تاريخ مكتظ بالمحن والتحديات، ترسمها سنوات حكم عبد الفتاح السيسي لمصر بقدر ما ترسمها الأماني والطموحات المشروعة للشعب المصري الذي يبحث عن حياة كريمة ومستقبل واعد. بعد مرور سنوات على تولي السيسي المنصب الرئاسي، يجد الشعب نفسه في صراعٍ محتدم بين أملٍ مستمر ومعاناة تتجدد يوماً بعد يوم. يقف السيسي في مفترق طرق التاريخ، وسط تساؤلات حائرة حول الخيارات التي سيتخذها.
هنا تظهر شخصية السيسي بكامل وضوحه وصراحته المروعة. عندما نتحدث عن رئيس، نقول "أصلح البلاد"، ولكن عندما نشير إلى السيسي، سنجد أن الأرقام تحكي قصة مختلفة. زادت معدلات البطالة بشكل هستيري، والبنية التحتية للدولة باتت تشبه العشوائيات في حالتها. القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم وغيرها تعاني أيضاً. سنجد أن البلاد كلها تعاني. لو سألنا نملة تعيش في مصر ستقول لنا إنها تعاني.
فبعد معاناة الدين العام الكبير والبطالة المستشرية التي تشلّ الاقتصاد، والبنية التحتية المتردية، وتفاقم التضخم الذي يأكل القدرة الشرائية للمواطنين، يأتي السيسي بإعلان ترشحه لفترة رئاسية جديدة. يكاد يكون الوضع وكأنه مأساة يونانية، حيث يبدو أن الريس الحالي يتجاهل كل هذه الجراحات التي يتعايش معها الشعب المصري.
تزداد حدة الأزمات والتحديات يوماً بعد يوم، ومع ذلك فإن السيسي يظل غير معترف بالصرخات اليائسة للشعب. يتمادى في إعادة ترشحه وسط هذه الخنادق الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها المواطنون. القهر واليأس يدفعان بالكثيرين نحو الشعور بأن لديهم حلّاً وحيداً، وهو الموت. يظل الأمل ضئيلاً في زمن يبدو فيه أن الناس يعيشون في قعر الظلام.
وفيما يتعلق بوضع البلاد، يزداد القلق والاستياء، حيث يجد الناس صعوبة في توفير وجباتهم اليومية. في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، يثير الأمر غضب الكثيرين أن يتم إيلاء الأولوية لإنشاء متاحف لجذب السياح والأجانب، بينما يعاني المواطنون من نقص في متطلبات الحياة الأساسية. "ويا ريت الحكومة نجحت في جذب السياح"، يبدو أن هذا التوجيه للموارد نحو السياحة وتطوير المشاريع السياحية يسبب استياءً وتساؤلات بين الناس حول أولويات الحكومة وتوجيهها للجوانب الحيوية والإنسانية التي تؤثر بشكل كبير على حياتهم اليومية. يجدون ذلك غير متناسب وغير عادل، ويعتبرونه تجاهلاً لمعاناتهم ومشاكلهم الحقيقية.
بالطبع، كان الأولى أن يتم تشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في البلاد. بدلاً من هروبهم من مصر وضخ استثماراتهم في بلاد أخرى كالمغرب وتركيا وغيرهما، هذا هو الأساس لتحفيز النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة للمواطنين. عمليات الاستثمار تسهم في تطوير البنية التحتية، وتعزيز الصناعات المحلية، وزيادة الإنتاجية.
ومع ذلك، يجب أن يكون هناك توازن بين دعم الاستثمارات وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين. يمكن أن تلعب الحكومة دوراً هاماً في توجيه الاستثمارات وتحديد القطاعات الحيوية لدعمها، بما في ذلك القطاعات التي تؤثر بشكل مباشر على الناس مثل الصحة والتعليم والإسكان وتوفير فرص العمل.
بالتوازي مع دعم الاستثمارات، يجب أن تتبنى الحكومة سياسات اقتصادية مستدامة تحفز على تنمية الصناعات المحلية، وتشجع على التنوع الاقتصادي، وتعزز الشفافية ومكافحة الفساد. من خلال هذا النهج المتكامل، يمكن تحقيق التوازن بين دعم الاستثمار وتحسين جودة حياة المواطنين.
أما السيسي فتوجه نحو تسلط العسكرية في البلاد لحماية نفسه وتعزيز وجوده في كرسي الرئاسة، جانب هام ومظلم من تطورات الوضع السياسي في مصر. تولت الحكومة العسكرية بقيادة السيسي الحكم بعد عزل الرئيس السابق في 2013، ومن ثم تم انتخاب السيسي كرئيس فيما بعد.
تميزت فترة حكم السيسي بتشديد الرقابة والسيطرة على المؤسسات والهياكل الحكومية والإعلام، بما في ذلك ملاحقة المعارضة وقمع الحريات العامة. استخدم السيسي القوة العسكرية لتحقيق أهدافه السياسية والاستقرار الداخلي، وركز على تعزيز دور الجيش في الحكم والسيطرة على الأمن الوطني.
