"المذبحة الكبرى التي نظمها هتلر كانت ذروة تاريخ طويل، لقد كان اصطياد اليهود رياضة أوروبية على الدوام، والفلسطينيون الذين لم يمارسوا هذه الرياضة قط، هم من يدفعون الثمن اليوم"إدواردو غاليانو
من يدري كم عدد الفلسطينيين الذين قد يفقدون حياتهم بحلول وقت نشر هذا المقال؟ وكم عدد الضحايا الذين لن يتمكن المسعفون من نقلهم إلى المستشفيات أو المشرحة بسبب نقص الوقود والكهرباء؟ بينما، يظل من الصعب تجنب سؤال العالم عن عدم توقف الغارات الجوية الإسرائيلية عن استهداف منازل الأبرياء والأطفال على الطرقات. رغم أن الإجابة يعرفها الجميع هذا هو المعتاد، هذا هو الجحيم اليومي الذي يعصف بالفلسطينيين، فقد تخلى العالم عنهم منذ زمن، ولم يُترَك لهم شيء.
لم يُسمح لغزة مطلقاً بالحياة، لقد عملت إسرائيل بالقوة على القضاء على كل أشكال الحياة في تلك البقعة الجغرافية وإجبار الناس فيها على اختيار واحد فقط على النضال والكفاح.
فعندما اتبع الفلسطينيون في غزة المسار السلمي وأطلقوا مسيرة العودة الكبرى، ردت قوات الاحتلال الإسرائيلي بقوة غاشمة، وقتلت (215) فلسطينياً خلال مشاركتهم في المسيرات، منهم طفلان.
بالإضافة لذلك يداوم الاحتلال الإسرائيلي على قصف غزة وبنية التحتية الشبه معدومة، قاتلاً أهل القطاع وأي آمال أو محاولات لإنشاء حياة في المستقبل.
كل ذلك يحدث أمام مرمى ومسمع العالم، والغرب بمراكز أبحاثه وترسانته الصحفية يغض الطرف عن كل ذلك، يتحرك فقط عندما تزعم إسرائيل ومستوطنوها أنها تعرضت للأذى من قبل المقاومة بأسلحتها البدائية.
بينما ترجع وتغض الطرف مرة أخرى عندما تستمر إسرائيل في قتل مدنيين وصحفيين دون حتى أن تحاول أن تداري على جرائمها، فمن سيحاسبها! فلم يتوقف استهدفها للصحفيين عند مقتل الصحفية الفلسطينية-الأمريكية شيرين أبو عاقلة، إذ نرى اليوم عدد الصحفيين الذين قُتلوا جراء "الاعتداءات" الإسرائيلية المتواصلة منذ السبت الماضي، عندما أطلقت المقاومة عملية "طوفان الأقصى"، قد وصل إلى 7 لحد الآن، فيما أُصيب 10 آخرون.
في كل مرة ترسل فيها إسرائيل طائراتها المقاتلة وصواريخها، يصل معدل الموت والدمار إلى مستوى لا يمكن تصوره. وهذه المرة، ومع حرب واسعة النطاق، سيكون الدمار على نطاق لم نشهده من قبل.
غزة المنسية
ينساها العالم ولا ينساها الموت، فبوجود الاحتلال الإسرائيلي يظل شبح الموت زائراً دائماً على أهلها. في صيف عام 2014، شنت قوات الاحتلال عملية عسكرية ضد القطاع أسفرت إلى مقتل 2200 فلسطيني، من بينهم العديد من الأطفال كالعادة، وشردت ما يقرب نصف مليون شخص. وقدرت الخسائر الاقتصادية الناجمة عن العملية حينها بثلاثة أضعاف إجمالي الناتج المحلي الإجمالي للقطاع.
حينها لم يقف العالم مشلولاً واكتفى بالتنويه خلال مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" إلى أن قطاع غزة ربما لا يصلح مكاناً صالحاً للحياة خلال خمس سنوات، أي بحلول عام 2020.
وقال في تقريره إن التداعيات الاجتماعية والصحية والأمنية للكثافة السكانية العالية والاكتظاظ من بين العوامل التي قد تجعل غزة غير قابلة للحياة.
لكن للأمانه العالم اليوم، وهذه المرة لا يستمر في تجاهلها، بل يحاول سحقها، بكل ما فيها من إنسانية، فحتى محاولتها للفرار من الموت عن طريق النضال والمقاومة، يصر على أن يسميها إرهاب، فبعد أن أخذت إسرائيل مباركة الغرب بإبادة ذلك المكان الذي قالت عنه الأمم المتحدة إنه غير صالح للحياة، تواصل قصفها العنيف على قطاع غزة، لتقتل أكثر من 2329 فلسطينياً، بينهم نحو 700 طفل، وبينما أصابت 9042 آخرين، بحسب وزارة الصحة، لحد هذه كتابة هذه الحروف فحسب.
في قطاع غزة يأتي الموت والدمار بسرعة، في ثوان. بينما الحياة وإعادة الإعمار واستئناف حياة الناس وتعافيهم من الحرب والخذلان لا تتم إلا ببطء شديد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.