بالأمس القريب علمنا هؤلاء الفلسطينيون الأبطال دروساً بليغة في انتصار ميزان الإرادات على ميزان القوى، ولو تكالبت كل قوى الاستكبار العالمي. علمونا كيف أن إرادة الشعب لا تنحني وأن الشعب إذا أراد الحياة فلابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر، علمونا أن الكرامة الإنسانية الحقة أن تعيش حراً أبياً للذل والمهانة، وأن تتحرر من ربق استعباد الإرادات، وأن تعيش إنسانيتك بمختلف تجلياتها النبيلة، بعيداً عن كل تذلل وارتهان للمحتل، علمونا أن الكرامة الإنسانية الحقة أن تتوكل على الله وتؤمن بأن الرزاق هو الله سبحانه، وهو المتكفل بك إن تخلى عنك الجار ذو القربى.
واليوم السبت 7 أكتوبر، استيقظ العالم كله والاحتلال الإسرائيلي في صدمة عسكرية واستخباراتية؛ حيث اقتحم آلاف المقاتلين من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، بغطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة، تجاوزت 5 آلاف صاروخ في عملية سمّتها المقاومة الفلسطينية "طوفان الأقصى"، والتي أسرت خلالها حتى الآن 35 إسرائيلياً.
لن أتحدث هنا عن تفاصيل هذه العملية العسكرية التاريخية، وإنما لأحكي عن الدروس التي تستمر المقاومة الفلسطينية في تعليمنا إياها والإصرار على المقاومة والتحرر من إكراهات السياقات الإقليمية والدولية.
هاهم الآن يعلموننا أن فعلهم هو السياق نفسه الذي قد يضعه الآخر بعين الاعتبار، عوض أن يكون فعل المقاومة سجين سياق الآخرين؛ هاهم الآن يعلموننا أن الإعداد يكون في صمت، وأن الاستقرار المنشود ليس هو الركود المنبوذ، لأن الاستقرار في قاموس المقاومة هو إعداد العدة وأخذ الحذر وترقب مواجهة غدر العدو في أي وقت كان.
كم سجن بعضنا استراتيجيته وأمله في تحليل راكد، وهو يستدعي ثورات الربيع تارة فيخلص إلى استبشار الخير للقضية الفلسطينية، ثم يعرج على الثورات المضادة للربيع تارة فيخلص إلى إلقاء صفارات الإنذار حول تضييق عمل المقاومة، وهو لا يعلم أن للمقاومة تحليلها وسياقها ولغتها ومنطقها، فالمقاومة هي مقاومة، وليست حرباً نظامية تتأطر بمصالح دول وبعلاقات دولية.
فعل المقاومة في فلسطين، وفي غزة خصوصاً، حررنا من منطق ارتباط مصيرها بمصير دعم تتلقاه هنا أو هناك؛ فعل المقاومة في فلسطين تمرد على تلك الرؤية الطائفية التي تنسب المقاومة لجهتها.
فعل المقاومة ثار على من أراد تحجيمها أو لجمها أو إخمادها بعنوان المصالحة الذي هو في حقيقته عنوان محمود ومطلوب لمصلحة استكمال معركة تحرير فلسطين، بينما أريد له أن يكون عنواناً للتحكم في فعل المقاومة وقتل الأمل في توقد جذوتها؛ فعل المقاومة أربك حسابات وفضح ادعاءات وأحرج معسكرات؛
ألم يكن سؤالاً محرجاً لأولئك الذين حرّفوا جهة رشاشاتهم ليصوبوها لغير العدو الإسرائيلي، وصارت عندهم الأولوية في المقاومة غير التي كانت من قبل؟
المقاومة الآن في غزة بمختلف فصائلها تواجه العدو، وقد تحررت من كل الادعاءات المغرضة، ومن عقدة السياقات التي ترهن قوتها أو ضعفها بها؛
فالمقاومة سياق في حد ذاتها، هي الربيع ولو في ظل محيط ربيعي أو خريفي، وهي الأمل المتجدد الذي يقتل كل أمل متبدد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.