غزة الصامدة في الزمن العربي المهزوم

تم النشر: 2023/10/14 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/14 الساعة 08:09 بتوقيت غرينتش
قصف إسرائيلي مكثف على المناطق السكنية في غزة - رويترز

إن الحرب الهمجية التي تقودها الدولة الإسرائيلية، بمساعدة حلفائها في أمريكا ودول أوروبا، ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة المحاصرة منذ 17 سنة، وقطع الماء والغذاء والكهرباء عن سكانها الذي يفوق عددهم مليوني نسمة محاصرين، في مساحة قدرها 360 كلم مربع، وصب الموت عليهم براً وبحراً وجواً بالصواريخ وقذائف المدفعية واستعمال الأسلحة المحرمة دولياً، وتدمير المستشفيات وهدم المباني الآهلة وقصف المنازل الآمنة، والقتل المُنظم للأطفال والنساء والشيوخ، وسياسات التطهير العرقي والتهجير القسري في المدن    والقرى، وإجراءات الفصل العنصري والأسوار الشائكة التي تجعل الفلسطينيين سجناء في وطنهم والجدار العازل والسياج المانع الذي يحولهم غرباء في أرضهم، والاستيلاء على المنازل والبيوتات، في القدس وفي غيرها من البلدات الفلسطينية، والاقتحام الهمجي للمقدسات والاعتداء على المصلين العُزل الآمنين في الأقصى، كل أولئك هو جزء من الظلم الكبير الذي فرضته على شعبنا الفلسطيني الصهيونية الإقليمية مدعومةً من الصهيونية العالمية في الولايات المتحدة وفي دول أوروبا منذ أكثر من سبعين سنة.

إسرائيل تهدد الأمن والسلم في العالم


كل ما يحدث يثبت مرة أخرى أن إسرائيل دولة وحشية وأنها تهدد الأمن والسلم في المنطقة العربية، بل العالم كله، وأن استئصالها هو تطهير للأرض العربية وضمان للأمن والسلم في العالم. وكل هذا يؤكد أيضاً أن التطبيع ليس حلاً مناسباً للقضية الفلسطينية، وأن مستقبل فلسطين يصنعه الفلسطينيون المقاومون في جنبات الأقصى وفي كل فلسطين وتصنعه معهم ومن ورائهم، جموع الشعوب العربية، وليس الأنظمة الرسمية العربية المتسلطة على شعوبها والتي تتسابق في مسلسل التطبيع أو تلك التي تسعى لتزيين صورتها أمام شعوبها، بالتباري في سباق بيانات التنديد المُضحك ومنصات الشجب الذليل والاستنكار البليد. 

إن هذه الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة، والداعمين لها في أمريكا وفي دول أوروبا، قد أعادت إلى الواجهة هذا الزمن العربي البائس ذا الملامح الكئيبة: مغيب الوعي ميت الشعور، جبان القلب فاقد الإرادة، مكبوت الصوت مخنوق الأنفاس، فاقد الذاكرة مشلول القُوى، لا تهزه المصائب مهما عظُمت ولا تحرك ساكنه الخطوبُ ذات الوزن والشأن والأخطار.. 

آيات الزمن الفلسطيني الواعد

ولكن هذه الحرب الإسرائيلية الهمجية على غزة أعادت إلى الواجهة أيضاً هذا الزمن الفلسطيني الواعد وهذا الربيع الفلسطيني الناضج بآياته الكبرى وعلاماته الجُلى. 

وآيات هذا الزمن الفلسطيني الواعد هي هذا الطوفان الغامر والزلزال الهادر. هي هذه الرِقاب المؤمنة والأرواح الطاهرة والهامات المرتفعة والقلوب المُلتهبة  الجموع المُقبلة والأطفال والنساء والشيوخ والشبان والأيادي والأكُف والسواعد والمناكب والحناجر والصدور.

آيات هذا الزمن الفلسطيني الواعد هي هذا الإيمان العميق والشعور الغامر والموقف الراسخ والتصميم القاهر. هي هذا الثبات الخارق والإقدام المُزلزل.
هي هذه الصيحة المُدوية وهذا الرفض الكبير.

آيات هذا الزمن الفلسطيني الواعد هي هذه الأنوثة الحازمة والرجولة الباسلة والطفولة الراشدة والشيخوخة المتأبِية. هي هذه القلوب الحانية والأحضان الدافئة والعيون الرامقة والعواطف والإرادات والآمال.

آيات هذا الزمن الفلسطيني الواعد هي هذه الشهادة الكبرى، في جنبات الأقصى، والاستماتة القُصوى والصبر الجميل. هي هذا التحدي الكبير الذي تشهده أرض الإسراء والمعراج وهذه البطولات المُعجزة والتضحيات الجسام.

آيات هذا الزمن الفلسطيني الواعد هي هذه البساطة والوداعة وهذه العظمة والكبرياء. هي هذه الطهارة والبراءة وهذا الحب والود والصفاء والوفاء..

آيات هذا الزمن الفلسطيني الواعد هي هذه المعاناة الفائقة واللهجة الصادقة والملامح الجميلة والمشاعر المتدفقة. هي هذه النبتة الغضة وهذا الغرس والنور وهذا الوعي الجديد.

آيات هذا الزمن الفلسطيني الواعد منبتها في غزة، ومجلاها في القدس وهي فداء فلسطين. فما أكرمكِ من آياتٍ في هذا الليل العربي البهيم، وما أكرم منبتك ومعدنك وما أكرم متقلبك ومثواك.

سلام الله عليكِ يا غزة في الخالدين..

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دلاوي نصر الدّين
أستاذ جزائري
أستاذ جزائري
تحميل المزيد