“طوفان الأقصى”.. هكذا انتفضت غزة بعد أن خذلها العالم

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/09 الساعة 09:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/09 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
فلسطينيون يحتفلون فوق دبابة إسرائيلية/ رويترز

كما أطلق عليها المهاجمون من رجال المقاومة المسلحة، وعلى لسان محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، "طوفان الأقصى"، فجر السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتي وصفها خبراء استراتيجيون على أنها أكبر هجوم تتعرض له إسرائيل منذ فترة طويلة، وأن الخسائر التي مني بها الإسرائيليون في المستوطنات الموجودة على حدود غزة غير مسبوقة. 

عملية "طوفان الأقصى" ارتكزت على عنصر المفاجأة فأفقدت الإسرائيليين توازنهم، إذ شهدت هجوماً برياً وبحرياً وجوياً تم من خلاله تسلل رجال المقاومة إلى عدة مستعمرات، وكشفت العملية عن أسلحة نوعية وابتكارات جديدة تستخدمها المقاومة لأول مرة، مثل المظلات والطائرات المسيرة. 

ولكن ما لفت انتباه المراقبين والمتابعين والمحللين، الأعداد الكبيرة من القتلى والأسرى والمفقودين من الجانب الإسرائيلي، والذين وصل عددهم حتى كتابة هذه السطور إلى 1000 قتيل على الأقل وأكثر من 2200 جريح. وهذه الحصيلة الأولية قابلة للزيادة، وكما قدّرتها مصادر إسرائيلية، وقدر الناطق باسم كتائب القسام الخسائر الإسرائيلية بأنها أضعاف ما أعلنته المصادر الإسرائيلية وقادة الاحتلال. 

المهانة التي لحقت بإسرائيل غير مسبوقة، إذ استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تكبد الاحتلال خسائر شديدة الوطأة، وهي خسائر كبيرة مقارنة بالتي مني بها الاحتلال الإسرائيلي خلال الحروب السابقة:

  • الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006، والتي كانت خسائرهم فيها 165 قتيلاً.
  • ويقترب من عدد قتلاهم في حرب يونيو 1967 في حربها ضد 3 جيوش عربية، والتي قدرت بين 700 إلى 800 قتيل و2600 مصاب. في الوقت الذي أودت بحياة أكثر من 21 ألفاً من الجيوش العربية ونحو 45 ألف جريح.
  • ولكن أكبر حصيلة من الخسائر والتي مُنِيت بها القوات الإسرائيلية، كان في حرب أكتوبر 1973، والتي سقط لهم فيها 2222 قتيلاً، و7500 جريح.

ما حدث اليوم من هجوم للفلسطينيين من قطاع غزة واقتحامهم الأراضي المحتلة، وانفجار الوضع العام في المنطقة بهذه الصورة، وسقوط الكثير من الضحايا في فلسطين، أمر ليس مفاجئاً.

إذ يأتي نتيجة تجاهل العالم المستمر لحقوق الشعب الفلسطيني، وعدم وجود نية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي كلف المنطقة الكثير من الدماء، واستنفد الكثير من موارد وثروات المنطقة. بجانب ذلك، تمادى الاحتلال الإسرائيلي في إهانة الشعب الفلسطيني خصوصاً وشعوب المنطقة بشكل عام، ما أدى لهذه النتيجة وما يصاحبها من تأييد ونشوة شعبية.

الأسباب الداخلية وتوجهات الاحتلال الإسرائيلي واستخدامه للقوة المفرطة وانتهاكاته ضد العرب الفلسطينيين 