هذه السياسات أثارت انتقادات دولية وداخلية بشأن مدى احترام حقوق الإنسان والديمقراطية. وتجددت فترات الانتقادات خلال الفترة الانتقالية التي تلت ذلك، والتي كانت مصحوبة بتحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة في البلاد.
صحيح، السياسات التي اعتمدها السيسي وتوجهه نحو تسلط العسكرية أظهرت فشلها اقتصادياً في العديد من الجوانب. على الرغم من الجهود الرامية إلى تحفيز النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات، إلا أن البلاد تعاني من مشاكل اقتصادية خطيرة.
هذه التحديات الاقتصادية أظهرت أن السياسات القائمة على التسلط العسكري لا تعدل من الوضع الاقتصادي بشكل فعال، وقد تؤثر بشكل سلبي على التنمية المستدامة واستقرار البلاد. تعزز الحاجة إلى إصلاحات شاملة تركز على دعم القطاعات الاقتصادية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين بشكل أفضل وأكثر فاعلية.
بعد كل هذا التحليل والتقييم الذي يظهر الآثار السلبية للسياسات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي واجهتها البلاد، يبقى سؤال حول إعلان السيسي الترشح للرئاسة. قد تكون هذه الرغبة في الترشح مدفوعة بأسباب سياسية أو شخصية تفضيلية تتجاوز النقاشات الاقتصادية والاجتماعية.
إعلان السيسي للترشح لفترة رئاسية جديدة أمر يثير الكثير من التساؤلات والمخاوف بناءً على الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تمر بها مصر. يبدو أنه يسعى إلى الاستمرار في الحكم وتأمين موقعه السياسي. بينما تتجسد نيته في الترشح، تبرز بوضوح ممارسات القمع والقيود التي يفرضها السيسي وإدارته بلا رحمة على المعارضة والمرشحين المحتملين للرئاسة. يتضح ذلك من الإجراءات التي تتخذها الحكومة لقمع الأصوات المعارضة وتقييد حرية التعبير والمشاركة السياسية. تشمل هذه الإجراءات التضييق على الحريات العامة، والقيود على حرية الصحافة، ومنع التظاهرات والتجمعات، ومحاكمات المنتقدين والمعارضين. غير التدخلات والتقييدات التي تفرضها الحكومة بقيادة السيسي على العملية السياسية وحقوق المواطنين، بما في ذلك حرية التنقل والتعبير وحق الوصول إلى المؤسسات الحكومية. إذا كانت هناك محاولات لمنع كتابة توكيلات رئاسية لأحمد طنطاوي، فإن ذلك يعد تقييداً خطيراً على حقوق المواطنين ويثير تساؤلات بشأن مدى احترام مبادئ الديمقراطية وسلطة القانون في البلاد.
مثل هذه الإجراءات تعكس ضغطاً وتقييداً على التنوع السياسي وحرية التعبير، وتعتبر عائقاً للمشاركة الديمقراطية الحقيقية. من المهم تحقيق توازن بين الأمن الوطني وحقوق المواطنين والتي تضمن الحريات الأساسية والمبادئ الديمقراطية.
هذه السياسة التي تتجاوز مجرد الترشح تثير قلقاً بشأن التنوع السياسي والديمقراطية في مصر، وتعيق تطور المشهد السياسي بشكل شامل. يعتبر تقييد الحريات ومنع المعارضة من المشاركة بحرية في العملية السياسية هو تحدي كبير يجب التصدي له لضمان تفعيل الديمقراطية وتحقيق التنمية المستدامة.
السيسي خضع لدورتين، ولم يحقق خلالهما أي تقدم يُذكر. بالعكس، فإن البلاد تزداد سوءاً بشكل لا يُطاق. بالتأكيد، في الدورة الثالثة، لن يحدث أي تغيير. إنه مجرد وعد بتحسين الوضع، ولكننا نعلم أن الواقع سيكون مثيراً للاشمئزاز. استمرار هذه الحالة المزرية يجب أن يثير غضبنا؛ لأننا لا يمكن أن نتقبل الحياة بهذه "السخافة".
في النهاية، يظل السؤال الحاسم يراود الجميع: هل سيستمر الشعب المصري في تحمل عبء هذه الواقع المرير والقمع المتزايد؟ أم ستأتي أيام جديدة تعيد الأمل وتبني جسوراً نحو تغيير حقيقي ومستقبل أفضل؟ يبقى القرار في يد الشعب، فهل سيتحدى الظلم والظروف القاسية، ويسعى لتحقيق التغيير والحرية، أم سيظل رهينة للمصير الذي يرسمه الحاكم؟ الزمن سيكشف الإجابة، ولكن بالتأكيد، على السيسي أن يفهم أن الشعب لن يظل صامتاً إلى الأبد، وأن التاريخ يحفظ كل ظلم وجور، وحين يحين الوقت، سيأتي دور الحق والعدالة ليحاسب.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.