توازن الرعب.. الإنجاز الكبير في عملية طوفان الأقصى

تم النشر: 2023/10/10 الساعة 08:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/10 الساعة 08:13 بتوقيت غرينتش
لحظة أسر كتائب القسام لجنود إسرائيليين من داخل دبابة في معارك طوفان الأقصى في غلاف غزة/ (القسام، عبر تليغرام)

لقد شاءت الأقدار أن تتزامن العمليات العسكرية النوعية التي قادتها كتائب القسام في عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، يوم 7 أكتوبر 2023، مع ذكرى حدَثين تاريخيَين كبيرين هما: تحرير صلاح الدين الأيوبي للقدس في 2 أكتوبر سنة 1187 وحرب 6 أكتوبر سنة 1973 التي تجسد فيها التضامن العربي ووقوفه بالمال والسلاح مع المقاتلين في الجبهات المصرية والسورية. 

امتلاك زمام المبادرة

ولقد حققت المقاومة الفلسطينية حماس بهذه العمليات العسكرية المفاجئة التي تفوق الخيال فرقاً نوعياً، وأكدت قدرتَها على امتلاك زمام المبادرة والضرب في العمق الإسرائيلي، وتدمير تحصيناته وإلحاق الضرر به وبمنظومته الأمنية والعسكرية. وإذا تجاوزنا الحديث عن طبيعة هذه العمليات العسكرية النوعية التي قامت بها المقاومة الفلسطينية، في غزة، وإمطار الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتل أبيب أيضاً، بوابل من الصواريخ ومجموع غنائم المقاومة وإنجازاتها العسكرية المختلفة التي تناقلها الإعلام العالمي، فإن هناك ملاحظات وإنجازات أخرى ذات أهمية وبال ينبغي الإشارة إليها، وتدبرها وعدم تجاوزها في هذا المقام.

مكانة القدس ومحوريتها في الصراع العربي الإسرائيلي 

أولى هذه الملاحظات أن عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 هي امتداد لعملية سيف القدس في 10 مايو 2021. وكلتا العمليتَين تجيء دفاعاً عن القدس والمقدسات وتأكيداً لمكانة القدس ومحوريتها في الصراع العربي الإسرائيلي. القدس، إذن، هي فَتِيل الصراع في الماضي إبان الحروب الصليبية وهي سببُ اشتعال هذا الصراع المصيري اليوم أيضاً: القدس بمقدساتها وحُرُماتها، وتنوعها وألوانها. والقدس بسكانها وطوائفها، وبيوتاتها وممتلكاتها. القدس أرضاً وحضارةً وقبلةً وانتماءً هي سببُ هذه الحرب وهي مصدرها وهي الفتيل الذي أشعلها. وهذا الأمر الجديد أو هذا الوعي الجديد الذي تؤكده المقاومة الفلسطينية، بين الأمس واليوم، هو تحول نوعي في الصراع العربي الإسرائيلي، وهو إشارة قوية من المقاومة الفلسطينية، ورسالة واضحة إلى الكيان الصهيوني بأن القدس ليست خارج القضية الفلسطينية أو خارج النزاع، وهي ليست موضوع تفاوض أو مساومة أو ابتزاز. وإن هذا التحول النوعي في الصراع العربي الإسرائيلي الذي حققته المقاومة الفلسطينية وعجزت عن تحقيقه، من قبلُ، مفاوضاتُ السلطة الفلسطينية يُؤْذِن بتهافت وسقوط كل السياسات الإسرائيلية المتعاقبة، واندحار كل المؤامرات الدولية المتضامنة معها والتي حاولت جعل القدس موضوعاً محسوماً بالقوة والتواطؤ والإكراه. 

توازن الرعب وتغيير قواعد الاشتباك 

والملاحظة الثانية التي ينبغي تسجيلها خلاصتُها أن المقاومة الفلسطينية، في عملية طوفان الأقصى كما في عملية سيف القدس سابقاً، قد استطاعت تغيير قواعد الاشتباك كما استطاعت نقل كميات كبرى من الرعب إلى الجهة الأخرى وأثبتت قدرتها على امتلاك زمام المبادرة والتوغل في العمق الإسرائيلي، وتجاوز تحصيناته وإفشال منظومته الأمنية والعسكرية، وإيلام العدو الإسرائيلي وإلحاق الضرر به وإرباكه.

وإن المقاومة الفلسطينية حين غيرت قواعد الاشتباك ونقلت القتال إلى داخل إسرائيل، أيْ داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وحققت معادلة توازن الرعب في صراعها مع الكيان الإسرائيلي تكون قد صرحت بأمور ثلاثة: الأمر الأول هو إثبات قدرتها على النِزال والمواجهة، وإلحاق الضرر بالجيش الصهيوني، والتأكيد على وجودها وبقائها قوة أساسية لا يُستهان بها، وطرَفاً لا يمكن تجاوزه في حل القضية الفلسطينية ورَسْم مستقبلها.

الأمر الثاني الذي حققته معادلة توازن الرعب هو الإعلان أن إسرائيل لن تستطيع تحقيق أي نصر على المقاومة الفلسطينية، ولن تستطيع فرض إرادتها السياسية عليها كما هو الحال مع السلطة الفلسطينية. أما الأمر الثالث الذي حققته هذه المعادلة فهو إيذانُها ببداية تآكل وانحسار الدور الوظيفي للكيان الصهيوني في المنطقة العربية، وإعلانها أن حاضر هذه المنطقة ومستقبلها لن تقرره إسرائيل ولن يكون، بعد اليوم، في مُكْنتها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دلاوي نصر الدّين
أستاذ جزائري
أستاذ جزائري
تحميل المزيد