العلاقة بين المجتمعات الغربية والمسلمين علاقة ملتبسة على الدوام، وقلت "مجتمعات" ولم أقل "الغرب" لأن الساسة الغربيين غرسوا في عقول الأفراد العاديين هذه العلاقة على مر الأزمان، وهذا واضح في سلوكياتهم تجاه العرب المسلمين عموماً، إلا من حاول بنفسه التثقف في هذا الجانب، علاقة تعترضها بعض العقبات والتحديات المتعلقة بالتفاهم وقبول الاختلافات الثقافية والدينية، وهذا الأمر مقتصر على القيادات السياسية من الجانب الغربي أكثر عنه من الجانب المسلم، أو ذلك ما أعتقده بسبب أن عقيدة المسلمين قادرة على الاستيعاب والتفاهم مع كل الاختلافات، وهذا الأمر يرجع لعدة عوامل يوضحها التاريخ الإسلامي، الذي يروي لنا وصول المسلمين لكل بقاع الأرض، وطبيعة المجتمعات المسلمة المسالمة في هذا العصر.
المجتمعات الغربية
تشكلت بعض المجتمعات الغربية عن طريق عدة عوامل هامة، تتعدد هذه العوامل وتشمل الديمقراطية والحرية والتقدم التكنولوجي، ويعتبر النظام الديمقراطي أحد أبرز سمات المجتمعات الغربية، حيث يعطي القوة للشعب في اتخاذ القرارات السياسية ويكفل حقوق الإنسان، وتمتاز هذه المجتمعات باحترام الحقوق الفردية، لكن بجانب ذلك تصاعدت نزعة تمجد الفردانية في المجتمع، وربما هذا ما يعلي من شأن الغرائز، ويخفض من شأن القيم التضامنية في المجتمعات الغربية، وهذا ما يحدث تجاه فلسطين اليوم، فنجد غربي لا يكترث بالأرواح التي تزهقها حكوماته بدعمها لإسرائيل، بينما في مقابل المقاوم الفلسطيني المسلم، والذي هو في وضع دفاع عن أرضه تنازعه قيمه ودينه عن استخدام القوة ضد المدنيين.
يلعب التقدم التكنولوجي أيضاً دوراً هاماً في تشكيل المجتمعات الغربية، حيث يؤثر على مختلف جوانب الحياة من خلال توفير وسائل التواصل الاجتماعي وتطوير الأجهزة والتقنيات، هذا النمط من التقدم يشجع على تبني أساليب الحياة المختلفة، ويزيد من انتشار المعرفة وتبادل المصالح المشروعة بين الأفراد، رغم ذلك نجد تقصيراً في التضامن مع القضية الفلسطينية، التي لطالما رمزت كقضية للحرية، أي ما يتوافق مع ما تدعيه المبادئ الغربية، بل على العكس نجد تبنياً كبيراً على المستوى الشعبي للسردية الإسرائيلية الزائفة.
يمكن القول إن التقدم في مجال التكنولوجيا والتواصل العالمي يلعبان دوراً مهماً في تشكيل المجتمعات كافة، بما فيها المجتمعات الغربية، فهما يمنحان الناس فرصاً أوسع للتفاعل وتبادل الخبرات، وهذا بدوره يعزز التنمية والتعاون بين الشعوب، ويساعد في خلق عالم أكثر اتصالاً وتفاعلاً، ورغم أن الدول الغربية ترى أنها كانت سباقة في تبني الاختلاف في جوهر مجتمعاتها، نجد اليوم توجهاً مغايراً تماماً؛ إذ هذه المجتمعات بدأت تسقط رويداً رويداً عن الديمقراطية كنظام سياسي قيمي، حين بدأت في اختيار وانتخاب حكومات من أقصى اليمين، بينما فشلت في أن تعلي من قيم التضامن ورسم صورة واضحة عن الآخر.
المجتمع الغربي والفهم الصحيح
ورغم أن الانفتاح على الآخر يعزز التواصل الفعّال بين المجتمعات ويعمل على تقبل الآخر، وكذلك يسهم في نماء العلاقات الإيجابية والمتوازنة، فيما يظهر الاحترام والمرونة في التفكير، كونهما ضروريين لتعزيز التعايش السلمي والتسامح والاندماج، إلا أن عقل الغربي ما زال عصياً على فهم العقلية العربية الإسلامية.
في هذا السياق على المجتمع الغربي فهم التعاليم والقيم الإسلامية بطرق قائمة على الحقائق والموضوعية، وليس بعواطف تاريخية غير منصفة، وعدم الانجرار للتصورات النمطية والمسبقة حول المسلمين، التي خلفها التاريخ الزائف والاستشراق؛ فالتعايش بين المجتمعات يفرض بناء جسور التفاهم وحماية حقوق الإنسان للجميع دون تمييز أو تحامل، هذا الأمر يؤدي إلى بناء الثقة، ويسهم في تعزيز السلام والتآلف الإنساني.
