بدأت فكرة المراهنات في أزمنة مضت؛ بدأت مجرد أكشاك صغيرة يُمكن للمتسكعين خلالها أن يظفروا بالقليل من الأموال جراء محض هُراء!
كانت فكرة المراهنات غير مستساغة في معظم دول العالم؛ لبساطتها كفكرة، ولسخافتها كمضمون، كونها لا تخضع لقانون يُحرّم تداولها، وفي الوقت نفسه لا يوجد قانون يُبيحها لكل الناس.
المراهنات؛ هي لعبة يانصيب قبيحة، تُعطي من يدفع وتمنع عنه نظير أمور لا علاقة له بها على الإطلاق، مثل كرة تسكن الشباك، أو كرة تصطدم بالعارضة، أو حتى كُرة تصل إلى المكان الذي يستحيل تصديق أنها وصلت إليه.
المراهنات كانت القمار الذي يتخفى به مؤسسوه عن أعين العامة؛ خشية أن يعلموا أنهم يكسبون الكثير من الأشياء التي لم يتعرق الواحد فيهم قطرة لأجلها!
واستمرت الفكرة هكذا، إلى أن أصبحت هوس الشباب، ليس فقط في النطاق الأوروبي الذي يمكن أن يُبيح مثل هذه الأمور بصورة بسيطة، وإنما امتد هذا الهوس حتى وصل إلى النطاق العربي.
هوس بعض الشباب بها
مشجعو كرة القدم، يمكن استقطابهم بمنتهى السهولة، من خلال اللعب على أوتار تعصبهم الساذج للعبة وكذلك لأندية لا تعلم من الأساس بوجودهم على أرض الواقع.
بالإضافة لذلك لعبة كرة القدم، واحدة من أشهر الرياضات في العالم، تمثل منصة جذبت اهتماماً هائلاً من قبل متابعي المراهنات والبحث عن الثروة السريعة. بفضل التطور التقني، أصبحت شركات المراهنات العالمية متاحة الآن للرياضيين والساعين للمراهنات عبر الإنترنت. إذ يمكن للجميع اليوم تجاوز حجب مواقع المراهنات باستخدام الشبكة الافتراضية (VPN).
وعلى الرغم من عدم شرعية ممارسة المراهنات في بلادنا العربية، فإن شركات المراهنات قد تسللت إلى مجال كرة القدم، بما في ذلك الدوريات السعودية والمصرية. فبعض الشركات المشروعة وغير المشروعة دخلت وقدمت رهانات على مبارياتها.
وتستهدف فكرة المراهنات في البلاد العربية هؤلاء اليائسين، الذين لم يتركوا فرصة عمل إلا وطرقوا بابها، ولم يُفوتوا فرصة توظيف إلا وخاضوا مقابلتها، وانتهى بهم المطاف -أغلبهم- إلى التسكع في الطريق، أو حتى البقاء بلا عمل عاطلين!
المراهنات كانت تستهدف هذه الفئة؛ فئة تريد أي عائد مادي نظير لا شيء تقريباً، عائد مادي يشفي صدرها من ألم معيشي صعب يُنسيها أنها لا تستطيع إيجاد فرصة لكسب الأموال عن طريق الكد والاجتهاد مثل بقية الناس.
هذه الفئة، ومن شدة احتياجها للمال؛ تركت الحلال والحرام على جنب، وقررت ألا تهتم بمشروعية أي شيء، إذا كان المال القليل قد تمنّع عليها، فماذا سيفعلون إذا كان الوفير قد أتاهم طارقاً أبوابهم بنفسه؟
هذا التساؤل يُجيب عنه الواقع الاجتماعي الصعب لفئة لا تعرف للمال سبيلاً إلا عن طريق المقامرة؛ تكسب جنيهاً فتبيعه أضعافاً أو تخسره أضعافاً.
ومن الاستهداف الأولي لهذه الفئة، بدا كأن الجميع يُريد هذه المرحلة التي تأتي بالمال بلا تعب، بلا كد، بلا نقطة عرق، وأصبح الجميع يُشاركون في هذه الدائرة التي تدور على أحدهم وتتخطى الآخر.
المراهنات في كرة القدم لها أكثر من طريقة:
– الطريقة الأولى هي الطريقة التي تعتمد على بطل الموسم في بطولة الدوري على سبيل المثال، وهذه الطريقة تُجدي نفعاً من خلال توقع البطل في كل بطولة، وهو أمر لا يبدو صعباً بالنظر لسجل الفائزين على مدار تاريخ هذه البطولة!
