لماذا أحمد الطنطاوي؟ للإجابة عن هذا السؤال، دعونا ننتقل في عدة محاور ومحطات مهمة، حتى نستطيع استكمال الصورة تماماً واستيعاب ما يحدث في مصر بصورة واقعية وبعيداً عن أي مجاملة أو محاباة.
- المحور الأولى:
- هل هو رجل المرحلة؟!
- هل هو الرجل الذي بإمكانه إحداث تغيير في المنظومة العامة للدولة؟!
- هل هو الشخص الذي انتظره شباب مصر ليلتفوا من حوله لتحقيق أحلامهم في وطن يحفظ لهم فيه كرامتهم ويعيد لهم حقوقهم؟!
- المحور الثاني:
هناك الكثيرون ومنهم أنا، نتساءل:
- هل الوقت الآن يسمح بالتغيير؟
- هل الظروف والأوضاع أصبحت مهيَّأة لذلك؟
- وكيف يمكن لأي مرشح مثل أحمد الطنطاوي إذا تمكن من اجتياز الانتخابات بنجاح أن يواجه الدولة العميقة، ويصمد ضد مراكز القوى المتحكمة في مفاصل الدولة والمتوغلة في كل مؤسساتها؟
- وكيف له إذا أصبح رئيساً أن يتمكن من تنفيذ أجندته الانتخابية ولا يتعرض للإقصاء كما تعرض له الرئيس محمد مرسي، من قِبل الذين يتحكمون في القرار المصري والنازعين لإرادة الشعب والمسيطرين على المال العام؟
أنا هنا لست ممن يضعف الهمم أو ينشر الإحباط والتشاؤم، ولكن علينا واجب المصارحة والوضوح والاستفادة من تجارب الماضي حتى لا تفشل محاولات التغيير مرة أخرى.
دعونا أولاً نوضح مفهوم التغيير وما نقصده من ذلك حتى لا يختلط علينا الأمر وتنحصر أحلامنا في تطلعات ضيقة لا تتعدى مواقع أقدامنا أو مدى تفكيرنا الضيق وعِلمِنَا الذي تقوقع في معتقل تجاربنا!
المقصود بالتغيير هنا ليس تغيير أشخاص (الرئيس) فحسب، بل لا بد أن يكون التغيير شاملاً في منظومة الحكم كاملة، لتتحرر الدولة من الحكم المركزي الفردي وتتحول إلى دولة تدار بالمؤسسات وليس بالأفراد ويتم الفصل التام بينها، دولة تكون السيادة فيها للشعب ليكتسب سلطته كاملة ليصبح فوق سلطات الدولة جميعاً، ليقوم بدوره كاملاً وغير المنقوص في سن القوانين وتحديد السياسات وأخذ القرارات المصيرية والأهم، مراقبة السلطة التنفيذية والمال العام للدولة. ويحدد منصب رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء وكما يوضحه الدستور، وأن يعلموا بأن دورهم ينحصر فقط في دور وظيفي كأي موظف في الدولة، يديرون من خلاله أموال الدولة بتكليف من الشعب وتحت رقابته، في مقابل أجر يحصلون عليه، مثلهم مثل جميع موظفي الدولة.
هذا ما قصدناه تماماً، وهذا ما يجب أن يكون، وذلك إذا أردنا إحداث تغيير حقيقي تأتي ثماره للمواطن ويعيد للدولة مكانتها وهيبتها. ومن خلاله نتمكن من بناء دولة جديدة وعلى أسس صحيحة تستوعب الجميع، دولة لا إقصاء فيها لأحد.
وليس تغيير الرئيس فقط كشخص، ليأتي غيره ومن نفس المدرسة والذي يحمل نفس الفكر، لتظل الدولة تدار بنفس النهج الذي عليه الآن والممتد على مدار سبعة عقود ومنذ عام 1952 بالتحديد، ونظل ندور في نفس الدائرة، محجوزين داخل أفكارنا العقيمة، وكأننا لم نفعل شيئاً.
