يبدو أن الضربة الاستباقية التى أعطت حماس اليد الطولى في ساحة المواجهة سوف تستمر تداعياتها لسنوات طويلة، ولا تزال أصابع الندم ودهشة الحسرة وذهول المفاجأة، تغطي على الأحداث السياسية وتدفع باتجاه الثأر.
قلت في مقالات سابقة إن أهمية الاختراق السيبراني وحرب المعلومات والخداع الاستراتيجي للعدو، تلك الضربة حركت العالم كله ووجهت الأنظار من جديد إلى منطقة الشرق الأوسط؛ حيث أقدم احتلال للأراضي في التاريخ الحديث، وقارب الاحتلال الإسرائيلي على 80 عاماً كاملة، وفي خلال تلك الأعوام كان قادة المحتل يسعون إلى إثبات دولتهم المزعومة وشرعنتها وأمنها؛ ولكن انهارت تلك الأمنيات، وأصبحوا الآن يبحثون عن مجرد البقاء!
الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر تلك الدولة المزعومة هي أكبر استثمار لها في منطقة الشرق الأوسط بتكلفة بسيطة للغاية لا تتعدى 3.8 مليار دولار سنوياً، في مقابل مكاسب اقتصادية وتوسعات استعمارية وعقيدة دينية.
وحول ذلك الاستثمار زرعت الولايات المتحدة الأمريكية عملاء يحرسون تلك الدولة المزعومة، من خلال حكام العرب وأمراء دول، وظيفتهم الأساسية وشروط بقائهم حراسة هذا الاستثمار في المنطقة، والحفاظ على وجوده وحمايته!
ومع مرور الزمن تغيرت أحوال كثيرة، وبعد مرور أكثر من 50 عاماً على آخر حرب فعلية للدولة المزعومة مع الجيش المصري والجيوش العربية في أكتوبر 1973، شاخت تلك الدولة وترهلت وأصابها العجز الداخلي والخارجي، وتحطمت الأسطورة التي كانت تفتخر بها، والتفوق الاستخباراتي والعسكري!
ما جعلها مغنماً سقط في خداع كبير، وتستيقظ على تطاير حلم الدولة مع تطاير أشلاء عساكرها ووقوع البعض الآخر في الأسر!
وفي هذا السياق وحول تلك المفاجأة كتب الصحفي الأمريكي توماس فريدمان قائلاً: "عندما أحتاج إلى التحليل الأكثر دقة عن إسرائيل، فإن أول اتصال أقوم به دائماً هو صديقي القديم وشريكي في إعداد التقارير هناك ناحوم بارنيا، وهو كاتب عمود في "صحيفة يديعوت"، عندما اتصلت به بعد ظهر السبت الماضي لسؤاله عن قراءته لهجوم حماس على إسرائيل أذهلني رده الأول:
"هذا هو أسوأ يوم أستطيع أن أتذكره من الناحية العسكرية في تاريخ إسرائيل، بما في ذلك الخطأ الفادح في يوم حرب الغفران الفظيعة".
وأضاف فريدمان: "الحدود مع غزة لا تزيد عن 37 ميلاً، لكن ترددات ما حدث لن تدفع إسرائيل والفلسطينيين فقط إلى حالة من الاضطراب، بل وستضرب أوكرانيا والسعودية وإيران.. لماذا؟ لأن أي حرب طويلة بين حماس وإسرائيل قد تحرف المزيد من السلاح الأمريكي المخصص لأوكرانيا إلى إسرائيل، وستجعل مقترح التطبيع السعودي – الإسرائيلي مستحيلاً".
وتابع قائلاً: "لو تبيّن أن إيران شجّعت حماس على قتل التقارب السعودي – الإسرائيلي فسيزيد التوتر بين إسرائيل وإيران وحزب الله، وكذا بين إيران والسعودية، وهذه لحظة خطيرة على عدة جبهات".
