بينما تتغول الهمجية الإسرائيلية باستهداف المدنيين العزل في قطاع غزة، وبينما تُقصف المنازل فوق رؤوس ساكنيها من الأطفال والنساء، تتعالى أصوات التعاطف والدعم والتشريع لهذه الهمجية في عددٍ واسع من البلدان الغربية. وتتنوع التصريحات الداعمة للاحتلال، وتختلف باختلاف الأحزاب الحاكمة وسياساتها، ونسبة تصويت الأغلبية المهاجرة والمسلمة في صناديقها الانتخابية، وتأثيرها في أروقة الحزب.
وكذلك السويد، في ظل وجود حكومة يمينية مدعومة، وإلى حدٍّ كبير مُسيرّة من الحزب العنصري، الذي لم يُخفِ أعضاؤه بين الفينة والأخرى وجههم وتصريحاتهم العنصرية المقززة ضد المسلمين والأجانب بشكل عام. إلا أن الأمر لم يقتصر على أحزاب هذه الحكومة، بل تتسع الرقعة اليوم إلى أحزاب أخرى كحزب الاشتراكيين الديمقراطيين المترأس لكتلة اليسار، والذي لطالما حضرَ إرثهُ التاريخي إلى الأذهان حول دعم القضية الفلسطينية والاعتراف بدولة فلسطين، والمواقف الداعمة للشعوب المضطهدة حول العالم.
فصرّحت رئيسة الحزب، ماجدلينا أندرسون، عن أحقية إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وعن إرهابية حركة حماس دون التطرق إلى الشعب الفلسطيني وحقوقه، لا إيجاباً ولا سلباً. ومن ناحية أخرى، قد ترى إسرائيل في هذه التصريحات المختلفة، المؤيدة لحقها في الدفاع عن نفسها، والمتغاضية عن حقوق الشعب الفلسطيني، وعن أسباب الصراع، ضوءاً أخضرَ وموافقة، ولو ضمنية، على أعمال الاحتلال الإجرامية بحق أبناء قطاع غزة، والتي تخالف القانون الدولي وحقوق الإنسان التي تتغنى بها الدولة السويدية.
وعلى خجل وفي محاولة حذرة، يحاول حزب اليسار الوقوف إلى جانب المدنيين في غزة، وهو الحزب الذي ينتخبه جزء وشريحة واسعة من الفلسطينيين، لوقوفه وأعضائه مع القضية الفلسطينية، وفي الكواليس يبدأ محاولة طرد لأعضاء من حزبه، انتقدوا تعامل قيادة الحزب تجاه الوضع القائم في فلسطين كـ"بيورن الينغ" الذي قضى في الحزب ٢٥ عاماً.
ويبدو أن تأثير الوضع السياسي الداخلي واضح جداً على قرارات الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حين يحاول وبشتى الطرق جذب أصوات خسرها لكتلة اليمين في الانتخابات الأخيرة، ويبدو واضحاً أيضاً وجود استعلاء وغطرسة تلت الحرب الروسية الأوكرانية، لتتحول سياسة السويد من الحياد والدبلوماسية إلى الانحياز.
ويمكن إرجاء هذه التصريحات والمواقف بأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي اعتاد وفي السنوات الأخيرة على حصد أصوات الناخبين من الأصول المهاجرة، نتيجة انعدام الخيارات والآفاق، وعن طريق استخدام الحزب العنصري ديمقراطيي السويد كأداة تخويف وترهيب لهذه الفئات المضطهدة اجتماعياً. فأصبح الحزب لا يلقي بالاً للمهاجرين ولا مشاكلهم ولا اهتماماتهم على جميع الأصعدة وباختلافها، إيماناً بأنه قادر على التعامل مع الأمر، وللأسف مدعوماً بإرثه وبوجود بعض الوجوه المهاجرة ضمن الحزب، ودفاعهم عنه بغض النظر عن سياساته.
وفي سيطرة واسعة للتيار اليميني على الإعلام السويدي، وفي استمرار هذه القنوات الإعلامية بسياسة تشويه كل ما ينتمي للشعوب الأخرى المختلفةُ ألوانُ بشرتها. تتسم التغطية الإعلامية بالانحياز الواضح والتشويه للحقائق، وتصوير حالة الحرب على أنها فقط عبارة عن معركة بين الاحتلال الإسرائيلي المجبر على الرد، وعدم السكوت على انتهاك حرمة سيادته من جهة، وحركة حماس المعتدية الإرهابية من جهة ثانية.