وكذلك قوة الحوار المفتوح بين الأطياف المختلفة على نطاق واسع يزيد من فضيلة التفاهم والتعايش، إنها عملية مستمرة تحتاج إلى جهود واسعة من جميع الأطراف لضمان تحقيق التوافق السلمي وبناء مستقبل أفضل للبشرية، ويعني ذلك أنه يجب على الأفراد الاستعداد للانسجام والتناغم مع بعضهم البعض وقبول الآخرين بما يحملونه من اختلافات ثقافية ودينية واجتماعية، ومحاولة تكريس بعض القيم الأساسية التي تعمل على تقوية الروابط بين الأفراد وتعزيز السلام الاجتماعي.
بالإضافة إلى ذلك على المجتمع الغربي الأخذ بعين الاعتبار مصالحه المحتملة لتطوير وتنمية المجتمعات والعمل على رفاهية الإنسان وردم أي خلاف لصالح ذلك من خلال تجنب الانجراف إلى الاعتقادات التصورية والمسبقة حول المسلمين، بترك الإرث السلبي والاستعماري الطويل وفتح صفحة جديدة لفكره، فعليه أن يبحث عن المعرفة الصحيحة والاستناد إلى الحقائق بالتقرب أكثر إلى العرب والمسلمين، فقط عندما يكون هناك تفهم واطلاع دقيق على الثقافات والعقائد المختلفة يمكن أن تتحقق المصالحة والتسامح بين المجتمعات.
وفي النهاية يعني التعايش بين المجتمعات بناء جسور التفاهم وحماية حقوق الإنسان -كما ذكرت- دون تمييز عِرقي أو ديني أو تمييز بلون أو جنسية، اندماج هذا العالم المتنوع غاية الغايات وبالمساواة والعدالة تحدث المعجزات، باحترام تلك الحقوق يحدث التكاتف العالمي ويتحقق السلام.
إنها عملية مستمرة تحتاج إلى جهود مستمرة من جميع الأطراف لضمان تحقيق الحصافة، حصافة التعامل والوعي السلمي وأن يضع الجميع قيم التسامح والتعايش في قلوبهم وأفعالهم، وأن يعملوا سوياً لتعزيز الحوار وإزالة المعضلات أمام التفاهم والمساكنة السلميين، إنها مسؤولية مشتركة لكل فرد في المجتمعات الغربية لبناء عالم يسود فيه السلام والتضامن.
ولكي يسود السلام الحقيقي على الغرب التخلي عن الخطاب والنظر الاستعلائية التي ترسم صورة مشوهة وقاصرة عن الآخر، إذ يتضح أنه بوجود المنظمات الإنسانية المدعومة من الغرب في المجتمعات الأخرى استمرار الاستعلاء وما يسمى بــ"ثقافة الأبوية" التي يمارسها الغربي للمجتمعات الأخرى؛ حيث فرضت هذه الثقافة تفوق القيم الغربية بالإنابة، وما زال الغربي يمارس هذه الثقافة الاستعمارية في دولنا، فهل تستطيع هذه المنظمات إنهاء الاستعمار من نفسها؟
التفاعل مع الآخرين
يؤثر التفاعل المتزايد والتواصل الدولي في شكل تلك المجتمعات؛ حيث تنعكس في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الاقتصاد والثقافة والسياسة، وبفضل التكنولوجيا والتواصل العالمي، يتسنى للأفراد الاطلاع على التطورات وتبادل الآراء والأفكار مع الآخرين، مما يعزز التداخل الثقافي والاقتصادي والاجتماعي بين الشعوب، بخلاف القيم التي تبقى رهينة كل مجتمع، ومع ذلك يتم استخدامها من قبل الدول الغربية لا لزيادة التفاهم والتقارب بين المجتمعات بل لبهت وتأسيس لهيمنة ثقافية واحدة.
لذلك، يشعر العرب والمسلمون عموماً بأن التكنولوجيا مسيّسة تدخل في الصراعات وطمس الأيديولوجيات ومحاولة التأثير على قيم الآخرين بأشكال عدة خصوصاً من خلال الألعاب، والبرامج الموجهة للأطفال، والأمثلة على ذلك كثيرة منها القضايا الجنسية الشاذة عن مجتمعاتنا العربية.
تعد هذه المكونات الحديثة من التقدم التكنولوجي نقلة نوعية في طرق التواصل والتفاعل بين الأفراد؛ لكنها سلاح ذو حدين من جانب، ونافعة من جانب آخر، فمن خلال وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك ومنصة إكس والإنستغرام وغيرها أصبح العالم أكثر ترابطاً، إلا أنه عاجز عن خلق مساحات صادقة للحوار والنقاش، ونرى اليوم كيف تعمل أغلب تلك المنصات على إقصاء السردية الفلسطينية بينما تدعم بكل قوة السردية المزيفة لإسرائيل.
من خلال التواصل العالمي وتبادل الآراء والأفكار مع الآخرين يمكن حقيقة أن يصبح للأفراد فهم أعمق للتحديات والفرص وأكثر تضامناً، فهذا ما أثبته التاريخ الإسلامي، وليس عن طريق الهيمنة الغربية لتغليب ثقافة على الأخرى باسم التحديث والحرية، حين يحدث هذا التواصل بصدق ربما تتحسن العلاقات الدولية، ولعلنا نجد حلولاً مشتركة لقضايا عالمية مثل التغير المناخي والفقر، وربما سيكون المجتمع الغربي لديه القدرة على فهم القضايا الإنسانية بشكل صحيح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.