  • غرور الإسرائيليين وتعنتهم واستفزازهم المتكرر للمسلمين، وانتهاكاتهم المتكررة للأماكن المقدسة الإسلامية، وخصوصاً محاولاتهم اقتحام المسجد الأقصى في القدس، والذي هو أولى القبلتين وثاني المسجدين بعد الكعبة وثالث الحرمين الشريفين، والاعتداء المتكرر على المصلين وبطريقة مهينة تعبر عن عدم احترامهم لمشاعر المسلمين وشعائرهم الدينية؛ يعد من أهم أسباب تأجيج الغضب.
  • الاعتداءات المستمرة المتكررة من المستوطنين الإسرائيليين المدججين بالسلاح على الفلسطينيين المسالمين، في قراهم ومزارعهم، وإنزال الرعب في قلوبهم.
  • هدم منازل الفلسطينيين وتهجير وطرد آخرين من ديارهم ليستولوا عليها وعلى أراضيهم ومزارعهم، ويتوسعون بذلك في سياستهم الاستيطانية المستمرة وعلى حساب شعب بأكمله، والاستمرار في اغتصاب أرضه.
  • حصار الفلسطينيين وخصوصاً أهل غزة المستمر، ومنعهم من ممارسة حياتهم الطبيعية وإذلالهم والتحكم في المساعدات التي تصل إليهم.
  • الاستمرار في احتلال الأراضي والتوسع الاستيطاني المستمر.
  • الهجمات المسلحة المستمرة على الفلسطينيين، وقتل وجرح واغتيال وأسر الكثير منهم، لدفعهم لترك ديارهم والهجرة للخارج، فهناك الملايين منهم يعيشون الآن في الشتات، لا وطن لهم ولا مستقبل.
  • وصول حكومة متطرفة للحكم في إسرائيل، تعلن بين الحين والآخر نواياها في رفض إقامة دولة فلسطينية، موضحين أنهم سيستخدمون كل ما يمتلكونه من قوة للقضاء على أي نية أو فكر يصب في هذا الاتجاه، حيث عرض رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية نتنياهو خريطته الجديدة التي رفعها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتحمل اسم دولة إسرائيل على جميع الأراضي الفلسطينية، وخالية من اسم فلسطين كدولة، بغرض فرض ذلك على العالم لتبني هذا الوضع الجديد الذي رسمه في مخيلته العنصرية. وقيامه برسم طريق تجاري يربط آسيا بأوروبا ماراً بالسعودية والأراضي الفلسطينية المحتلة، كبديل لقناة السويس. وكأنه زعيم المنطقة يشكّلها كما يشاء وحسب ما يشاء، ما يمثل إهانة واضحة لشعوب وحكام المنطقة.
  • التعنت التام من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من الجلوس للتفاوض الجاد لحل المشكلة، ورفض قاطع للمطالبات الإقليمية والدولية لأية مقترحات وحلول.

الأسباب الخارجية والدعم الدولي المفتوح وغير المحدود للاحتلال الإسرائيلي

بالإضافة لذلك، هناك أسباب خارجية دولية مهمة يجب علينا ألا نتغافل عنها، حيث كان لها تأثير كبير فيما وصلنا له، ويمكن اختصارها في نقطتين:

  • التأييد المطلق للكيان الصهيوني.
  • تدليل الاحتلال الإسرائيلي وتسليحه بأحدث الأسلحة، ما جعله متمرداً على القانون الدولي رافضاً تنفيذ القرارات الدولية، حتى التي تم إصدارها من مجلس الأمن والتي يطول سردها في هذا المقال، غير عابئ بالمجتمع الدولي وقراراته بحق عودة الفلسطينيين لأرضهم وتوقف العنف والقتل الممنهج من سلطات وقوات الاحتلال.

لم تنفّذ إسرائيل أياً من قرارات الأمم المتحدة، حتى المعاهدات لم تصنها، ما جعلها دولة مارقة مدللة تشكل خطراً، ليس على الفلسطينيين فقط بل على العالم أجمع؛ إذ تصدر نموذجاً لدولة فوق القانون، تقتل وتهجر وتحتل وتقيم مستوطنات على أراضٍ محتلة كما تشاء ومتى تشاء، دون أدنى اعتبار للمجتمع الدولي وللقرارات الدولية ولمبادئ حقوق الإنسان، مستمرة بذلك في استفزاز الشعب الفلسطيني والاستيلاء على أراضيه، ومعه استفزاز لشعوب المنطقة ولكل الشعوب الحرة، مستغلة في ذلك صمت المجتمع الدولي.

قصف الاحتلال على قطاع غزة - الأناضول
قصف الاحتلال على قطاع غزة – الأناضول

دعونا نعرّج قليلاً إلى الأحداث الخطيرة والأزمات المتوالية التي يواجهها العالم حتى نتمكن من جمع صورة واضحة، ونلم بما يحدث على الساحة السياسية الدولية، لنبرز بعضاً من ازدواجية المجتمع الدولي وتدليله للاحتلال الإسرائيلي.  

الأزمة الأوكرانية مثالاً

حيث انتفضت الحكومات الغربية معبرةً عن رفضها الشديد لاقتحام روسيا للدولة الأوكرانية واحتلال أجزاء من أراضيها، معلنة التدخل فوراً لمساعدة الحكومة الأوكرانية بأموال طائلة وبالأسلحة الثقيلة، وذلك من أموال المواطنين دافعي الضرائب، وأدخلت البلاد في الأزمات، منها أزمة طاقة وارتفاع أسعار، كلفت أوروبا والمواطن الأوربي الكثير وهزت اقتصاد العالم من أجلها.

نعم، نتفهم نحن ذلك؛ نتفهم لأننا متسقون مع أنفسنا، وندرك أنه لا يجب من الناحية الأخلاقية والإنسانية والأعراف الدولية، إقدام أية دولة بالاعتداء على دولة أخرى واحتلال أراضيها وتدمير بلادها وتهجير شعبها. وعلى المجتمع الدولي أن يمنع ذلك ويتصدى لهذا التوجه الاستعماري، من أجل ضمان حق الشعوب أن تعيش حرة وفي أمان في بلادها.

