على صفحاتهم الشخصية بوسائل التواصل الاجتماعي، كتب كثير من إخواننا الفلسطينيين، خاصة من يعيشون تحت الحصار في غزة، رسائل لإخوانهم العرب، يذكّرونهم بأنَّ دعمهم واجب، وأن الموت حق، وأن الخوف موت يمنعهم من الاستمتاع بالحياة، وأنهم لا يريدون دعماً بالمال أو السلاح أو النفس وأن كل ما يطلبونه هو الدعاء لهم بالسداد. فلماذا تأتي رسائل هؤلاء الإخوة الفلسطينيين هكذا؟
منذ أن تفجرت أمس، العمليات العسكرية واسعة النطاق التي شنتها المقاومة الفلسطينية على أراضيها المحتلة، غرقت كل وسائل التواصل الاجتماعي والمناقشات في المحيطين العربي والإسلامي في إظهار الفرح بأن الشعب الفلسطيني قد حقق المعادلة الصعبة في خلق "توازن الرعب" بإمكانات هزيلة وميزانيات أشبه بميزانيات البيوت لا ميزانيات الجيوش. لكن، مع هذا الفرح العارم، بادر البعض بترديد مقولات عن قوة رد الفعل لجيش الاحتلال وما يصاحبه من ردود فعل غربية قوية قد تؤدي إلى شن هجمات كبيرة على الشعب الفلسطيني، خاصة في غزة ومحيطها. وإزاء هذه المقولات، تأتي رسائل الإخوة الفلسطينيين المشار إليها أعلاه.
أقرأ رسائل إخوتي الفلسطينيين هكذا:
– الحق لا يُطلب بل يُنتزع: لقد بلغ بالفلسطينيين الأسى والتعب والحزن والحبس ما لا يمكن لبشر تحمُّله، ولا سبيل للسلام مع عدو غاشم يتحصن وراء أسلحة غربية متطورة يحصل عليها مجاناً من أكبر الجيوش وكبريات الشركات المصنعة للسلاح، ولا سبيل للحصول على الحرية إلا بسباق في التسلح وعدم الانتظار للدفاع، بل أخذ زمام المبادرة للانتقام من كل الانتهاكات التي بدأت منذ عام 1948، خاصةً احتلال البيوت وانتهاك حرمة المسجد الأقصى وحرمان الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية من أبسط حقوقهم على مدار الشهور القليلة الماضية.
– الموت حق، وما أحلى الشهادة في سبيل الله: يموت الفلسطينيون كل يوم من جراء القمع الإسرائيلي واحتلال البيوت بالقوة وقصف غزة في هجمات لا تتوقف على مدار العام، أي إن الموت يسير مع الناس في الشوارع كل يوم فما الجديد؟ ولأن الموت زائر دائم في كل بيت فلسطيني، فلم الخوف منه في حرب أو غير حرب؟ بل لعله من الأفضل أن يكون الموت شهادة في سبيل الله وتحرير الوطن.
– الحياة "حلوة" لكن كيف ينعم بها الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي الغاشم؟ إن من يحرص على الحياة يستطيع أن ينعم بها هو وأهله، أما من حُرم الأمن والحرية والغذاء والدواء والكساء، فما قيمة الحياة عنده؟
– ليتخيل من يخاف على الفلسطينيين من رد الاحتلال الإسرائيلي كيف يمكن أن تكون حياته لو كان فلسطينياً يعيش تحت حصار الاحتلال. هل يتوقع أن يحب الحياة أكثر، أم ينتقم لشهدائه أكثر، أم يرغب في تحرير وطنه أكثر؟ ولو كانت إجابته "الحياة"، فأين هي؟
أتذكر الآن كيف بدأت الانتفاضة الأولى في عام 1987 وكيف شاركتُ أنا وغيري في مظاهرات بالجامعات المصرية في عام 2000، دعماً للانتفاضة الثانية، وفي الحالتين كان المصريون والعرب يدعون الله بأن تقوى شوكة الفلسطينيين وأن يعدوا العدة بأنفسهم ليستطيعوا تحرير أنفسهم أو على الأقل بث الرعب في نفوس محتليهم لتتحقق معادلة "إما الأمن للجميع وإما الرعب للجميع"، ويبدو أن دعواتنا قد تحققت اليوم. فما أقل من أن ندعو لإخواننا في فلسطين بالتسديد، ودعمهم بكل الطرق المادية والمعنوية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.