فلسطين ليست أوكرانيا.. بين كرة القدم وازدواجية المعايير الغربية

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/10 الساعة 11:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/10 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
أعلام فلسطين في الملاعب الأوروبية - رويترز

لم يصمت أحد؛ هذه هي الرسالة التي يمكن التركيز عليها في الوقت الراهن، بعد أن قامت المقاومة الفلسطينية بعملية لم يكن يتوقعها أحد، لا إسرائيل وأجهزتها الأمنية التي طالما تباهت بها، ولا حتى راعيتها الولايات المتحدة الأمريكية القطب الأكبر في العالم. 

هذه العملية التي جننت إسرائيل ومن يُواليها؛ خلفت الكثير من الصياح والمهاترات ممن يُساقون دون إرادتهم نحو تأييد هذا المستعمر الذي لا يجوز لأي إنسان حر أن يتقرب بالانتماء إليه بأي شكل كان.

فإسرائيل هي الوجه الأقبح للحداثة الأوروبية، حيث الاستعمار على الطريقة الكلاسيكية. لذا لا تنظير على المقاومة المسلحة، فلن يتغير الواقع عبر إقناع العالم بقضية الفلسطينين الضعفاء ضد الأقوياء، حيث لا تغري القضية الفلسطينية الإعلامي والمثقف والمشهور الانتهازي.

على مدار سنوات، كانت إسرائيل تُحاول تجنيد القدر الأكبر من المشاهير للدفاع عنها وتجميل صورتها قدر المستطاع في وجه الجماهير التي تقف معصوبة الأعين، ومكممة الأفواه.

ووجدنا تيبو كورتوا، حارس ريال مدريد، إذ فجأة ينشر على حسابه الشخصي قصة يتحدث فيها عن حزنه الشديد لما يحدث في إسرائيل،  ليعلن تضامنه اللامحدود مع الاحتلال الإسرائيلي، بينما نجد محمد صلاح وغيره من لاعبين عرب في حالة تجاهل مرّ.

خجل في الوقوف مع فلسطين

صلاح لم يبتعد عن نشر تعاطفه مع القضايا الإنسانية، حتى حقوق الحيوان سبق أن نشر على السوشيال ميديا عنها، حتى إن تعاطفه وصل لنعي ملكة إمبراطورية الاستعمار، ولم يأخذ حينها الكثير من الوقت لكي يظهر برساله تنعي الملكة إليزابيث، فمثل هذه أمور وأحداث تخص العالم الأول لا تحتاج للكثير من التدقيق فيه؛ فكتبه ونشره لكي يُشارك أسرة الراحلة أسفه على رحيلها.

لم يفكر كثيراً حينها رغم أنه خطاب لا يتوافق، لا مع الشعب المصري الذي يعرف ما فعلته الملكة، ولا حتى مع جماهير مدينة ليفربول التي تعرف أكثر، عما فعلته الملكة.

ألم تكن هذه أموراً سياسية واجتماعية وقتها إذاً؟ أم أننا يجب أن ندعم ابننا دائماً دون طلب منه أي دعم لقضايانا!

بالطبع لا نتناسى التويتة الهشة بخصوص الاعتداء على غزة عام 2021، والتي أتت بعد ضغط شعبي، فحضر مع وكيل أعماله، وخرج للنور بعد الكثير من التدقيق بتدوينه شديدة الدبلوماسية الغربية، واستخدم عبارات ومصطلحات تتماشى مع ثِقل الحدث، تضعه في خانة يكون فيها غير مدافع كامل عن فلسطين.

قال الطبيب واللاعب البرازيلي سقراط ذات مرة في حديث مع هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية BBC‏: "لقد منحني الناس سلطة كلاعب كرة قدم مشهور. وإن لم يكن لدى الناس القدرة على قول ما يريدون، فإنه يمكنني الإفصاح عما يريدون نيابة عنهم. وإن لم أعبّر عن آراء الناس ما استمع أحد إلى آرائي".

وكأنه يدرك حالنا اليوم، حيث نعيش بلا حرية تقريباً، نكتب كلمات مزخرفة تناسب المعايير الغربية التي لا ترانا بشراً وإلا أغلقوا حساباتنا، وننشر تفاصيل مبهمة لكيلا يحجبونا من تداول مواقعهم.

لا نريد من صلاح أن يكون جيفارا العرب، كل ما نقوله ببساطه إن تحريك التاريخ ممكن بأبسط الوسائل، وإنَّ لاعب كرة قدم قد يملك من الأوراق ما لا يتوفّر لنُخَب السياسة والثقافة والاقتصاد.

كورتوا ولاعبون آخرون

بينما على الطرف الآخر، لن يكون غريباً إذا وجدت سيرجي روبيرتو على سبيل المثال، يُعلق تعليقاً سخيفاً على الأحداث الحالية في الأراضي الفلسطينية، ولن يكون غريباً أيضاً بالنسبة لك رؤية تيبو كورتوا يفعل الشيء نفسه.

هُم في الأصل غير مدركين لمآسي الحياة؛ كل ما يعرفونه عن القضية الفلسطينية هو أنهم تعرفوا على فتاة حسناء، بدا من طريقتها وأسلوبها أنها لبقة وحسنة المظهر، ثم يكتشفون فيما بعد أنها إسرائيلية، فتصبح روايتها هي الصادقة.

