الكلمة الواحدة قد تصل إلى 63 حرفاً.. لماذا تُعد اللغة الألمانية من أصعب اللغات وأعقدها؟!

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/05 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/05 الساعة 10:42 بتوقيت غرينتش

"اللغة الألمانية الفظيعة أو الشنيعة" The awful German language، هو عنوان مقالة طويلة وشهيرة للكاتب الأمريكي الساخر مارك توين، تم نشرها عام 1880، وفيها ينتقد الكاتب اللغة الألمانية بشكل تهكمي، مُبيناً معاناته أثناء محاولاته لتعلم اللغة الألمانية. ولم يكتفِ توين بهذه المقالة، فبعد ذلك بسنوات قام بإلقاء محاضرة في فيينا بعنوان "أهوال اللغة الألمانية"  the horrors of the German language، تحدث فيها أيضاً عن مدى صعوبة هذه اللغة. 

هناك اقتباسات شهيرة منسوبة لمارك توين عن اللغة الألمانية، بعضها تم اقتطاعه من مقالته الشهيرة، ومن أشهر مقولات مارك توين عن اللغة الألمانية:

"يمكن للشخص الموهوب أن يتعلم الإنجليزية في ثلاثين ساعة، والفرنسية في ثلاثين يوماً، والألمانية في ثلاثين عاماً!".

"من الأفضل للمرء أن يعيش بدون أصدقاء في ألمانيا بدلاً من أن يتجشم كل هذا العناء من أجلهم" (يتحدث هنا عن صعوبة التصاريف اللغوية لكلمة "صديق" كمفرد وحين تأتي كجمع!).

والحقيقة أن مارك توين لم يجافِ الحقيقة كثيراً في توصيفه للغة الألمانية ومدى صعوبتها وتعقيدها، وهو الذي حاول تعلم الألمانية حين كان في الخامسة عشرة ثم توقف عن ذلك ليعود لمحاولة تعلمها بعد 28 عاماً، ثم يكتب عنها مقالته الشهيرة، ولم يكن الوحيد الذي تبنى مثل هذا الرأي حيال هذه اللغة، فقد سبقه في ذلك الكاتب الكبير أوسكار وايلد، الذي يُنسب له قوله: "تعلم اللغة الألمانية هو ما خُلقت الأبدية من أجله!".

قرأت مقالة مارك توين قبل سنوات عديدة من احتكاكي باللغة الألمانية، وحينها بدت لي المقالة طريفة وممتعة للغاية، لكني لم أتخيل -آنذاك- أن مارك توين كان مُصيباً فيما قاله، وهي الحقيقة التي عرفتها بعد أن شرعت في تعلم اللغة الألمانية!

في هذا المقال آخذك -عزيزي القارئ- في جولة سريعة عن اللغة الألمانية، ولماذا تُعد من أصعب اللغات وأعقدها!

اللغة الألمانية

الكلمات شديدة الطول!

من الأشياء التي تميز اللغة الألمانية وتُضفي عليها مزيجاً من الصعوبة والتعقيد هو وجود كلمات ومفردات طويلة للغاية، وهذا الجانب تناوله مارك توين في مقالته التي أشرت إليها، وله أيضاً اقتباس شهير حول هذه النقطة، فمن خصائص اللغة الألمانية أنها تسمح بـ"تجميع" الكلمات ووضعها في كلمة واحدة لتعطي معنى جديداً، وتجميع الكلمات ورصها في كلمة واحدة يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية! ومن الأمثلة على هذه المفردات بالغة الطول الكلمات التالية:

Kraftfahrzeughaftpflichtversicherung (36 حرفاً) ومعناها "التأمين الأساسي على المركبات الآلية"

Arbeiterunfallverischerungsgesetz (33 حرفاً) ومعناها "قانون تأمين حوادث العمل"

Rechtsschutzversicherungsgesellschaften (36 حرفاً) ومعناها "شركات تأمين الحماية القانونية"

Streichholzschächtelchen (24 حرفاً) ومعناها "علبة الثقاب الصغيرة!"

Rindfleischetikettierungsüberwachungsaufgabenübertragungsgesetz

وهي الكلمة التي أشرت إليها في المقال السابق، وتتكون من 63 حرفاً، وذكرت أنه -ولله الحمد- تم حذفها من قاموس المفردات الألمانية؛ لأنها لم تعد ضرورية. معناها؟ ما دامت قد حُذفت فلماذا نسأل عزيزي القارئ عن أشياء إن تُبد لنا تسؤنا؟ لكن لا بأس من باب العلم، فإن هذه "الكلمة" مفرطة الطول تشير إلى "قانون مراقبة وضع العلامات على لحوم البقر!"، وبما أن الاتحاد الأوروبي قرر إلغاء هذا القانون في عام 2013 (وفي اعتقادي أن ذلك كان بسبب الرعب والكوابيس التي أصيب بها أعضاء الاتحاد بعد رؤيتهم لهذه الكلمة!)، فقد تم إلغاؤها بالتالي من القاموس الألماني.    