وأردف بالقول: "لكن بالعودة إلى نقطة ناحوم، لماذا تعتبر هذه الحرب كارثة بالنسبة لإسرائيل، أسوأ من هجوم يوم الغفران المفاجئ من مصر وسوريا، والذي حدث قبل 50 عاماً؟ بداية كما قال ناحوم هناك إذلال محض للجيش الإسرائيلي. في عام 1973 تعرضت إسرائيل لهجوم من قبل أكبر جيش عربي، مصر.. وهذه المرة، تم استهداف إسرائيل في 22 موقعاً خارج قطاع غزة، بما في ذلك مجتمعات تصل إلى 15 ميلاً داخل إسرائيل، ومع ذلك فإن هذه القوة الصغيرة لم تغزُ إسرائيل فحسب، بل تغلبت على قوات الحدود الإسرائيلية، فقد أعادت رهائن إسرائيليين إلى غزة عبر نفس الحدود التي أنفقت فيها إسرائيل ما يقرب من مليار دولار لإقامة جدار كان من المفترض أن يكون غير قابل للاختراق فعلياً، وهذه ضربة صادمة لقدرات الردع الإسرائيلية".
إسرائيل تفتخر بقدرة أجهزتها الاستخباراتية
أشار ناحوم كذلك إلى أن إسرائيل تفتخر دائماً بقدرة أجهزتها الاستخباراتية على اختراق حماس والمسلحين الفلسطينيين في الضفة الغربية والحصول على إنذارات مبكرة، مبيناً أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، كما يعلم أي شخص يتابع الأخبار الواردة من إسرائيل، كانت حماس تجري ما بدا كأنه مناورات تدريبية لهذا النوع من الهجوم على طول حدود غزة مباشرة أمام أعين الجيش الإسرائيلي. وأردف بالقول: "لكن يبدو أن المخابرات الإسرائيلية فسّرت هذه التحركات على أنها مجرد محاولة من حماس للعبث مع قادة الجيش الإسرائيلي، وإثارة قلق القادة قليلاً، وليست مقدمة لهجوم". (انتهى الاقتباس).
ورغم تمسك المخابرات المصرية، بروايتها أنها قد أبلغت نتنياهو عن حدث كبير تستعد له المقاومة، غير أن قادة المحتل لم تلتفت إلى ذلك التحذير، غير أن نتنياهو يكذب تلك الرواية ويدعو إلى الصبر وعدم الاستعجال؛ لأن الحقائق لا تتضح جملة واحدة.
وإذا كان الجميع يبحث عن الجهة التى تقف وراء تلك العملية، وأنها لا يمكن أن تنفرد بها المقاومة دون دعم لوجستي ومعلوماتي؛ فإن الأصابع تتجه نحو إيران باعتبارها المستفيد من تلك الأحداث، والتي تقلب طاولة التحالفات، فإن ذلك ليس مستبعداً، ولكن من ناحية أخرى نجد أن نهج المقاومة وحركتها وتاريخها لم يتأثر بذلك الدعم ولم ينحرف عن مساره الصحيح وأهدافه العليا بعيداً عن الدعم والمساندة، ومن ثم كانت رسالة سياسية لإيران أن المقاومة لا تعمل تحت تأثير الدعم وإن كان كبيراً.
وعلى صعيد آخر من رؤية الأحداث من زاوية أخرى، فإن ردات الفعل الهستيرية التي يتزعمها وزير الدفاع للمحتل بتصريحاته العنصرية واللاإنسانية أنه في حالة حرب الآن مع غير آدميين، وعليه وجب قطع المياه والكهرباء والغاز حتى الانتقام والثأر؛ فإن ذلك الخطاب الإعلامي الرديء سوف يؤدي إلى مزيد من الأخطاء العسكرية وتدهور الأوضاع وسحب المنطقة إلى حرب إقليميّة دولية!
مكونات مجلس الحرب الآن في الدولة المزعومة "إسرائيل" تميل إلى اليمين المتطرف الذي لا يمتلك القدرة والكفاءة والخبرة العسكرية التي تمكّنه من اتخاذ القرار الصحيح لتحقيق انتصار يغسل حجم العار والدمار؛ بل يسحب إلى ارتكاب مجازر إنسانية مهولة توحل المنطقة في صراع يمتد لسنوات.
وفي هذا السياق تندفع الولايات المتحدة الأمريكية برعونة وعنصرية ودفع السفن الحربية للمنطقة، ربما تسير تحت الضغط اللوبي الصهيوني في نفس مسار ارتكاب فظائع وجرائم حرب!
إن لم تتدخل دول إقليميّة لتفادي حرب طويلة المدى وكبح جماح العنصرية واللاإنسانية؛ سوف تسقط المنطقة في أتون حرب بدأت ولا نعرف متى وكيف تنتهي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.