أثناء تناولي طعام الغداء مع أسرتي؛ كنا نشاهد فيلماً وثائقياً عن حرب 6 أكتوبر منتشين بذكرى النصر العظيم، إذ كان يصف الفيلم كيف قام أبطالنا من الضفادع البشرية المصرية؛ بسد أنابيب النابالم في عملية رائعة، بما تضمنته من براعة استخباراتية تجلت في حصول الاستخبارات على خرائط هذه الأنابيب وأماكن الفتحات، وكفاءة الضفادع البشرية التي ظهرت في تنفيذ مثل هذه العملية البطولية الدقيقة.
اجتاحني حينها شعور مليء بالفخر، لكنه ممزوج ببعض اليأس، وقلت لنفسي: كيف لنا أن نكرر مثل هذه الإنجازات العسكرية؟ أمام هذه القوة التكنولوجيا الفتاكة الذي أصبح جيش الاحتلال الإسرائيلي مدججاً بها، وغلبني اليأس وقلت: لو حدث هذا الآن لكانت الحساسات أو الرادارات أو أياً كانت المنظومة التكنولوجية العسكرية التي ستقضي على الضفادع البشرية، هذا ما جال بخاطري.
لا تلومني صديقي القارئ، فكلنا تعتريه مثل هذه اللحظات السخيفة التي تتلون فيها نفسه باللون الباهت الذي يسود بلاده، فانظر إلى قطار التطبيع وعنجهية وغرور المستعمر الذي ينخر في مقدرات أمتنا ونحن لا نملك زمام أمورنا، ستتفهم شعوري.
كان هذا شعوري يوم الـ6 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي يوم السابع من أكتوبر جاءني الرد المباشر كما وصل لكل أبناء هذه الأمة أن لا نخاف فإن الله معنا، فسرعان ما تبدد يأسي، ووجدت إجابة سؤالي الذي لم يعدُ أن يكون حديث نفسي التي تعبت فصرخت هاتفه: إنا لمدركون، فكان رد المقاومة القوي المطمئن الذي جاء وكأنه يربت على كتفي بحنو ويقول وهو يضرب أعداءنا بـ"كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ".
لم أصدق عيوني؛ فما زلت غير قادر على استيعاب لما حدث ويحدث حتى وقت كتابة هذه السطور -فجر الـ9 من أكتوبر /تشرين الأول- لم أصدق عيوني وأنا أشاهد هجمات مقاتلي القسام على عدونا الأبدي، فانتابني شعور بالفرح والحزن.
فرحت عندما تذكرت أفكاري السابقة حول انتصار حرب أكتوبر وتفكيري في مدى صعوبة إنجازه مجدداً، فكم كانت لحظات يائسة، ولكنها سرعان ما تلاشت وتحولت للشعور مليء بالأمل عندما شاهدت الرد السريع الذي اعتبرته رسالة من حماس وتشجيعاً حقيقياً لكل حر في الأمة. هذه الرسالة قالت بأحرف من نار ودماء: إن الخير فينا إلى يوم الدين، وهي رسالة تذكرنا بأهمية أن نكون جزءاً من هذه الفئة الخيرة التي تحمل الشعلة المقدسة من جيل إلى جيل.
فالقدرة الكامنة فينا، يجب علينا أن نسعى لاستنفارها من أعماقنا. يجب أن نقوم بتطهير قلوبنا لنصدق في هذه القدرة، ونحولها إلى أفكار وأفعال تخدم مجتمعنا وأمتنا.
وحزنت لأني حرمت من مشاركة هؤلاء المقاتلين النبلاء من كتائب الشهيد عز الدين القسام، إنهم يقاتلون نيابة عن الأمة جمعاء، لقد استخدمهم الله لكسر الاحتلال الإسرائيلي كسرة لا تقارن إلا بيوم نصر السادس من أكتوبر عام 1973.
هذه المقارنة عظيمة ولا مبالغة فيها، فنحن هنا نقارن مصر وجيشها الأقوى عربياً بالإضافة إلي جيش سوريا والقوات الأردنية والعراقية والمغربية التي ساندت في حرب أكتوبر، مع حركة مقاومة محاصرة من جميع الاتجاهات، محاصرة من العدو الواضح، ومن العدو الذي يرتدي أحياناً ثوب الصديق، داخل مساحة جغرافية صغيرة جداً مكتظة بالسكان، تعاني من ويلات الحصار وقلة الإمدادات.
ما يحزنني فقط كوني أجلس مشاهداً الأحداث، بينما أريد أن أشارك في شرف تحرير أراضي أمتنا من الاستعمار، لكن على كل حال أجلس أمام التلفزيون متابعاً كل لحظة وأنا أكاد أطير من الفرحة، ولساني وقلبي لا يكاد يفتران عن الدعاء لإخواني الذين يقاتلون لوقت كتابة هذه السطور؛ من داخل وخارج الحصون التي اقتحموها جواً وبراً وبحراً، محاولين ما سلب منا، هؤلاء الأبطال الذين خرجوا ليطيروا إلينا ببشريات النصر أو يطيروا بأجنحتهم في جنبات الجنة.. بارك الله في كل مقاوم للظلم ثابت على الحق أينما كان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.