وهنا ومن خلال متابعتي للمرشح المحتمل أحمد الطنطاوي، ومراجعتي ورجوعي للتسجيلات القديمة وخصوصاً مداخلاته واستجواباته كنائب تحت قبة البرلمان أثناء انعقاد مجلس الشعب، وجدت الآتي.
هو رجل مثقف يمتلك الوعي السياسي، جريء في عرض أفكاره، واضح في تقديم ومناقشة القوانين أو عند استجواب مسؤول من مجلس الوزراء تحت قبة البرلمان. لا يجامل، يتمتع بلباقة، مهذب في الطرح، يتحدث بقوة وعزيمة نابعة من القلب، تستشف من خلال كلماته وما بين السطور حباً شديداً لبلده وغيرة عليه، وبين ضلوعه يشعر بآلام المواطن حاملاً مشاكله. لا يخاف ولا يحابي أو يجامل أحداً، بعيد كل البعد عما نراه وللأسف لدى غالبية النواب والذين يمثلون من أتوا بهم من رجال أعمال وليس مواطني دائرتهم الانتخابية.
وجدت أيضاً، وحسب رؤيتي، أنه عندما قام بتقديم نفسه كرجل يرغب في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، أظهر أن له برنامجاً ورؤية واضحة ولوناً سياسياً وبرنامجاً محدداً يصب في الصالح العام، وبعيداً كل البعد عن أي مشاريع ومصالح خاصة أو أيديولوجية حزبية.
إنه رجل يتحدث بثقة وطلاقة، يمتلك أيديولوجية فكرية واضحة عامة، وله هدف يعمل عليه ويرغب في تحقيقه. تابعت أحاديثه المتداولة أثناء حملته الانتخابية في المحافظات، وشعرت أنه يعلم تماماً ما معنى الديمقراطية ومفهومها العلمي والعملي، وأهمية دولة القانون وتفعيل مؤسسات الدولة والفصل بين سلطاتها.
ومنها وأهمها، أنه ركز كثيراً على ضرورة استقلالية القضاء، وخصوصاً استقلالية المحكمة الدستورية العليا، حتى لا تكون أداة في يد الحاكم يستخدمها لمصالحه الخاصة ومصالح فئات صغيرة في الدولة من أركان نظامه، وضد مصلحة الوطن والمواطن.
المحطة المهمة الأخرى
قام بإرسال رسائل طمأنينة للجميع، منها رسائل طمأنينة لرجال الأعمال وفي نفس الوقت رجال البيزنس ممن هم في مواقع مهمة في الدولة وأصحاب النفوذ، عندما قال: يجب أن يتم وضع معايير يحدد فيها الإطار القانوني الكامل لرجال الأعمال لحمايتهم وعدم توغل الآخرين عليهم، مما يخلق بيئة صالحة تطمئن المستثمرين وتشجع على الاستثمار في الدولة المصرية.
وهنا أعتقد أنه استطاع تفادي الاشتباك مع الدولة العميقة، والتي تمكنت إبان حكم الرئيس الراحل محمد مرسي من إفشال التجربة الديمقراطية الوليدة العهد بها آنذاك.
بالإضافة لذلك أرسل رسائل لجميع التيارات السياسية والجماعات الفكرية وخصوصاً جماعة الإخوان الملسمين، وأوضح وبكل ثقة وحنكة، أنه لا إقصاء لأحد، مؤكداً أن قبول أو رفض أي حزب أو أي عمل سياسي يشكل هو من صميم اختصاصات لجنة الأحزاب وليس دور رئيس الجمهورية.
