ضجّت وسائل الإعلام بأخبار منطقة القوقاز، من مدّة، ومحرّك الأزمة يدور سجالاً بين الدولتين الجارتين أرمينيا وأذربيجان، حيثيات وفصول النزاعات والصراعات بينهما لها جذور قديمة سياسيّة وعرقيّة وتاريخيّة، لكن السبب المباشر هو أن إقليماً يقبع بين البلدين اسمه ناغورني كاراباغ أو قره باغ فقير وله طبيعة جبلية، وعديم الموارد، يبلغ عدد سكانه نحو 150 ألف نسمة، يعتمدون في معيشتهم على الحياة التقليديّة وبخاصة الرّعي؛ هذا الإقليم المهيض، سلطة الأذريين عليه ضعيفة، والسبب أن أغلبية ساكنيه من الأرمن، وإذا عدنا إلى صفحات التّاريخ فسنرى أن النزاع بدأ بين أرمينيا وأذربيجان بعد استقلالهما عن الإمبراطورية الروسية في عام 1918، حيث نشبت نزاعات إقليمية حول الأراضي التي يدعي كل منهما ملكيتها بأسباب تاريخية وعرقية، بما في ذلك إقليم ناغورني قره باغ.
هذه الصراعات استمرت من عام 1918 إلى 1920، لكنها انتهت بسرعة بعد انضمام أرمينيا وأذربيجان إلى الاتحاد السوفييتي في عام 1922. لكنها عادت مجدداً بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991، ما أسفر عن حروب دامية بين البلدين أدت إلى الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من النازحين.
تداولت البلدان الأزمة السياسية لأكثر من قرن، على الرغم من جهود الوساطات الدولية، بما فيها مجموعة مينسك التي تأسست في عام 1992 برئاسة فرنسا وروسيا والولايات المتحدة، والتي سعت إلى حل نزاع إقليم ناغورني قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان بمشاركة 17 دولة، ومقرها العاصمة البيلاروسية مينسك.
واليوم يبدو أن حالة الصراع أصبحت إقليمية، فتركيا حليفة لأذربيجان نظراً لكون أذربيجان وتركيا أمة واحدة في الأساس، بالإضافة إلى ذلك هناك اتفاق للدفاع المشترك بين باكو وأنقر، وهذا ما دفع لأن تكون هذه الجولة لصالح أذربيجان منذ اللحظات الأولى لبدء عمليتها العسكرية ضد أرمينيا.
من جهة أخرى إيران وأذربيجان لهما علاقات متأزمة رغم وجود قواسم دينية وعرقية مشتركة بينهما، إذ يوجد الكثير من الأذريين في إيران، يمثلون ما يقارب 16–25% من سكان إيران، إلا أن المنظور الإيراني يعد مركّباً؛ إذ تقلق طهران من تنامي الشعور الانفصالي للعرقية الأذرية في محافظات الشمال المحاذية لأذربيجان.
بينما تغير موقف روسيا في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان بسبب تغير موقف أرمينيا وتحالفها مع الولايات المتحدة. فالحرب الروسية الأوكرانية زادت من توتر المنطقة وأثرت على موقف روسيا. حيث أصبحت أذربيجان شريكاً أهم لروسيا من أرمينيا، وذلك بسبب الحرب الأوكرانية وأهميتها كممر رئيسي لروسيا إلى الجنوب. لذلك، يبدو أن الظروف الإقليميّة والعالميّة الحالية ربما تساعد باكو أكثر في حيازة المزيد من الانتصارات المختلفة، إذا لم تتغيّر تلك الظروف التي لا يمكن المراهنة عليها كثيراً في ظل عالم مصلحي لا يؤمن بالاستقرار وثبات الأوضاع.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.