– الطريقة الثانية هي الطريقة التي تعتمد على توقع الفائز في جولة من جولات بطولة الدوري؛ وهي طريقة يتم اتباعها بشكل لحظي ومؤقت، ويُغلق التراهن فيها قبل بداية اللقاء مباشرة.
– الطريقة الثالثة التي تعتمد بشكل أساسي على المباريات المصيرية والمهمة في مختلف البطولات، وهذه المراهنات قد تكون الأكثر رواجاً؛ كون الجميع يُحب مباريات القمة ويُمكنه التراهن فيها، على عكس المباريات البسيطة التي يسهل رؤية طرفيها وتوقّع من سيكون الفائز بنسبة كبيرة جداً!
الغربي أصبح عربي
على قميص ريال مدريد الإسباني، كانت توجد إحدى الشركات الراعية لمثل هذه النوعية من المراهنات، ولسنوات، ولم يكُن اسمها رائجاً بشكل كبير في الأوساط العربية، تماماً مثلما نرى أن الراعي الرسمي لبطولة دوري أبطال أوروبا هي شركة لتصنيع الخمور، والراعي الرسمي لأندية أوروبية أخرى، هي شركات تتنافس على تصنيع الخمور أيضاً.
وكان الأمر كما لو كانوا أحراراً في مذاهبهم ومعتقداتهم، ماداموا بعيدين عن المجتمع العربي الذي يعلم بحقيقة كل شركة، ويفهم كيف تُروج مثل هذه الشركات لأفكارها، وهو ما بدا واضحاً في العقد الأخير بصورة لا يُمكن التغاضي عنها!
لكن الورطة، والمعضلة الكُبرى، أن هذه المراهنات عرفت كيف تتسلل إلى العالم العربي، عرفت كيف تصل بزي رسمي وأنيق وبعيد كل البُعد عن هذه الصورة البشعة التي يراها الناس في المرآة الظاهرة لها.
لم تعُد في عالم كرة القدم العربية اسمها "مراهنات"، بل ألبسوها ثوباً أنيقاً بمصطلح عربي يبدو محترماً، فأطلقوا عليها "التوقعات".
وأصبحت التوقعات هوساً لدى بعض الشباب العربي، الذي لا يتشابه مع الغربي في أي شيء، كون الشباب الغربي يُراهن لأنه يُحب هذه الأمور المباحة لديه، لكن الشباب العربي قياسه أقوى وأصعب!
الشباب العربي، يُعاني من البطالة، ويُعاني من الأوضاع المعيشية الصعبة؛ فبات من الصعب أن تنتزع من فم أحدهم لُقمة "حرام" كما نُطلق عليها.
بات من الصعب، بعد أن رُفضوا في العديد من الشركات، وكذلك أصبحت الأسعار تهبط وترتفع في اليوم مرات ومرات، أن يتخلوا عن تجارة "حرام" وإن كانوا يعرفون ما ينتظرهم من جزاء بسببها!
هذا النوع من المال، الذي تضع منه 10 جنيهات فتكسب 1000 جنيه؛ يدعى مقامرة، في المفهوم العربي والعقائدي لدى المجتمع العربي.
القمار؛ لا يعتمد على أي نوع من المجهود ولا العطاء، مال مُتسخ يعتمد على ضربة حظ، وفي نظيره سوء حظ، مال يُمكن له أن يجعلك تصنع ثروة في ليلة واحدة، ويمكنه أن يجعلك تخسر كل أموالك في الليلة نفسها!
القمار؛ يصل بك إلى الجنون والإدمان، إذ سيجعلك تُراهن بكل ما تملك، وتستلف لكي تُراهن، ثم سيُصبح الرهان هو عملك الذي يعتمد على أشخاص لا علاقة لك بهم، سوى أنك تتوقع، بأنهم قد يكونون جيدين في مباراة الليلة، أو أنهم سيخذلون أوراقك النقدية.
من الناحية الدينية؛ فمن السهل البحث عن وقائع هذه الأمور، ومعرفة ما تؤول إليه في نهايتها، ومعرفة كيف يرى الدين ما يُسمى بالقمار، أي الميسر، وهو شيء نهى الدين الإسلامي عنه.
لأن الميسر في أصله هو طريقة يُزينها الشيطان؛ تهدف إلى زيادة المال أو نقصانه بلا حركة واحدة من صاحب المال نفسه، سواء عن طريق الحلال أم الحرام.
على كل إنسان، أن يتبرأ من هذا النوع القبيح من المال؛ لأنه لا يُرضي الله، ويجعل حامله يعيش في دوامات كبيرة، تنتهي به لحالة من الحالات الآتية: الجنون، الإدمان، أو المعيشة الضنك التي يذهب ما يأتي منها كما جاء!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]