تعيش السويد وضعاً أمنياً غير مسبوق، منذ أن اندلعت قبل سنوات حروب عصابات المخدرات والممنوعات. وفي شهر سبتمبر الماضي، شهدت البلاد واحداً من أصعب الأشهر خلال السنوات الأربع الماضية، حيث سجلت سقوط 12 ضحية في مدة 30 يوماً، من بين هؤلاء الضحايا شابةٌ قُتلت في انفجار وقع في مسكنها بمدينة أوبسالا، وهي مدينة تقع إلى الشمال من العاصمة استوكهولم.
من اللافت للانتباه أن بعض القتلى لا يمتون بأي صلة لحروب عصابات الجريمة المنظمة، بل إن هذه الحرب توسعت لتشمل أسر أفراد العصابات، وهذا يشكل سابقة لم يشهدها البلد في السابق.
ويجد رئيس حكومة المحافظين عن حزب "مودارات" (الاعتدال)، أولف كريسترسون، نفسه وسط مصاعب كثيرة. أولاً لأن حكومته الائتلافية تحكم أصلاً بأغلبية برلمانية يؤمنها له حزب "ديمقراطيي السويد"، اليميني المتشدد، وثانياً لأن موجة العنف، وخصوصاً دخول المتفجرات على خطها، يرفع مستوى الخوف، بالتوازي مع الإنذارات الاستخبارية التي تحذر من استهداف السويد على خلفية حرق نسخ من المصحف الشريف.
يتقاتل المتصارعون على الضواحي والمجمعات السكنية في مختلف مدن البلد على أسواق التربح من الممنوعات وفرض نوع من الإتاوات على الأعمال وأصحاب متاجر، وعمليات تهريب وجريمة منظمة أخرى في سلسلة طويلة لكسب المال بسهولة وبطريقة دامية.
مشكلة الضواحي في السويد من استوكهولم وأوبسالا شمالاً إلى الجنوب وجنوب غرب السويد، أن اكتظاظها بمن هم من خلفية مهاجرة يجعل الوضع أكثر تعقيداً، يبدو أن ذلك يؤثر على الشارع السويدي، فالأخير بات، وبصوت شبه مكتوم، ينتقل تصاعداً من ضمن أكثر المجتمعات ترحيباً باللاجئين، حيث استقبل في 2015 وحده أكثر من 160 ألفاً، إلى مجتمع خائف وقلق على مصير مجتمعه.
وتواجه الشرطة السويدية صعوبة في التعامل مع الوضع، إذ يصعب على سكان الضواحي التعاون معهم في مكافحة الجريمة، حيث يخشى الكثيرون هناك هُم وأسرهم من انتقام أفراد تلك العصابات إذا قاموا بالإبلاغ عن الأنشطة الإجرامية. هذا يجعل العمل الأمني أكثر صعوبة، ويعيق الجهود المبذولة لتحسين الأمان في تلك المناطق.
الجمعيات والمؤسسات المهتمة بشؤون سكان الضواحي من أصول مهاجرة تدرك فداحة ما يجري، وشيوع ثقافة الصمت بين السكان، ومع ارتفاع معدلات القتل العشوائي، وتزايُد أعداد الرصاص، وأصوات الانفجارات، بات يخيف أُسراً لجأت هرباً من القتل والحروب لأجل مستقبل صغارها، لذلك تأمل تلك المؤسسات كسر حاجز الصمت. وتسعى حكومة السويد لتبني قبول الشهادات السرية وحماية الشهود، لتشجيع الناس على قول ما لديهم.
المؤسف وسط كل التقارير الإعلامية استغلال العصابات للأطفال دون الثامنة عشرة، وبعضهم في الـ13 والـ14 من عمره، للقيام بمهام تؤدي إلى القتل، على أمل ألا يشي بهم هؤلاء الصغار، ولأن الأحكام مخففة عليهم، فوفقاً لمجلس مكافحة الجريمة المنظمة، فإن العصابات تقوم يومياً بتجنيد 3 شبان جدد في المتوسط.
تكمن المشكلة بالنسبة لمجتمعات الهجرة واللجوء في السويد، أن موجة العنف تلك تصب في مصلحة التيارات المتشددة واليمينية، وهو ما قد يهدد مستقبل حياتهم وعيشهم في تلك البلد، بجانب خطر تلك العصابات.
فحالة الفوضى والعنف التي تعيشها السويد حالياً وصلت إلى حدود غير مسبوقة، فقد دخلت على الخط رئيسة الوزراء السابقة وزعيمة حزب الاشتراكيين السويديين، مجدلينا أندرسون، مطالبة بسرعة نشر الجيش في المدن السويدية، للتصدي لموجة العنف المتصاعدة نتيجة نشاط العصابات.
فلا شك أن مدى العنف الذي رافق حرب العصابات المتنامية قد أثار صدمة العديد من السويديين؛ إذ تعرضت زوجة أحد أفراد العصابات للقتل بالرصاص في الشارع وهي تحمل رضيعها بين ذراعيها. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، تعرض مطعم في أحد الأحياء العصرية بقلب ستوكهولم لانفجار قنبلة.
ويبدو أنه مع زيادة الضغوط الهائلة التي تتعرض لها الساحة السياسية السويدية، سيستغل اليمين المتطرف تلك الممارسات في عالم الجريمة، من أجل وضع سياسات متشددة حيال قضايا الدمج، عن طريق إدخال تعديلات كبرى على السياسات السويدية المنفتحة على مجتمعات الهجرة وثقافتها.
ومنها مشاريع قد طبقتها جارتهم الدنمارك بحجة "مكافحة المجتمعات الموازية"، كما وصفتها أندرسون، حيث اتبعت كوبنهاغن سياسات صارمة لمنع "الغيتوهات" في ضواحي المدن الدنماركية، من خلال تفكيك وتوزيع السكان ذوي الأصول المهاجرة، وفرض صرامة في قانون العقوبات.
ما قد يؤدي إلى نوع من التطبيع المجتمعي مع خطاب تعميمي عنصري تمييزي، يتحمل مسؤوليته سياسات رسمية ظلت خائفة طيلة عقود من رفض تشكل مجتمعات موازية على هامش مجتمع السويد، بينما تتحمل الأحزاب اليسارية أيضاً جزءاً من مسؤولية الابتعاد عن أي نقاش يصنف في خانة "العنصرية"، كنوع الحياة واكتظاظ الضواحي وانتشار البطالة والتسرب الدراسي، الذي راقبته بصورة قلقة جمعيات كثيرة عنيت بمصالح المهاجرين.
رغم ذلك، على مجتمعات الأقليات في الضواحي جانب من المسؤولية، عن طريق رفض الخضوع للممارسات الترهيبية للعصابات. فالمسؤولية ليست على طرف دون آخر، فالجميع يتحمل مسؤولية ما وصلت إليه الأمور، وذلك يحتاج إلى شجاعة المراجعة قبل أن يُراكم اليمين المتطرف مكاسبه على حساب الدم الذي يسيل، والمستقبل الضبابي للحياة في السويد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.