أيضاً أوضح أن دور رئيس الدولة محدد في الدستور، فلا يتدخل في الشؤون الدينية وليس له كرئيس أي علاقة بما يسمى بتجديد الخطاب الديني أو غيره. وهنا أبرز اختصاصية الأزهر بالشؤون الدينية وضرورة استقلاليته قائلاً:
- قانون دار الإفتاء يخالف الدستور، مدافعاً بذلك عن استقلال الأزهر الشريف.
- منصب "نائب الرئيس" يجب أن يكون بالانتخاب، وأرفض كل تعديلات دستور 2014 والتصحيح الدستوري يعني العودة إلى الأصل.
- في برنامجي تعديلات تمنح المحكمة الدستورية والسلطة القضائية استقلالاً كاملاً.
وعن رأيه في جماعة الإخوان وعودته لممارسة العمل السياسي قال:
- "إن المصريين جميعاً سواء بسواء أمام القانون ولا عودة للأمور التي كان متعارفاً عليها من قبل، مضيفاً أن من حق أي مصري أن يؤسس حزباً سياسياً والفيصل هو القانون".
- "وأنه في حال فوزه، لن يُصدر أي قرار بحل أي حزب سياسي".
ولذلك أرى أنها بداية صحيحة ورؤية سياسية واضحة تعمل على جمع الصفوف يجب البناء عليها من أجل تصحيح المسار وإعادة الأوضاع على الطريق الصحيح من أجل الوطن والمواطن، وإنهاء التشتت والتناحر المفتعل وإقصاء شرائح أو تيارات أساسية في المجتمع.
حاول أن يكون محايداً وعلى مسافة واحدة من الجميع، لذلك كان الاحتكاك به وبرجال حملته الانتخابية من قبل الجهات الأمنية أو البلطجة المنظمة قليلة ومحدودة، وخصوصاً أن العالم وعلى رأسه أمريكا والتي بيدها المساعدات العسكرية لمصر، لم تعد تحتمل الاعتداءات المتكررة على الحريات في مصر، وأيضاً الانتهاكات الصارخة لمبادئ حقوق الإنسان من قِبل النظام الحاكم والذي أصبح يمثل عالة عليهم وتهديداً لمصالحهم، وتخشى من زيادة الفوضى وانفجار الوضع، والذي قد ينتشر ويطال الجميع.
هل الوقت الآن يسمح بالتغيير؟
في الحقيقة، أجد -من وجهة نظري- أن الظروف أصبحت مواتية وسامحة بالتغيير، وأن أحمد الطنطاوي هو الشخص الأمثل والمؤهل حالياً لإحداث التغيير، في ظل غياب وضعف رجال المرحلة السابقة، وعدم قدرتهم على ردء الصدع، وفقدانهم لأيديولوجية سياسية واضحة يلتف حولها الجميع، وهناك نشطاء سياسيون وأحزاب فقدت مصداقيتها ولم تعد تمتلك التأثير والفاعلية لإحداث تغيير حقيقي، وبعضها أصبح يتغير ويتلون ومتودداً للنظام الحاكم، معطياً شرعية لآلة القمع ونشر الفساد في البلاد، في ظل غياب العدالة، مجارياً الوضع مشاركاً في الدفع إلى ما وصل إليه الحال في الدولة من انهيار في كل شيء.
حقيقة أن التغيير أصبح ملحاً اليوم، وخصوصاً أن الوضع العام والتوجهات والسلوك من قِبل من هو على رأس السلطة وصل إلى أدنى مستوياته، وأصبحت خطابات التهديد فجة وواضحة ضد الشعب والتلميح بالبلطجة والترامادول ونشر الفوضى ومزيد من إراقة الدماء، في سبيل التمسك بالسلطة والنفوذ يسيء لواجهة مصر كدولة لها عراقتها ومكانتها وثقافة شعبها المميز بين الأمم.
إذاً، على عقلاء مصر أن يدركوا مدى المخاطر والتحديات الجسام التي تواجهها الدولة المصرية وشعبها ومكوناتها وما تبقى من دعائم تماسكها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.