في كأس العالم عام 2006 بألمانيا، سجل قائد المنتخب الغاني جون بانسل، هدفاً في البطولة، ثم ركض إلى الزاوية محتفلاً، لكن مشكلة الاحتفال أنه لم يكن مجرد احتفال عابر؛ وإنما كان بانسل يحمل في يده علم إسرائيل.
لهذه القصة جانبان: جانب شخصي خاص به، وجانب عام يخص كل من ينتمي إلى قارة أفريقيا.
الجانب الشخصي لبانسل، أنه لعب في إسرائيل بناديين، ولم تكن لديه أية مشكلة بخصوص أن يرفع علم إسرائيل تعبيراً عن رد الجميل للحب الكبير الذي رآه هناك، وفي الوقت نفسه قال إن الإسرائيليين أحبوه وقدموا له يد العون في الفترات الماضية.
فيما بعد اعتذر جون بانسل بسبب ردود الفعل العربية الغاضبة، من مظهر كان مرفوضاً في حقبة مضت، لكنه اليوم بات مستساغاً، بل حتى منتخب إسرائيل نفسه يدخل قارة أوروبا ويخرج منها دون أية وصمة على جبينه!
الجانب العام؛ لأن إسرائيل تعتمد بشكل حقيقي على تجنيس عناصر من أصول أفريقية، وذلك عن طريق وضعهم في مخيمات ومعسكرات تُوفر لهم فيها كل ما فقدوه في بلدانهم الأصلية؛ بالتالي يكبرون على الدفاع عن هذا الكيان، الذي بكل تأكيد صدّر لهم فكرة أنه يُدافع عن نفسه بحمل السلاح، وأنه رد الفعل، لا الفعل نفسه.
وعلى رأس هذه الدول جنوب أفريقيا، التي تعتبر أن العلاقات الإسرائيلية تمتد حتى لتناقل وتوافد النجوم إلى الدوريَين، في سبيل تطوير الدوري الإسرائيلي واكتسابه مهارات أفريقية فريدة مثل اللاعبين البارعين بالدولة المُحررة في وقت قريب من الاحتلال بصيغة أوروبية!
كيف تدمج إسرائيل الرياضة بالسياسة؟
يقولون: السياسة تفسد، والرياضة تصلح ما تفسده السياسة، لذلك تعمل دولة الاحتلال الإسرائيلي على طرح نفسها والتوغل في جسد أي مجتمع، عن طريق الإسرائيليين الذين لا تبدو عليهم أمارات كونهم من إسرائيل؛ لا يرتدون الثوب اليهودي الرسمي، ولا يتحدثون العبرية إلا فيما بينهم، لكنهم مواطنون رسميون مُعترف بهم في إسرائيل.
ففي عام 2023، حين أصبحت بطولة كأس العالم للشباب تحت 20 سنة في إندونيسيا، هي الحدث الذي أبى أن يتسخ بوجود المنتخب الإسرائيلي في جنباته، كانت هذه البطولة بطلب إندونيسي تُحاول حجب إسرائيل ومشاركتها في البطولة بشكل تام وكامل.
لكن المشكلة أن الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يرضخ، وطلب من إندونيسيا عدم إقحام السياسة؛ فكان المقابل أن سحب تنظيم كأس العالم للشباب من إندونيسيا لتقام في الأرجنتين، وتدخل إسرائيل البطولة حتى تصل إلى العتبة الأخيرة منها قبل أن تُطيح بها إحدى الدول الكبرى في كرة القدم، دولة ذات قضية تاريخية مع المشروع الاستعماري الصهيوني وفكره؛ الأوروغواي.
وصلت إسرائيل إلى نصف نهائي البطولة، بقوام إسرائيلي هو الأول من نوعه على مر تاريخ البلاد النحيف، الذي لا يتمتع بالصبغة الإسرائيلية؛ فإسرائيل تُدرك أن المواهب التي لديها لن تُسعفها لمناطحة أحد.
