أين يقف حزب الله من عملية “طوفان الأقصى”؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/10 الساعة 08:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/10 الساعة 08:40 بتوقيت غرينتش
إيراني في طهران يحمل علم "حزب الله" يعلوه العلم الإيراني في الذكرى الـ41 للثورة الإيرانية - رويترز

من خارج السياق والتوقعات، استيقظ الإسرائيليون في المستوطنات المحاذية لغزة على مشهد سيطرة كتائب عز الدين القسام على شوارع ومراكز عسكرية وأبنية سكنية وغيرها، في مشهد لم تره الأعين الإسرائيلية في تاريخها.

بعد سويعات بدأت الأخبار تتلاقى بأن كتائب القسام قد أطبقت على مستوطنات غلاف غزة، التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، براً وبحراً وجواً، في مشهد اعتادوا على أن يكون معكوساً.

الصدمة شلّت الحركة الإسرائيلية بشكل شبه تام حتى استطاع الغزاويون المحاذون للشريط الفاصل مع الأراضي المحتلة من الدخول إليها والمشاركة في عمليات الهجوم والأسر حتى وصلت أعداد الأسرى والقتلى إلى أرقام كانت تعد خيالية في الأمس القريب.

حجم الضربة التي تلقتها إسرائيل من قبل الغزاويين لم تكن قابلة للاستيعاب من كافة الأطراف. بشكل سريع انتقل الحديث عن السيناريوهات المحتملة وعن خلفيات الحادثة وعن مواقف مختلف الأطراف وعن المدى الممكن للمعركة وعن تحركات باقي الجبهات.

من المسلّم به أن ما حققته حركة حماس في هذه الضربة لم يكن مسبوقاً في كل تاريخ الاحتلال، فعلى الرغم من مقارنة طوفان الأقصى بحرب الـ 1973 إلا أن التسلل حينها كان لجزيرة سيناء وليس الأراضي الفلسطينية كما أنه كان مكشوفاً استخباراتياً على عكس هذه الهجمة. فشل استخبارات الاحتلال الإسرائيلي اعتُبر خيالياً، خاصة أن إسرائيل تعتمد على الاحتياط بنسبة كبيرة كون الجيش النظامي محدوداً والاستراتيجية الدفاعية مرتبطة باستنفار الشعب المدرب بحسب الحاجة، وكل ذلك مرتبط بالمعلومات الاستخباراتية. هذا يفسر الانهيار التام الذي واجهته إسرائيل مع بداية "الطوفان" وذلك بسبب الفشل الاستخباراتي بالدرجة الأولى.

بالحديث عن السيناريوهات، فإن حجم الضربة الهائل يجعل إسرائيل مُجبرة على الرد العنيف الخارج عن المألوف لاسترداد اعتبارها وحضورها في المنطقة وهو أحد الأسباب التي جعلتها تتريث قليلاً في إعلان الحرب لدراسة الموقف بشكل أكبر نظراً لإدراكها بأن تداعيات أي قرار ستكون كبيرة وهو ما يفتح الباب للحديث عن باقي الأطراف. قبل ذلك نضيف بأنه وبالنسبة لإسرائيل، فإن أقل من اجتياح غزة براً سيكون خسارة لها، لكن ذلك دونه عقبات جمة. فبالإضافة إلى النزيف الداخلي المستمر لديها والذي لم تنهه أو تستفق منه بعد، فإنها في حال الاجتياح البري ستتعرض لمقاومة شديدة وعينها في الوقت نفسه على الشمال.

الولايات المتحدة التي تقدر الموقف الإسرائيلي وتدرك أن الرد يجب أن يكون قاسياً مشغولة أساساً في ملفات أخرى أهمها أوكرانيا في وقت يُعتبر اجتياح غزة قراراً قد يُقحم حزب الله بشكل مباشر في المعركة.

