يعيش الإنسان مراحل مختلفة في حياته، ومن بين هذه المراحل تأتي مرحلة ما يمكن تسميتها "المرحلة الملكية". في هذه المرحلة، يصبح الإنسان متفهماً للغير ولا يشعر بحاجة للخوض في نقاشات أو جدالات. حتى لو تعرض لأقوال غير صحيحة من الآخرين، فإنه لا يحاول إثبات خطئهم. بدلاً من ذلك، يستمتع برؤية الآخرين وهم يكذبون، مع العلم أنه ربما يعرف الحقيقة.
الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه يقول: "لا تحرموا الإنسان من الكذب، لا تحرموه من تخيلاته، لا تدمروا خرافاته، لا تخبروه الحقيقة، لأنه لن يتمكن من العيش من خلال الحقيقة".
هذه المرحلة ربما تجعل الإنسان يرى العالم بمنظور مختلف وأهدأ. يتفهم أنه لا يمكنه تغيير العالم بمفرده، وأن الجاهل سيبقى جاهلاً والغبي سيظل غبياً. سيعيش حياته بسلام وسعادة، ولكنه سيكون مراقباً لما يحدث حوله.
في هذه المرحلة، سيزداد إيمانك بالقضاء والقدر، وستكتشف أن القناعة هي أكبر سعادة. لذا، إذا وصلت إلى هذه المرحلة، فلا تحاول تغيير نفسك، بل افتخر بأنك أصبحت ملكاً على ذاتك، وأنت واثق من تفكيرك وتصرفاتك.
ففي النهاية، ستدرك أن السعادة لا تعتمد على الأمور المادية، بل على القيم والقدرة على فهم الحياة بعمق. في هذه المرحلة الملكية، نمتلك القدرة على التفكير بوجدان وسلام داخلي. نستطيع رؤية العالم من منظور مختلف، وندرك أهمية القيم الإنسانية والعلاقات الإيجابية مع الآخرين. نتقبل حقيقة أن الحياة مليئة بالتحديات والمصاعب، ولكننا نتعامل معها بصبر وثقة بأن القدر سيسهم في توجيهنا نحو الأفضل.
فكلما تقدمنا في مراحل حياتنا، ستزداد حكمتنا وفهمنا للعالم من حولنا. فنصبح مدركين بأن القيم والمعاني الحقيقية للأمور تكمن في جوهرها، بغض النظر عن القيم المادية التي قد تكون متباينة. إذا ارتدينا ساعة بسعر 300 أو 3000 دولار، فإن الوقت الذي تقدمه لنا ستكون هو نفسه بغض النظر عن قيمتها المادية.
على نفس النحو، إذا كان لدينا محفظة نقود بقيمة 30 أو 300 دولار، فإن القيمة الحقيقية تأتي من كيفية استخدام تلك الأموال بشكل حكيم ومعقول.
وكما أدركنا أنه مهما كانت مساحة المكان الذي نعيش فيه، فإن الشعور بالوحدة والانتماء لا يعتمد على حجم المكان بل على العلاقات والتواصل مع الآخرين. علموا أبنائكم أن يكونوا أتقياء وحكماء، وستجدونهم يقدرون الأشياء لأنها تعبر عن قيمها وليس فقط عن ثمنها.
تلك الفلسفة تشجعنا على تقدير القيم الحقيقية في الحياة، وتسلط الضوء على أهمية النظر إلى الأمور بعمق وحكمة. إنها تلمس جوهر السعادة، التي تأتي من القناعة والتفكير العميق والتفهم الشامل.
عندما نرفع أنظارنا عن الأمور السطحية وننظر إلى العالم بعيون ملكية الذات، نكتشف أن الحياة ليست فقط عبارة عن مجموعة من الأحداث والمشاكل، بل إنها تصبح مغامرة مثيرة تحمل في طياتها دروساً وتجارب قيمة.
في النهاية، يصبح لدينا وعي بأن السعادة لا تتمثل في الأمور المادية فحسب، بل تكمن في فهمنا لقيم الحياة والتقدير لمعانيها. لذا، يجب علينا تعليم أبنائنا أهمية القيم والأخلاق وكيفية التعامل مع الحياة بحكمة. عندما يكبرون، سيكونون قادرين على التفكير بعمق وتقدير الجوانب الحقيقية للحياة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.