاص أن مصيرهما متشابه. وعلى خلفية هذا السياق، يجري التأكيد على أنهما تفهمان بعضهما البعض وتتشاركان المزاج نفسه، ما يؤدي إلى تعمية الحقيقة. علاوةً على أن موقف أطفال سلمى الذين قبلوا بالهيمنة الإسرائيلية، بدلاً من النضال لأجل القضية، يمثل إصراراً على تقرير مصير الأجيال الفلسطينية الجديدة. وحقيقة أن الشباب الفلسطيني يُذبح على يد الاحتلال الإسرائيلي هذه الأيام هي حقيقة تتعارض مع تصوير ريكليس له، الذي أظهره كشباب غير مهتم بالسياسة ويتقبل الهزيمة. وهذه حقيقة لا يراها ريكليس، ولن يستطيع رؤيتها، ولن يرغب في عرضها.

وبعد اقتلاع بعض الأشجار بموجب حكم المحكمة الإسرائيلية، هل يمكن اعتبار ما تبقى بستاناً؟ بالطبع لا، إن رواية الواقع تتشكل من خلال طريقة عرض الحجة وتفسير خطاباتها. ويمكن القول بعبارةٍ أخرى إن وجهة النظر وطريقة تقبلها تحتل الصدارة في البعد الخطي. ولهذا فإن نهج الشخص في عرض الحجة وطريقة تصويرها يلعبان دوراً فاعلاً في تكوين الإدراك، وعندما ننظر إلى الفيلم من هذه الزاوية سنجد ارتباطاً خطياً بين واقع الدمار الذي تسببه إسرائيل وبين التهوين من الباغين. علاوةً على أن أخطر المواقف في خلفية الفيلم هي فكرة أن المخرج قدم عملاً من المفترض أن يكون موضوعياً، ويُنظر إليه على أنه يكشف مفهوم غياب العدالة بإظهار المواقف الأنانية والمنحازة للمحكمة والوزير الإسرائيليين. ولا شك أن اعتبار ريكليس مخلصاً في تلك النوايا الآن سيدعم السياق الضمني الذي يرغب في توصيله، ولو أراد المخرج تقديم عمل إنتاجي صادق فعلاً، في ضوء الأحداث التي جرت؛ لَكان قدم فيلماً مختلفاً كلياً.

بدلاً من الخلاصة

من الضروري مشاهدة الأعمال السينمائية التي يستغلها الاحتلال الإسرائيلي كإحدى طرق شرعنة قمعه لتاريخ وأرض وحياة الشعب الفلسطيني المضطهد، وذلك على أساسٍ من الإيمان والأخلاق والضمير الإنساني، لكن لا مجال أمام الإيمان والأخلاق والضمير الإنساني سوى أن يكون صوتاً لفلسطين. وعلاوةً على كل التعليقات "المنحازة" تجدر الإشارة إلى أن عيران ريكليس حصل على دعم من وزارة الثقافة الإسرائيلية لصنع الفيلم. ناهيك عن أن حقيقة حصول الفيلم على جائزة الأكاديمية الإسرائيلية للسينما ليست مصادفة أو غير مقصودة بأي حال من الأحوال.

وفي النهاية، سنجد أن السياق الأوسع للفيلم يُشير إلى أن التضحية الذاتية لسيدة إسرائيلية كانت السبب في كسب النضال، وليس مقاومة سلمى الشرعية. وأختم الحديث بالجملة التي قالها المحامي زياد بعد المحاكمة: "النهايات السعيدة تحدث في الأفلام الأمريكية فقط".

سلامنا للشعب الفلسطيني في هذه القضية المباركة والشريفة، ذلك الشعب الذي لم يهرب من النضال ضد احتلال إسرائيل، وحافظ على وجوده بفضل إيمانه بالموت وبالله الواحد الأحد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد أوندار كاراكاش
كاتب وباحث في السينما والأدب
كاتب وباحث في السينما والأدب
تحميل المزيد