ليس كمثله يوم، "طوفان الأقصى" هي أعظم معركة في تاريخ فلسطين الحديث منذ بداية الاحتلال الصهيوني قبل ما يزيد على 75 عاماً، وفيها سطرت المقاومة الفلسطينية تاريخاً جديداً، فما قبل الـ7 من أكتوبر/تشرين الأول من عام 2023 ليس كما بعده، فقد بدأت فعلاً بداية معركة تحرير "لقدسنا وشعبنا، وتحرير أسرانا من سجون الاحتلال".
حملت الأجيال الفلسطينية المتعاقبة حلم تحرير فلسطين، وأسقطت الفكرة التي تحدثت بها غولدا مائير: "يموت الكبار وينسى الصغار"، ولكن ما حدث هو أن الصغار كانوا أشد بأساً في مشوارهم لتحرير التراب الوطني الفلسطيني بالكامل. وبينما فوجئت إسرائيل صباح أمس بما قامت به المقاومة، اجتاحتنا الفرحة إيماناً بمصداقية المقاومة والحق في قضيتنا.
ستسفر عملية "طوفان الأقصى" عن مكاسب كبيرة جداً ستكشف الأيام عن حجمها الهائل، ومنها المكاسب العسكرية حيث نجحت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في فرض نجاحها الاستراتيجي والعسكري بنجاح مخططها تماماً، وسط عجز كامل لجهاز الاستخبارات التابع لقوات الاحتلال الإسرائيلي وكذلك الأمريكي في توقع أي عملية بهذا الوقت، وصور جنود وهُم أسرى بملابسهم الداخلية بين يدي مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام أحد الشواهد على النصر الاستراتيجي بحسن التخطيط وعجز استخبارات الاحتلال.
لن يكون من المفاجئ حجم رد فعل قوات الاحتلال، فهم قد فعلوا كل ما يمكنهم فعله سابقاً من تنكيل وقتل في معظم المدن الفلسطينية، بل عنصر المفاجأة هذه المرة سيكون من جانب المقاومة، فعندما يتحدث "أبو عبيدة" سيستوجب على الإسرائيليين جميعاً أن يثقوا بكلامه كما نثق نحن العرب، حيث أثبتت الأحداث أن كلامه سيتحول إلى فعل.
سياسياً، لا شك في أن القيادات السياسية للاحتلال الإسرائيلي وعلى رأسها نتنياهو، سيدفع ثمن فشله قريباً، فنهاية حقبته من عالم السياسة لن تكون بعيدة، حيث فقدت إسرائيل ما لم تفقده في أي من الحروب السابقة ضد الجيوش العربية من حيث العدد والعتاد، ليس السياسيين فحسب، بل إن كبار الضباط ممن يتقاضون رواتب ضخمة لحماية المستوطنين سيدفعون ثمن فشلهم كذلك، فما حدث سيحظى بلا أدنى شك بمراجعة ودراسة في الغرف الإسرائيلية المغلقة، وسيكون استمرار هذه القيادات مؤشراً على قرب نهاية الاحتلال الإسرائيلي.
أيضاً في الجوانب السياسية، فإن جهود التطبيع المجاني ستجد بمرور الوقت أن رهانها على قيادة نتنياهو كانت مقامرة خاسرة، حيث فشلت قواته العسكرية والاستخباراتية في توفير الحماية لمستوطنيه، فهل يمكن الرهان على هؤلاء الفشلة لحماية أنفسهم؟! في المقابل أثبت الرهان على المقاومة الفلسطينية نجاعته، ومن الطبيعي أن تكون هنالك تحولات سياسية تواكب التحولات العسكرية.
ومن الجوانب السياسية التي يجب التعامل معها جيداً، ضرورة توحيد الصف الفلسطيني، إذ يجب التركيز على توحيد فكرة أن عدونا هو الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإن الجهود العسكرية والإعلامية وغيرها من الجهود يجب أن تركز الآن على هذه الفكرة وتنحية أي أفكار جانبية سيعمل الاحتلال على زرعها من خلال وسائل الإعلام لإعادة الشرخ بيننا لكسر الانتصار.
أما أكبر المكاسب التي نراها في هذا اليوم التاريخي، فهي أن الجيل الحالي من أشبال فلسطين خصوصاً والأمة العربية عموماً سيكون قد نشأ وهو على قناعة تامة بأنه قادر على فعل أكثر مما أنجزه شباب "القسام"، فهؤلاء الأشبال قد كانت نشأتهم وهم يتابعون على أجهزتهم الحديثة العديد من الفيديوهات التي لن يجدوها في المدارس والجامعات العربية، وبالتالي فهم قد تلقوا دروساً حقيقية عن دورهم في تحرير فلسطين ومعها ستكون كل الجهود التي بذلتها وسائل الإعلام والتكنولوجيا في إبعادهم عن قضيتهم المركزية ودينهم قد فشلت كنتيجة تلقائية لما حدث اليوم.
في يوم ما، أحاط أطفال غزة بالأب الروحي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" الشهيد أحمد ياسين، وبعد قرابة 20 عاماً على اغتياله فعل أولئك الأشبال ما لم يسبق إليه أحد، وأشبال اليوم من فلسطين والبلاد العربية عموماً سيمتلكون بلا أدنى شك، أضعاف الثقة والقوة الكافية لتحرير فلسطين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.