يأتي شهر أكتوبر بانتصاراته، ليُذكِّر العقل الإسرائيلي بمخزون هزائمه المُذلُّة، والعقل العربي بوعود الجيوش العربية والمتطوعين في حرب 73، بالطوفان القادم، ومعركة الأجيال.
لقد كانت معركة العقل المدبر، والسلاح الموَجَّه، الذي أذهل كبار القادة، وشل نقاط التحرك، في الساعات الأولى، وهجوماً كاسحاً لم يتوقع أحد توقيته ولا وسائله ولا حدوده.
إن خطة الصمت الطويل، والصبر الجميل، وتشتيت انتباه العدو، وهي تستنزف الكيان في الضفة بأدوات الطبخ، وهجمات عرين الأسود.. كانت تحضر لهجوم الأسُود على أُسْدود، واستيلاء الشجعان على عسقلان، فجعلت من عنصر المفاجأة عامل إرباك وإنهاك.
لقد كانت صورة مُصَّغرة لمعركة التحرير المُمْكنة، وتأكيداً على هشاشة جيش الكيان، الذي ينكشف هزاله في كل الحروب، حين كان الجنود الإسرائيليون يفرون أمام أطفال يضربونهم بالحجارة.
"إن معركة الطوفان اليوم، تُحَرِّر العقل العربي من وَهْمِ الجيش الذي لا يُقهر".
ففي الوقت الذي لم يصبح الكيان يتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني فحسب، بل أصبح يتنكر لوجود شيء اسمه الشعب الفلسطيني، وفي انزياح سياسي سريع لليمين المتطرف في حكومة الكيان. ووسط بيئة معادية فاشية.
وفي مرحلة من التحول الجيوسياسي الخطير من التطبيع، مع دولة محورية، برعاية أمريكية، ومتزامنة مع تدنيس للمسجد الأقصى بحماية البيت الأبيض، كي يرقص المستوطنون السواح يوماً ما، أمام الحجر الأسود، وينفخون الأبواق في صحن الكعبة.
وحين وصلت القضية إلى مرحلة التصفية النهائية، يأتي الطوفان ليربك كل الحسابات ويعيد القضية إلى مربعها الأول.. وفي ساعات قليلة، حول عجرفتهم إلى حسرة وندم يمزق قلوبهم، وحول أصوات أبواقهم إلى صياح وعويل.
لقد أدرك الأبطال أنه إذا لم تستطع أن تواجه جيشاً مدججاً بالسلاح المتطور، فستواجهه بالعقل المدبر وبالإرادة والإيمان. لقد كان مشروع حفظة القرآن الكريم، من صميم الإعداد لمثل هاته المعركة.
وأدركوا بعقولهم المدبرة أنه إذا لم يكن هناك توازن في القوة، فيمكن تحقيق توازن الرعب، وإن معركة التحرير يجب أن تكون شاملة.. وفي ساعات قليلة استطاعوا أن يرسموا خريطة جديدة للأراضي المحررة، ولا يزال الزحف متواصلاً والمستوطنات تَخْلي بيوتها، وأفراد الجيش يتبادلون الأماكن.
وبقي الكيان بأساليبه التقليدية الإجرامية، في تدمير البيوت والمساجد وقتل النساء والأطفال، وكل هاته ضريبة مستحقة لهكذا معركة وتخطيط، وعقل مدبر.
لنقل أخيراً، إننا أمام معركة الأمة، وسيتحقق النصر عندما يتدخل العقل، وتكون شاملة، تتحرك فيها الضفة، وأبناء أراضي الـ48، وتفتح حدود دول الطوق كما فتحت في حرب الـ48.
وإن واجب الحكومات اليوم هو التصالح مع الشعوب والتطبيع مع المقاومة، ووقف كل أشكال التنسيق ومشاريع التسوية، وواجب الشعوب اليوم هو الانتفاض لإسقاط التطبيع، والمشاركة في تحقيق النصر، من خلال الدعم بكل الوسائل.
والخروج بالمسيرات من جاكرتا إلى طنجة، في طوفان بشري غير مسبوق، وأن يبدع الشباب في أشكال الدعم، فالعقول تصنع ما تعجز عنه البنادق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.