على الجانب الآخر، فإن أول من ينظر له من حلفاء القسام هو حزب الله وهو الذي يتحرك حتى اللحظة بحذر شديد. لم يخرج الحزب عن قواعد الاشتباك التقليدية فقد قام بقصف ثلاثة مواقع في شبعا وهي الأراضي المتنازع عليها وليست أراضي "إسرائيلية"، وبالتالي فإن قصف الحزب لا يعتبر إطلاقاً لمعركة في الجنوب، بل تعتبر هذه رسالة في اتجاهات متعددة. اتجاهها هو التأكيد بأن حزب الله غير منخرط في المعركة وملتزم بقواعد الاشتباك الاعتيادية، ولكنه في الوقت نفسه غير بعيد عن إمكانية التدخل. وعليه، فإن موقف حزب الله المترقب يمكن أن يتغير في حال توسعت المعركة، أي في حال قررت إسرائيل "سحق غزة" مهما كلف الأمر أو إن تطورت الأمور في لبنان من خارج السياق كذلك. ففي هكذا ظروف تعتبر كل الاحتمالات ممكنة حتى إن لم تتوفر لها الإرادة، فإمكانية انزلاق الحرب إلى لبنان- لسبب غير محسوب- أيضاً واردة.

تدخل حزب الله في المعركة يحولها تلقائياً لإقليمية؛ لكونه أحد أذرع إيران الرئيسية في المنطقة، ومن هذه النقطة تفتح الأمور على مصاريعها وينتهي السياق نفسه…

بالنسبة لإيران، فإن هذه العملية إن كانت بتنسيق عالٍ معها أو بتنسيق محدود -وهو المرجح- فإنها تعطيها قوة إقليمية أكبر بعد تلقيها ومحورها عدة صفعات متتالية كان آخرها الهزيمة الأرمنية من أذربيجان والضربة الجوية على الكلية الحربية في حمص وتكثيف الحضور الأمريكي في المنطقة ومشروعه الممر الاقتصادي من الهند إلى أوروبا وتقدم المفاوضات السعودية- الإسرائيلية وانتفاضة السويداء وغيرها من الأحداث التي حشرت إيران في الآونة الأخيرة لتأتي هذه المعركة وتنعش الحضور وتعيد التموضع الإيراني بشكل أفضل. موقف إيران إذن، لن يخرج عن موقف الحزب فهو موقف تحقيق أقصى المكاسب دون كسر القواعد الحاكمة أي الاستمرار في اللعبة ما لم يحدث طارئ.

هذا التحدي لإسرائيل يُعتبر الأكبر دون أن ننسى حجم الأسرى الكبير في غزة والذي سيجعلها تحسب أكثر في الحرب فهي وإن فعّلت بروتوكول "هانيبال"، سيبقى التردد موجوداً لديها. أخيراً، فإن تكوين إسرائيل العسكري والاجتماعي يجعلها غير قادرة على تحمّل حرب طويلة وغزيرة الخسائر؛ نظراً لحجم انعكاس ذلك على مجتمعها واقتصادها وهو أمر على الجانب الآخر مبهم لدى الطرف الفلسطيني الذي يكثر السؤال عن الذخيرة التي يمتلكها في غزة في ظل حصار مطبق من كل الجهات ولسنوات.

إذن، فإن مدى المعركة الذي تقرره إسرائيل هو الذي يحدد توجهها وحجمها، هذا بغض النظر عن إمكانية تحقيق اسرائيل لأهدافها من عدمه. بالمقابل، يرفع الجميع جهوزيته لحدها الأقصى باعتبار كل الاحتمالات واردة أمريكياً، إيرانياً، ولبنانياً.

أخيراً، وكمعظم الحروب تأتي من خارج السياق وتفتح الباب لتغيير السياق نفسه. كل شيء متوقع الآن والخيارات الصعبة متوقعة أكثر من أي وقت مضى وأكثر من الاحتمالات الأخرى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد فواز
كاتب وباحث سياسي
مهندس مدني، حاصل على ماجستير في العلاقات الدولية
تحميل المزيد