تتحدث الأوساط الإخبارية اللبنانية عن اجتماع جديد للجنة الخمسية المعنية بحل الأزمة الرئاسية اللبنانية خلال الأيام العشرة القادمة. ويأتي هذا الاجتماع بعد فشل المبادرة الفرنسية ومبعوثها الخاص جان إيف لودريان إلى لبنان في تقريب وجهات نظر الفرقاء لتحقيق انفراجة في هذا الملف.
إفشال المبادرات الفرنسية
منذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون فشلت المبادرة الفرنسية للمرة الثانية على التوالي في تحقيق اختراق في هذا الملف، إذ إن المبادرة الأولى قامت على دعم مرشح الثنائي الشيعي "سليمان فرنجية" كرئيس للبلاد، و"نواف سلام" كرئيس للحكومة، هذا الفشل الذي استدعى أن تغير القيادة الفرنسية مبعوثها الخاص إلى لبنان، والبدء بمبادرة ثانية غامضة من حيث الأهداف، إذ إن الزيارات المتكررة للمبعوث الفرنسي لم تحمل خريطة طريق واضحة أو مقاربة مفهومة لحل هذه الأزمة.
وتعود أسباب فشل أو إفشال المبادرة الفرنسية الثانية إلى رفض المعارضة متمثلة بالقوات اللبنانية والكتائب أي تعامل مع هذه المبادرة، ورفض أي دعوات حوار طرحها المبعوث الفرنسي. وتعود جذور هذا الخلاف إلى اعتقاد سائد لدى المعارضة قائم على عدم الثقة بفرنسا أبداً، ولذلك فقد اعتمدت المعارضة استراتيجية إفشال الجهود الفرنسية في إيصال مرشح حزب الله إلى الرئاسة كهدف رئيسي، ورفضت أي حوارات ثنائية أو متعددة الأطراف حتى قبل زيارات لودريان إلى لبنان.
العودة إلى المربع الأول
فشل المبادرات الفرنسية يعني بالضرورة العودة إلى اللجنة الخماسية للبدء بمهمة جديدة على المستوى اللبناني. وتحدثت الصحف اللبنانية عن خطة تقضي بدمج مهمة الموفد الفرنسي مع الموفد القطري إلى لبنان، ينتج عن هذا الدمج تشكيل لجنة ثنائية تزور لبنان، وتتحدث باسم اللجنة الخماسية.
لهذا الطرح نقاط ضعفه الخاصة التي يجب التنويه إليها، وأهمها أنّ وجود الموفد الفرنسي أو الحديث عن ثنائية قطرية-فرنسية سوف يدفع قوى المعارضة مرة أخرى إلى عرقلة المبادرة، وذلك لأنهم يرون في المبادرة عودة فرنسا إلى طرح اسم فرنجية بالتنسيق مع الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) وإيران كذلك. كما أنّ مجرد تشكيل لجنة ثنائية دون التنسيق والعمل المشترك مع القوى الأخرى المنضوية تحت مظلة اللجنة الخماسية سوف يجعل مهمة الموفد القطري مهمة صعبة للغاية، إذ إن طرح مبادرة أخرى بعد فشل مبادرتين خلال عام واحد يتطلب أن تكون النقاط أكثر وضوحاً، ويتطلب كذلك رسم الأهداف قبل البدء بالمهمة.
مقومات المبادرة القطرية
يجب النظر بإيجابية كبيرة إلى الجهود القطرية لحل الأزمة الرئاسية اللبنانية، خصوصاً أن القطريين أصبحوا في الأسابيع الأخيرة مقصداً مهماً لحل الأزمات الدولية، خصوصاً أن الدوحة نجحت في تحقيق خرق دبلوماسي مهم بين الإيرانيين والأمريكيين، وأسهمت في تحقيق صفقة بينهم استعصت لمدة أشهر عديدة.
المتابع للتحركات القطرية في لبنان يدرك جيداً قيام المسؤولين في قطر بإجراء جولات استطلاعية استباقية مهمة في لبنان، والأهم من ذلك هو أن هذه الجولات جاءت عبر رئيس الوزراء محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بمعنى آخر أظهرت هذه اللقاءات للمسؤولين في لبنان أنّ الدوحة تتابع الملف اللبناني من خلال رئيس وزرائها، وهي جادة في إيجاد حل لهذه الأزمة. التقى آل ثاني برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، والتقى كذلك وزير الخارجية القطري بنظيره اللبناني. وبإطار موازٍ التقى السفير القطري في لبنان بقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون. كما اختارت الدوحة الشيخ جاسم بن فهد آل ثاني كموفد لها إلى لبنان.
وأما عن المقومات الخاصة للدوحة فهي عديدة، ويأتي على رأسها أن الدوحة تتمتع بعلاقات جيدة مع قوى المعارضة اللبنانية، وهي قادرة على فهم مرادهم ومطالبهم في هذا المجال. كما تدرك الدوحة الثقل السياسي لحزب الله في لبنان، وهي لذلك سوف توظف علاقاتها مع إيران في سبيل تحقيق تقارب مع حزب الله وحركة أمل، لطرح مبادرة شاملة لا تقتصر على التوافق على شخص رئيس جمهورية قادم، بل تتضمن مبادرة شاملة لأغلب الملفات العالقة، ما يوفر الأرضية المناسبة لاختيار الشخصيات السياسية القادرة على تلقي الدعم الدولي، والبدء بعملية إنقاذ البلاد من الدوامة التي دخل فيها منذ انفجار بيروت.
ختاماً، ظهور الدوحة كلاعب دبلوماسي دولي موثوق به، وإمكانية استثمار المسؤولين القطريين للعلاقات الجيدة التي تربطهم بالأطراف الدولية والداخلية في لبنان يدفعنا إلى التحلي بالأمل بنجاح هذه المبادرة، شريطة أن يكون هناك تأنٍّ في طرح المبادرة، وفهم التحالفات والمواقف الداخلية في لبنان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.