والمشكلة هنا لا تكمن فقط في طول هذه الكلمات، إنما في طريقة نطقها والتي يجدها بعض الألمان أنفسهم ممن تُعد اللغة الألمانية لغتهم الأم صعبة في النطق فما بالك بمن يتعلم اللغة! وأقرب مثال على ذلك هو الكلمة التي ذكرتها في الأعلى، والتي تعني "علبة الثقاب الصغيرة"، حيث توجد على شبكة الإنترنت فيديوهات انتشرت بشكل كبير وفيها يظهر ألمان وأجانب على حد سواء، وهم يحاولون بصعوبة كبيرة نطق هذه الجملة "علبة الثقاب التشيكية الصغيرة" أو بالألمانية:

tschechisches Streichholzschächtelchen

وهي عملية ليست سهلة على الإطلاق حتى على الناطقين باللغة الألمانية، ولذلك يمكن لمن يتمكن من نطق هذه الجملة بسلاسة أن يثير انبهار المتحدثين باللغة الألمانية أنفسهم!

الفاعل والمفعول.. الرفع والنصب والجر والإضافة!

تتميز اللغة الألمانية -مثل اللغة العربية- بوجود حالات الرفع والنصب والجر والإضافة، مما يعني أنه وبناء على موقع الكلمة في الجملة يمكن أن يتغير إعرابها، فالفاعل مرفوع والمفعول به يُنصب إلى جانب حالات الجر والإضافة! والقواعد النحوية الألمانية شديدة التعقيد في هذا الجانب، فلا يمكنك أن تلفظ جملة ما بعفوية دون أن تفكر هل يجب عليك أن تنصب أم ترفع أم تجر، وكل حالة من هذه الحالات تقود إلى تغيير شكل ونطق الكلمات، وكذلك أدوات التعريف المستخدمة، حيث لكل حالة أداة خاصة بها من حيث التعريف أو الإنكار، ويختلف الوضع أيضاً حسب الإفراد والجمع وهل المخاطب ذكر أم أنثى أم مجموعة من الناس!

ضمير "الاحترام"!

ذكرت سابقاً أن هناك قواعد صارمة في ألمانيا حتى على مستوى التواصل الإنساني والاجتماعي، وضربت مثلاً على ذلك بموضوع التحية الرسمية وغير الرسمية، وعلى مستوى الضمائر الشخصية Personal pronouns  هناك ضمير المفرد الغائب المذكر في اللغة الألمانية Er وضمير المفرد الغائب المؤنث Sie، لكن المشكلة أن هناك ضمير مخاطبة آخر يستخدم في الإشارة إلى المفرد المُخاطب أو الغائب، لكن في حالة الاحترام أو التعامل "برسمية"، وهذا الضمير هو أيضاً Sie وينطق بنفس الطريقة التي يُنطق بها ضمير المفرد المؤنث "وينطق بالعربية زي بكسر حرفي الزاي والياء"، والمصيبة أن هناك ضميراً آخر للجمع الغائب "هم" وهو أيضاً نفس الكلمة Sie!

ويمكن تمييز ضمير الاحترام هذا في الكتابة فقط؛ لأن حرف S فيه يكتب حرفاً كبيراً، لكن في النطق لا يمكن التفرقة بينه وبين الضمائر الأخرى، فلو كنت تتحدث مع شخص ما واستخدم في كلامه هذا الضمير، فلا يمكنك للوهلة الأولى أن تدرك أن المحادثة تدور حول "هي" بمعنى الضمير العائد على المفرد المؤنث أو أن المتكلم يقصد استخدام ضمير الاحترام معك أنت أو أنه يقصد "هم"، ومع الخوض في المحادثة أو استكمالها يمكن أن تدرك بأثر رجعي ما الذي كان يقصده المتكلم!

انتظر حتى يأتي الفعل!

من خلال دراستي للغة الإنجليزية وعملي لاحقاً في مجال الترجمة لفترة طويلة هناك قاعدة بسيطة يعرفها كل من يعمل في هذا المجال، وهي أن الفعل -في اللغة الإنجليزية- يأتي في العادة في بداية الجملة أو الحديث، لذلك أثناء الترجمة الفورية على سبيل المثال من اللغة الإنجليزية يمكن بسهولة أن تتكون في عقل المترجم فكرة عن السياق الذي سيقوم بترجمته؛ لأن المتحدث يبدأ بالعادة بذكر الفعل في بداية حديثه ثم يستمر حتى يُنهي الجملة والتي تتميز في العادة بالقصر، بينما في الألمانية يمكن أن يبدأ المتحدث في سرد بعض الجمل الطويلة ويستمر في الحديث بدون أن يذكر الفعل الذي يمكن أن يأتي في آخر الكلام، وبعد أن يكون المرء قد نسي الموضوع الذي يدور حوله الحديث؛ لأن أهم جزء في الكلام وهو الفعل لم يأتِ في البداية وإنما جاء في نهاية الحديث! لذلك فإن الترجمة المباشرة من الألمانية إلى أي لغة أخرى عملية مرهقة بالفعل، وتستدعي انتباهاً وتركيزاً عاليين وإلا أفلت منك موضوع الحديث؛ لأنك أثناء انتظارك لوصول السيد "الفعل" نسيت ما الذي كان يتم الحديث حوله في بداية الكلام!

في المقال القادم، نواصل الحديث عن هذا الموضوع، مع ضرب أمثلة أكثر عن اللغة الألمانية التي يتحدث بها ما يقرب من 130  مليون شخص حول العالم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أنيس الباشا
كاتب يمني مقيم في ألمانيا
مستشار لشئوون الهجرة في ألمانيا وناشط تطوعي في المنظمات الألمانية المعنية بشئوون الهجرة
تحميل المزيد