فإذا دخلت على حساب زوجة تيبو كورتوا أو سيريجو روبيرتو، ستجد أن الحسابين الخاصين بهما يتناولان فكرة تشويه صورة فلسطين، قائلتين إن حماس هي من تقتل كل من لا يُعجبها: يهودياً، فلسطينياً، أسود أو أبيض.

لذلك نستطيع أن ندرك كيف يرون أن الإسرائيليين والمستوطنين  مُستضعفون لا حيلة لهم فيما يحدث؛ وهذا هو خطاب الاحتلال المُدجج بشدة بأفكار تهدف لإظهاره يُدافع عن نفسه، وأنه هو ردة الفعل!

ردة الفعل، بحيث يكون هو الذي يرد على الأفعال التي تحدث، وبالتالي تبدو الأمور كما لو كانت مشاجرة في أحد الشوارع، يُدافع فيها طرف من الطرفين عن نفسه في مواجهة شخص يتهجم عليه.

فيصبحون مروجين لقصة مُلفقة ومُقتصة الأحداث، بعيدة عن قصة حق الأرض والدم، قصة منزوعة البداية، تروى من مشهدها الأخير المحرف فتتحول لقصة إنسانية على حساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي!

بالتالي لا نستغرب في خطاب تيبو كورتوا على سبيل المثال، استخدام مصطلحات تبدو مضحكة وشديدة السطحية أكثر من كونها مُنمقة، وهي كلمات يكتبها الأوروبيون ويبدون بها أكثر تحضراً، حتى في حديثهم مستخدمين صيغة في "نقف بجواركم وندعمكم"، وكأنهم يتحدثون عن جماعة من الناس انزلقوا أمام إحدى الحارات من دون قصد.

"ادرس جيداً، كن طبيباً، أو مهندساً، أو مدرساً. هذه هي الأشياء التي يحتاجها العالم. لا تعشق لاعب كرة القدم لأن بعضهم عبارة عن قمامة". 

المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو  

ازدواجية المعايير الغربية حتى في كرة القدم!

كما قال جوزية مورينيو أحد أشهر المدربين في العالم، عن أن اللاعبين محدودو الثقافة والمعرفة، يمكن أن نفهم  جهل وسطحية بعض اللاعبين عندما يتحدثون في الشأن العام أو القضايا الإنسانية، لكن ما لا يمكن غض الطرف عنه هو ازدواجية المؤسسات الرياضية الأوروبية بكرة القدم التي تسمح بإقحام السياسة والقضايا الاجتماعية وقتما تشاء وتمنعها وتعاقب عليها وقتما تشاء، وكأن الأخلاق حكر على الرجل الأبيض فقط.

إذ فُرض على نادي سيلتيك الإسكتلندي غرامات مالية ضخمة؛ بسبب رفع لافتة تحمل العلم الفلسطيني من قِبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. والغرامة كانت تنص على أن جماهير سيلتيك، استخدمت لافتة سياسية غير مشروعة في مباراة كرة قدم، وهو أمر يُقحم السياسة في ميدان ليس ميدانها!

لكن، حينما نشأت الحرب الروسية الأوكرانية، كتبوا بالخط العريض على شاشاتنا وأرغمونا على رؤية عبارات تتحدث عن الحرية لأوكرانيا، وفرضوا علينا تقبل هذه الفكرة، ودخلوا الملاعب بالشعارات السياسية بحجة أن هذا البلد الأوروبي تحت الحصار حالياً.

بينما عوقب أيضاً اللاعب السنغالي إدريسا جاييه؛ لأنه رفض ارتداء قميص عليه شعارات الشذوذ الجنسي منذ سنتين عندما كان لاعباً لنادي باريس سان جيرمان الفرنسي، وقُدم للتحقيق حينها بشأن ما فعله، وبحثوا خلف معتقداته وأثر ما يؤمن به من أفكار!

لكن إيران زاهافي لم يُعاقب في المقابل؛ وإيران هذا هو إسرائيلي ممن لعبوا في قارة أوروبا، وتحديداً في نادي أيندهوفن الهولندي، وكان يستخدم صور الدعم الفلسطيني من لاعبين مشهورين في السخرية من قضية العرب، بل ووضع علم إسرائيل نيابة على العلم الفلسطيني عليها!

لا نعتقد أنّ العالم ممكن أن ينصف الضعفاء، فحتى كرة القدم لم تعد لعبة نزيهة، فما زالت الليغا الإسبانية تضع هذا الشعار الأوكراني في مواقعها وعلى الشاشة الرسمية للدوري، مع عبارة: "أوقفوا الحرب" بينما تتجاهل كل ما له علاقة بفلسطين. وما زال كل من يتحدث بلهجة لا تُناسبهم تتم معاقبته على الفور؛ ومن ينضم إلى صفوفهم يتم الترويج له ودعمه وتصويره بصور أكبر من حجمه الضئيل.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر إبراهيم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
كاتب في المجال الرياضي وكرة القدم
تحميل المزيد