لكن، أين الأخلاقيات والإنسانية والأعراف الدولية هذه من الفلسطينيين الذين هجروا من منازلهم وأجبروا على ترك بلادهم بقوة السلاح، مع استمرار القتل الممنهج  لهم واستخدام أحدث الأسلحة ضدهم؟ ناهيك عن احتلال العراق وسوريا، وتدمير مجتمعيهما وقتل الآلاف منهما وتهجير الملايين في الشتات إلى الخارج.

فلمَ نكيل بمكيالين؟ لمَ يكيل العالم بمعيارين!  لمَ هذا النفاق الدولي الفج الواضح! لمَ العنصرية في التعامل مع الأزمات وفي التصنيف! أليست هذه الشعوب أيضاً بشراً حتى وإن تباينت أعراقهم وقوميتهم ولون جلدهم!

الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ، والأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يحضرون اجتماعاً لمجلس الناتو وأوكرانيا ، خلال قمة قادة الناتو في فيلنيوس ،بليتوانيا في 12 يوليو /تموز 2023-رويترز
خلال قمة قادة الناتو في فيلنيوس ،بليتوانيا في 12 يوليو /تموز 2023-رويتر

أليس من حق الفلسطينيين أن تكون لهم دولة مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة، وأن يعيشوا في أمن وسلام كبقية دول العالم كما ننشده للأوكرانيين؟

الغريب هنا والمضحك حد البكاء أن يخرج علينا رئيس أوكرانيا الذي استنجد بالغرب لمساعدته في تحرير أرضه من الاحتلال الروسي، حسب تعبيره، بتصريحات قوية، مطالباً بمساندة إسرائيل التي تحتل الأراضي الفلسطينية؛ إذ دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي زعماء العالم يوم السبت إلى إظهار التضامن والوحدة في دعم إسرائيل وإدانة "الهجوم الإرهابي" الذي نفذته حركة حماس الفلسطينية.

حقيقة لم يعد المرء يستوعب ما يحدث في العالم من أحداث سريعة وتحولات فكرية وعقلية شديدة الاختلاف والتباين، وتناقضات كبيرة في وضع المعايير وتقييم الأحداث. يجعلنا نتشكك في معايير هذا النظام الدولي الأخلاقية وفي مبادئ حقوق الإنسان الدولية، والتي من الواضح أن الغرب وضعها حسب معاييره وما يخدم مصالحه ومصالح حلفائه فقط، والتي تتجمّد وتتوقف عندما يتعلق الأمر بالشعوب العربية والإسلامية وحقوقهم وحريتهم واستعادة إرادتهم.

إن التصريحات التي أطلقت على لسان قادة ومسؤولين غربيين صادمة ولا تخدم أحداً، وخصوصاً التي صدرت مؤخراً من سياسيين غربيين كبار في ظل انفجار الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي أوضحت الكم من العصبية والانفعال البعيدة كل البعد عن الدبلوماسية الدولية المتعارف عليها في إدارة الأزمات، بل إنها تعطي إشارة بالتأييد المطلق دون تحفظ لإسرائيل، وتزيد في إشعال النيران وتبتعد كثيراً عن هدف احتواء الأزمة القائمة على حدود غزة، ولا يمكن أن تحقق أي نوع من السلام في المنطقة، بل قد تزيد الأزمة تفاقماً إذا أقدم الاحتلال الإسرائيلي على استخدام القوة المفرطة ضد أهالي غزة وبتأييد مفتوح من الغرب.

قصف عنيف على قطاع غزة/ الأناضول
قصف عنيف على قطاع غزة/ الأناضول

إن هذه التصريحات التي تحمل التأييد المطلق لإسرائيل، تضر بالجميع وليس الفلسطينيين فحسب، وتزيد الأزمة تفاقماً؛ ما قد يهدد السلام والمصالح المشتركة للجميع، وعلى الصعيد الدولي وليس الإقليمي فحسب.

حقيقة أرى ومن وجهة نظري الشخصية، أن هذا التشنج الدولي والتصريحات المتوترة والتي تحمل طابع التأييد المطلق لإسرائيل، أراها من باب حماية كيان ووجود الاحتلال الإسرائيلي، والذي تم زرعه في المنطقة لخدمة الرأسمالية العالمية وبزنس تجارة السلاح التي يحركون جيوشهم من أجلها، وليس من باب حماية الإنسان وإحلال السلام كما يزعمون.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

يسري عبدالعزيز
كاتب مقيم في ألمانيا
كاتب ومهندس مصري مقيم في ألمانيا
تحميل المزيد