هُم عرب مجنسون، رفقة مجموعة من الأفارقة، مع مزيج من حِفنة من مستوطنيهم الذين تعتبرهم إسرائيل قوامها الرئيسي في الجانب الحياتي التقليدي، كان منتخب إسرائيل يضم أكثر من لاعب في صفوفه من لاعبين مروا على الجيش الإسرائيلي وتدربوا في معسكراته، حالهم حال أي مواطن إسرئيلي يخدم سلطة الاحتلال، سواء كان رجلاً أو امرأة.
لكن كل هذه القضايا قد تكون عبثية؛ لكون العرب الذين ينضمون إلى إسرائيل، وبصورة رسمية، يظنون أنهم سيستطيعون أن يُمسكوا الحبل من الطرفين، فيكونون عرباً وفي الوقت نفسه تابعين لدولة الاحتلال إسرائيلي.
تم تجنيس مأمون قاشوع للمنتخب الإسرائيلي في عام 2017، وكتب مُعلقاً وشاكراً ربه على هذا الحدث بآية قرآنية يستعد بها للدفاع عن ألوان العلم الإسرائيلي، وفي الوقت نفسه كان من بين عناصر المنتخب الذي ودع نصف نهائي كأس العالم عام 2023 في إندونيسيا، لاعب فلسطيني الأصل اسمه حمزة الشبلي، وفي الجهة المقابلة كان المُنتخب الإسرائيلي مدججاً بالنجوم العرب كذلك.
بقميص نادي توتنهام الإنجليزي، يوجد مانور سولمون، لاعب يُمثل المنتخب الإسرائيلي الأول، لكنك إذا أبحرت قليلاً في الحسابات الشخصية لهؤلاء النجوم؛ فستعرف أنهم لا يختلفون أبداً عن أي مواطن يهودي له من الخدمات ما يحصل عليه، وعليه من الخدمة العسكرية ما يجب تأديته.
سولمون، يُعد من النجوم التي اقتحمت باب الوصول إلى قارة أوروبا، بلا حرج، بعد مجموعة من الرموز الإسرائيلية التي كانت تظهر وتختفي على استحياء، وعلى فترات متباعدة، أمثال: يوسي بن عيون في ليفربول الإنجليزي، وتال بن هايم في تشيلسي الإنجليزي، وبطبيعة الحال إيران زهافي.
بطبيعة الحال إيران زهافي هو أكثر اليهود تطرفاً في مجال كرة القدم؛ لاعب بصبغة إسرائيلية، في الملامح والسلوك، لاعب يتصدر المشهد السياسي دون أن يُعاقَب. إذ كان يسخر من فلسطين باستمرار، يستخدم حساباته كشخصية يهودية معروفة؛ من أجل ترسيخ فكرة أن إسرائيل تُدافع عن نفسها، علاوة على أنه يُحاول إضافة جانب سياسي غريب لكل شيء.
رغم أن إٍسرائيل تستغل كرة القدم من أجل شرعنة وجودها، عن طريق تكوين منتخب من اليهود الذين تعتبرهم إسرائيل أصحاب الدار، والعرب المُجنسين الذين باعوا ورضوا بأن يكونوا مذبذبين، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، إضافة إلى الأفارقة الذين يعامَلون معاملة المرتزقة، لن تنجح، فكُرة القدم ورغم ما تتعرض له من تسليع وسلخها من كونها رياضة، ما زالت تحتفظ بجانب إنساني لا يمكن تجاهله، فعلى سبيل المثال، وأمس وتزامناً مع عملية "طوفان الأقصى" للمقاومة الفلسطينية، سجلت جماهير نادي سيلتيك الإسكتلندي في أوروبا موقفاً مناصراً للعملية التي شنّتها المقاومة الفلسطينية واستهدفت بها مواقع ومطارات وتحصينات عسكرية إسرائيلية.
إذاً، مقابل مساعي إسرائيل للتطبيع والتوغل في كل المجالات، ما زال هناك من يتذكر الضحايا الذين دُهسوا وقُتلوا بأقدام هذا الكيان الدامي والمتوحش.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.