بينما يبقى المشهد الفلسطيني الواسع، والقتل الممنهج، والاحتلال، كسبب رئيسي للصراع والعنجهية الاحتلالية والدعم الغربي كوقود لاستمرار المعاناة، أموراً ثانويةً وهامشية. في محاولة لرسم صورة شعبية، ولشرعنة ولتبرير التصريحات المختلفة والمواقف السياسية التي تتخذها الأحزاب السويدية، وعلى رأسها الحكومة. ويأتي كل هذا في إطار الظرف العالمي الحالي، والذي يُحتم على السويد أكثر من أي وقت مضى أن تبقى ضمن التيار الغربي والسياسة الأمريكية في العالم.
ويبقى السؤال: ما دور المهاجرين والسويديين من أصول فلسطينية في كل هذا؟ وكيفية التصرف بناءً على ما يخدم الساحتين الداخلية والفلسطينية؟
فبعد خروج مظاهرات داعمة لغزة في الأيام الأولى، تهافتت بعض الأحزاب لمهاجمة هذه المسيرات، واتهامها بدعم حماس والإرهاب، حتى وصل الأمر لأن يخرج رئيس الحزب العنصري المتطرف جيمي أوكيسون ويتشدق بأنه يجب ترحيل هؤلاء المهنئين لحماس، ورغم سخافة التصريح، وعكسه لحقيقة هذا الحزب المتطرف أشد التطرف، فإنه يعكس أيضاً ضعف الشريحة المهاجرة وغيابها من حسابات السياسيين بشكلٍ كامل.
إذ تتحمل الشريحة المهاجرة جزءاً كبيراً من المسؤولية في هذا الصدد، فضعف مؤسساتها وعدم القدرة على التوحد مشكلة جوهرية، إلا أن المشكلة الأكبر هي غياب الرؤية السياسية في معظم الأحيان. فعلى المهاجرين اليوم، وضع الهوية الفلسطينية والعربية وغيرها بالمرتبة الثانية، والانطلاق من كونهم مواطنين سويديين بالدرجة الأولى في خطابهم وبكل الأشكال الممكنة. فالقدرة على التأثير ستكون أعلى بكونك سويدياً.
فالمسيرات في وسط المدن برفع الأعلام الفلسطينية، والهتاف لفلسطين، والكلمات الرنانة المعتادة، لا يتعدى تأثيرها أحياناً زمن المسيرة نفسها، ما لم تكن بالألوف المؤلفة. إن الخوض في أحقية أهل فلسطين بأرضهم، ومحاولة الدفاع عن الحق المشروع للدفاع عن النفس، ومحاولة إفشاء وتوضيح ازدواجية المعايير الأوروبية هي أمور جيدة، ولكن محدودة التأثير السياسي، الذي يحتاجه أبناء غزة القابعون تحت الأنقاض اليوم. إن كل ما سبق ذكره له تأثير اجتماعي بالدرجة الأولى، ويتطلب وقتاً طويلاً واستمراريةً ليُترجم وينعكس سياسياً.
بدلاً من ذلك يجب التصرف انطلاقاً من الهوية السويدية أولاً، حرصاً على عدم مشاركة السويد في الصراع المسلح بأي شكل كان، ولا تغذيته. ويجب الإصرار من منطلق أن دافعي الضرائب لن يقبلوا أن تذهب أموالهم لقتل الأطفال، كرد على تصريح رئيس حزب الليبراليين يوهان بيرسون، بأنه يجب على السويد البدء في تصدير كل أنواع الأسلحة لإسرائيل.
كما يجب التركيز على وحشية الاحتلال، وعلى قتل الأطفال والنساء، وعدم القبول به في أي حال من الأحوال، ومن أي طرفٍ كان. فبدلاً من توجيه المسيرات إلى وسط المدن وحسب، وبأعداد خجولة، لدعم فلسطين وحقها في الحرية والتحرر، يجب توجيه مسيرات حاشدة أيضاً إلى مقرات الأحزاب السياسية السويدية الداعمة لإسرائيل.
يجب أن تكون السردية والقيم السويدية على الحياد، وحقوق الإنسان، وحقوق الطفل، والفظائع المنتهكة لها من قبل الاحتلال هي قلب أي تحرك، مع تسليط الضوء عليها انطلاقاً من دور السويد والحكومة في شرعنتها وإعطائها الضوء الأخضر.
كما يجب ألّا يُدعى ممثلو الأحزاب، وخاصةً الاشتراكيين الديمقراطيين، إلى تجمعات المهاجرين لإعطاء محاضرات حول الديمقراطية واحترام القانون، والتي تحمل في طياتها فوقية ونظرة دونية، بل لكي يُوبَّخوا على مواقفهم، وليعلموا أنهم ليسوا بموضع الترحيب في ظل السياسات الحالية.
ورغم أن بعض أعضاء الحزب مناصرون للقضية، وأعلنوا عن ذلك في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن العاطفة وحدها لا تكفي حالياً، بل الموقف السياسي الواضح والرسمي هو ما يحمل المغزى والمضمون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.